ليبيا: أسبوع حاسم أمام باتيلي لإطلاق مسار تفاوضي شامل

04 اغسطس 2023
يرأس المشري المجلس الأعلى للدولة منذ عام 2018 (Getty)
+ الخط -

تزداد الفرص أمام البعثة الأممية في ليبيا لإطلاق مسار تفاوضي جديد لتنشيط العملية السياسية في البلاد، والتي تواجه تعثراً في ملف إجراء الانتخابات، خصوصاً مع جملة من المستجدات المرتقبة الأسبوع المقبل، والتي قد تهدّد قدرة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على الاستمرار في احتكارهما للقرار السياسي.

وفي الوقت الذي استبعدت فيه مصادر برلمانية إمكانية تمرير مجلس النواب تعديلاته المرتبطة بالقوانين الانتخابية خلال جلسة مقررة الاثنين المقبل، يستعد المجلس الأعلى للدولة لانتخاب رئاسة جديدة قد تؤثر على توافق المجلسين حول إصدار خريطة طريق المسار التنفيذي للقوانين الانتخابية.

أسبوع حاسم أمام مجلسي النواب والدولة

ويُنتظر أن يطرح مجلس النواب خلال جلسة الاثنين المقبل القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6 المشكّلة من مجلسي النواب والأعلى للدولة، للتصويت عليها بشكل نهائي بعد تضمين ملاحظاته عليها، لتصبح خريطة الطريق التي صادق عليها الأسبوع الماضي نافذة. لكن مصادر برلمانية استبعدت في حديث لـ"العربي الجديد" قدرة رئاسة المجلس على إدراج هذه القوانين ضمن بنود أعمال الجلسة المقبلة، موضحة أن ملاحظات مجلس النواب لم تتبنها لجنة 6+6 حتى الآن بسبب مطالبة ممثلي مجلس الدولة في اللجنة بتأجيلها إلى ما بعد انتخاب رئيس للأعلى الدولة.

مصادر برلمانية استبعدت قدرة رئاسة المجلس على إدراج تعديلات القوانين الانتخابية في أعمال جلسة الاثنين

وكشف أحد المصادر، وهو عضو في لجنة التواصل السياسي في مجلس النواب، عن إبلاغ رئيس البعثة الأممية عبد الله باتيلي، رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، خلال لقائه به مساء أول من أمس الأربعاء، جملة من التحفظات حول القوانين الانتخابية، ومنها عدم وضوح الآجال الزمنية لإجراء الانتخابات فيها.

وذكر المصدر أن باتيلي شدّد أمام صالح على ضرورة قبول الأخير إشراك أطراف ليبية جديدة في عملية التفاوض القائمة بين مجلسي النواب والدولة لإدخال جملة من الإصلاحات على القوانين الانتخابية لتقريبها من واقع التطبيق. وأشار المصدر إلى عدم ممانعة صالح لتوسيع دائرة المشاركين في جهود إدخال تعديلات على القوانين الانتخابية.

وأوضح المصدر أن عدم ممانعة صالح إطلاق البعثة مساراً تفاوضياً شاملاً جاء بسبب حرجه بشأن عدم قدرته على تمرير الملاحظات التي أوصى بها مجلس النواب في القوانين الانتخابية، كونها خطوة ضرورية لتصبح خريطة الطريق نافذة.

وعلى الرغم من ذلك، لفت المصدر نفسه إلى أن صالح لا يزال يحاول الالتفاف على مساعي البعثة الأممية، عبر اتصالات أجراها مع سفراء بعض الدول الغربية في ليبيا الذين أبلغهم خلالها بضرورة الإبقاء على دور أساسي لمجلس النواب كشرط للقبول بالمشاركة في المسار التفاوضي الجديد، وكذلك ضرورة قيام البرلمان بإصدار أي اتفاق ينجم عن هذا المسار.

وجاء لقاء باتيلي وصالح بعد أيام من التوتر والتصعيد بين الطرفين، إثر إبداء البعثة الأممية رفضها اعتماد مجلس النواب خريطة طريق قبل المصادقة النهائية على القوانين الانتخابية وإجراء تعديلات عليها تجعلها قابلة للتنفيذ، وهو ما رفضه 60 عضواً في مجلس النواب في بيان مشترك اتهموا فيه باتيلي بالسعي إلى عرقلة توافق مجلسي النواب والدولة.

