ليبيا... أزمة شخوص

23 يونيو 2022
مجلس النواب بات قراره حصراً بيد عقيلة صالح (جلال مورشيدي/الأناضول)
+ الخط -

انتهت جولات المفاوضات الدستورية الليبية في القاهرة من دون أي نتائج ملموسة، ليس بسبب عدم قدرة المتفاوضين على التفاهم، فهم ذوو خبرة في اللقاءات والحوارات والمشاورات والاجتماعات، لكن بسبب فشل إجراء لقاء بين خالد المشري وعقيلة صالح، كان من المفترض أن ينهي النقاط العالقة في المسار الدستوري. وفي الوقت ذاته، انتهى أجل اتفاق جنيف الذي أتى بعبد الحميد الدبيبة للسلطة، ليصبح الصراع بينه وبين فتحي باشاغا، منكشفاً وبشكل صريح.

هكذا هو الحديث الصحيح لتوصيف مسار البحث عن الحلول للأزمة الليبية من دون أي "رتوش" أو ألقاب وصفات رسمية، إذا ما أراد الباحثون حلاً لها. فأزمة البلاد منذ سنواتها الأولى تمت شخصنتها، وفُصّلت المبادرات والحلول على مقاسات شخوصها، وغابت بين ذلك القضية الوطنية.

وحتى العواصم الكبرى التي تلقف كل منها ورقة من أوراق الملف الليبي بعد تدويله منذ عام 2011، لتساوم به من أجل مصالحها، لم تجد بداً من التعامل المباشر من الأشخاص، ولا تزال مختلفة بسببهم حول طريقة إدارة الأزمة للحفاظ على مصالحها.

كل تفاصيل أزمة البلاد تعترف ضمناً، لو تأملنا، بارتباط الأزمة بالأشخاص. فحتى المجاميع المسلحة باتت تُنسب للأشخاص. وعلى الرغم من محاولاتها العمل تحت مسميات حكومية، إلا أنها لا تزال تُعرف بأسماء أمرائها.

فهذه كتيبة غنيوة الككلي (آخر مسمياتها الحكومية جهاز دعم الاستقرار)، وتلك كتيبة عماد الطرابلسي (آخر مسمياتها الحكومية جهاز الأمن العام)، وهناك كتيبة صدام حفتر (آخر مسمياتها لواء طارق بن زياد)، فيما أصبحت المؤسسة العسكرية مختزلة في اسم خليفة حفتر.

ومن ينكر أن مجلس النواب بات قراره حصراً في يد عقيلة صالح، وقريباً منه خالد المشري في ما يتعلق بالمجلس الأعلى للدولة، وليس بعيداً عنهما عبد الحميد الدبيبة بالنسبة لحكومة الوحدة الوطنية؟

أشار أحد النشطاء في تعليق له، إلى حالة الشخصنة في مسارات الأزمة الليبية، عندما اعتبر أن الاتفاق السياسي لم ينتهِ أجله يوم الثلاثاء الماضي، بل انتهى أجله منذ أول أيامه. وظهر ذلك واضحاً فيما بعد، عندما فُتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إذ عادت للواجهة قائمة عقيلة صالح وباشاغا الخاسرة أمام قائمة الدبيبة في انتخابات ملتقى الحوار السياسي لتوحيد السلطة التنفيذية. وكانت عودتها من منطلق خسارتها السابقة، لتفوز عبر بوابة الانتخابات. فالقوانين الانتخابية، التي أصدرها صالح بقرار أحادي، ليس بعيداً فقط عن مشاركة مجلس الدولة، بل أيضاً من دون تصويت من النواب، صيغت لإقصاء أشخاص أولهم الدبيبة، الذي صرح في العديد من المرات بأن هذه القوانين "فُصّلت على مقاس أشخاص بعينهم".

وعندما عجز صالح عن زحزحة الدبيبة من السلطة، وأراد تكليف حكومة جديدة، كان التلاعب واضحاً في عملية الترشح لرئاستها، ليختار لها باشاغا، رفيقه في القائمة الخاسرة.

لم يكن تشريع القوانين الانتخابية كما تم، هو فقط الأمر الذي فُصّل على مقاس أشخاص، بل كان هذا النهج متبعاً من قبل ذلك. فقانون العزل السياسي عام 2013 صدر لإقصاء شخوص من الموالين للنظام السابق. وقرار العفو العام عام 2015 لم يعفَ على أساسه أي من السجناء باستثناء سيف الإسلام القذافي. وبعد الإفراج عنه، أُسدل الستار على القرار. وكان من أسباب إجهاض مسودة الدستور بعد إقرارها عام 2017 أن بعض موادها فُصّلت لتقصي شخص حفتر.

تلك الشخوص العالقة في تفاصيل الأزمة، هي من تقود اتجاهاتها ومساراتها، بل وطوّرت قدراتها وتكيّفت لتتموضع في كل مرة من جديد وفق الواقع المستجد، ولتفرض واقعاً يناسبها. وفي مرحلة ما أقرت تلك الشخوص بضرورة التقارب والتلاقي بعد أن فشلت طيلة المدد الماضية في إقصاء بعضها البعض، فرأينا باشاغا يجلس مع حفتر بعد أشهر قليلة من انتهاء حرب ضروس حول طرابلس كانا فيها قادة للجبهتين، فيما لم يتوقف صالح والمشري عن عقد اللقاءات.

لكن يبدو أن نهاية هؤلاء باتت قريبة، فالقناعة بأنهم سبب الأزمة من يومها الأول باتت هي من تفرض نفسها، وقريباً ستشكل هذه القناعة واقعاً جديداً يقصيهم، ويقصي ظلالهم من خلفهم.

المساهمون