وقابل باتيلي موقف مجلس النواب بتصعيد أكبر، إذ اتهم مجلسي النواب والدولة بأنهما يريدان "ترتيبات وحكومات انتقالية جديدة لتقاسم الكعكة فقط"، مؤكداً أن "الأمم المتحدة ليست هنا لمحاباة أحد، بل لتقديم الحلول للبلاد، ونعمل على دعم الليبيين والجمع بينهم، ولا نسعى إلى تغليب طرف على حساب آخر".

لم يمانع صالح توسيع دائرة المشاركين في المشاورات، وذلك بشروط

وعلى الرغم من إعلان لجنة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي في مجلس النواب، عن مخاطبتها للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ومجلس الأمن الدولي بضرورة التزام باتيلي بصلاحياته الممنوحة له وعدم تجاوزها، إلا أن المبعوث الأممي لا يزال متمسكاً بموقفه من ضرورة إطلاق مسار تفاوضي شامل يتجاوز مجلسي النواب والدولة.

وإثر لقائه صالح، مساء الأربعاء، قال باتيلي إن اللقاء "ركّز على الحاجة الملحّة لوضع اللمسات الأخيرة على الإطار القانوني الذي أعدته لجنة 6+6 ليكون قابلاً للتنفيذ"، وإنه أكّد لصالح "أهمية تأمين تأييد الأطراف الليبية الرئيسية الأخرى لضمان شمولية العملية الانتخابية" وفقاً لتصريحه للصفحة الرسمية للبعثة الأممية في ليبيا.

وبالتزامن مع جلسة مجلس النواب المقبلة، دعت رئاسة المجلس الأعلى للدولة، مساء الأربعاء، "الأعضاء إلى حضور جلسة انتخاب مكتب الرئاسة"، الأحد المقبل.

وتحدثت مصادر متطابقة مقربة من المجلس الأعلى للدولة، لـ"العربي الجديد"، عن ترشح عضوين في مجلس الدولة لرئاسة المجلس، إضافة إلى ترشيح الرئيس الحالي خالد المشري، موضحة أن العضوين الآخرين هما محمد تكالة وناجي مختار، المناوئان لمواقف المشري في تقاربه مع مجلس النواب.

وكشفت المصادر عن تراجع كبير في حظوظ المشري للفوز بولاية سادسة لرئاسة المجلس، مشيرة إلى اتجاه عام نحو تصويت غالبية أعضاء المجلس لصالح تولي تكالة الرئاسة.

وتولى المشري رئاسة مجلس الدولة منذ عام 2018، وأعيد انتخابه خمس مرات، ضمن دروات رئاسة المجلس السنوية.

ويوافق الناشط السياسي مختار الإمام، على أن الأسبوع المقبل هو "أسبوع حافل بالمعطيات السياسية المرجحة للتغيير"، لكنه يلفت إلى أنها معطيات "معلومة للمتابع، خصوصاً انتخاب رئاسة جديدة لمجلس الدولة، ولذا بتقديري هي ما تفسر لهجة باتيلي التصعيدية الجديدة ضد مجلسي النواب والدولة المختلفة عن خطاباته السابقة التي خضع فيها لضغوط المجلسين".

ويقول الإمام في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "باتيلي يدرك أن المشري لا حظوظ له في الفوز برئاسة جديدة في ظل تنامي قوة خصومه ومعارضيه داخل مجلس الدولة، وبالتالي سيفقد عقيلة صالح شريكاً أساسياً في فرض مشروع القوانين الانتخابية وخريطة الطريق، وسيبقى مكسور الجناح"، بحسب تعبيره.

أحمد العاقل: مشكلة باتيلي الأساسية عدم وجود نخب وقوى سياسية فاعلة يمكن الاعتماد عليها

ويعرب الإمام عن اعتقاده بأن "هذه الخلفية هي التي أعطت لباتيلي قوة ودافعاً للذهاب للقاء صالح ليبلغه وجهاً لوجه بأن القوانين الانتخابية لا بدّ من تطويرها وبأن العملية السياسية تحتاج إلى مشاركة أوسع". ويرى الناشط أن "المعنى الواضح لذلك هو أن على صالح الانضمام إلى المسار التفاوضي، إذ لم يعد قوياً كما في السابق مع (احتمال) انزياح شريكه في مجلس الدولة".

ويؤكد الإمام أن تغير رئاسة مجلس الدولة سيمهد الطريق لفرض باتيلي خطته لبدء عملية سياسية جديدة، معتبراً أن الأخير استمد نشاطه وقوته من بيان سفارات الدول الخمس الأخير، والذي أعلنت فيه دعمها "لاتجاهه في البدء في بناء عناصر عملية سياسية شاملة".

مؤشرات لا تخدم خطة باتيلي

وفي خضم تبادل التصريحات والبيانات بين باتيلي ومجلس النواب بشأن اعتماد المجلس خريطة طريق المسار التنفيذي لقوانين لجنة 6+6 الانتخابية، أعلنت سفارات الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، في بيان مشترك يوم 27 يوليو/تموز الماضي، دعمها لجهود باتيلي في إشراك جميع الأطراف في معالجة جميع النقاط المختلف عليها في قوانين لجنة 6+6، لجعلها قابلة للتنفيذ.

وأكد بيان السفارات "دعم تأمين الاتفاق السياسي الشامل والضروري على طريق الانتخابات من خلال مساحة متكافئة لجميع المرشحين"، داعية إلى أن يكون النقاش حول خريطة الطريق "جزءاً من المفاوضات السياسية الأوسع التي تيسرها الأمم المتحدة". كما دعا البيان لأن "ينصب تركيز قادة ليبيا على العمل للاستجابة لمطالب الليبيين المستمرة بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب وقت ممكن"، وضرورة مشاركة جميع الأطراف بشكل بنّاء مع باتيلي من أجل تأمين البيئة السياسية والأمنية والقانونية اللازمة لإجراء الانتخابات.

لكن في المقابل، لا يرى الأكاديمي المهتم بالشأن السياسي أحمد العاقل، أن مستجدات الأسبوع المقبل ستشكل معطيات جديدة يمكن أن تهيئ أرضية لانطلاق مفاوضات سياسية جديدة، مذكّراً بأن باتيلي سبق أن "أعلن عن مشاريع مشابهة، ومنها تشكيل لجنة رفيعة المستوى لكنه لم يفعل شيئاً".

ويوضح العاقل في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المشكلة الأساسية التي واجهت فشل باتيلي في السابق لتشكيل لجنة رفيعة المستوى لا تزال قائمة حتى الآن، وهي عدم وجود نخب وقوى سياسية فاعلة يمكن الاعتماد عليها".

ويلفت العاقل إلى جانب آخر يتعلق بالمستجدات المرتقبة في مجلس الدولة، بقوله إن "تكالة هو صاحب الحظوظ الأكبر في رئاسة مجلس الدولة بديلاً عن المشري، وهو معروف بقربه من رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، ومنذ فترة هناك معلومات متداولة بشأن تحالف بين الدبيبة وقطاع عريض من خصوم المشري في مجلس الدولة يهدف إلى إسقاط المشري".

ويضيف أن "وجود الدبيبة بالقرب من قرار مجلس الدولة يعني وجود شخصية أكثر معارضة لإجراء الانتخابات من المشري نفسه، ورأينا إبان اختيار ملتقى الحوار السياسي لرئيس حكومة موحدة قدرة الدبيبة على بناء تحالفات وصل بها إلى رئاسة الحكومة، وتمكنه من بناء مثلها لاختراق أي عملية سياسية جديدة وتحويل نتائجها لصالحه، خصوصاً مع وجود طرف سياسي هام كمجلس الدولة إلى جانبه إذا ما تنحى المشري".

وبحسب العاقل، فإن "إسقاط المشري في كل الأحوال لن يكون في صالح خطط باتيلي، فبغض النظر عن قرب الدبيبة من التغيير المرتقب في مجلس الدولة، لا بد من الانتباه إلى أن تكالة من ذلك التيار الذي يطعن في قانونية التعديل الدستوري الذي انبثقت عنه لجنة 6+6، وهذا يعني نسف قوانينها والعودة إلى المربع الأول، بخلاف فكرة باتيلي التي تؤسس لإطلاق مفاوضات أساسها تعديل القوانين الانتخابية لتجاوز الرجوع للخلف والبدء من نقطة الصفر".

ويرى العاقل أنه ليس أمام باتيلي سوى ترقب نتائج ما سيحمله الأسبوع المقبل من مستجدات، وبالإضافة إلى ذلك ضرورة وضوح المواقف الإقليمية للدول المعنية بالوضع في ليبيا. ويقول: "باستثناء القاهرة التي أعلنت عن موقفها الداعم لمسار توافق مجلسي النواب والدولة، فالأطراف الأخرى سواء الولايات المتحدة أو العواصم الغربية وتركيا وروسيا كلها تلزم الصمت ربما بسبب تراجع اهتمامها بالملف الليبي، وهو مؤشر لا يخدم قضية إطلاق عملية سياسية تخرج اتفاقاً جديدا".

المساهمون