لوائح الإرهاب الأميركية... وتطويع "حماس"

24 فبراير 2018
هنية خلال مسيرة ضد قرار ترامب (مؤمن فايز/ Getty)
+ الخط -
استكملت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عربدتها تجاه القضية الفلسطينية، وهي عربدة بدا مؤخرا من الصعب حصرها، ابتداء من إعلان القدس عاصمة لإسرائيل وإقرار نقل السفارة الأميركية إليها؛ مرورا بإطلاق يد إسرائيل وإقفال كل فرص التسوية الممكنة؛ وتلويحا بوقف الدعم المالي والإعانات للسلطة الفلسطينية، وتجميد الحصة الأميركية في تمويل أنشطة الوكالة الدولية لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"؛ وصولا إلى وضع رئيس مكتب "حماس"، السياسي إسماعيل هنية، على قائمة الإرهاب الأميركية، وإن كان الأمر لم يتوقف عند اسم هنية فقط، بل طاول مجموعة قيادات فلسطينية وفصائل وحركات. ولكن لماذا إسماعيل هنية؟ وما هي خصوصية الرجل؟ وما الموقف العربي الرسمي من الإدراج؟ وهل هناك علاقة ما بين الإدراج وصفقة القرن؟ هل سرّع خطاب هنية وموقفه من صفقة القرن الإدراج؟ وهل يتطور الأمر إلى الاستهداف والتصفية؟
من المعلوم أن إسماعيل هنية هو رئيس الحكومة الفلسطينية سابقا، والمنتخبة وفق انتخابات تشريعية فلسطينية نزيهة وشفافة في العام 2006، أشيد بها دوليا عموما وأميركياً بوجه خاص، ووصفها البيت الأبيض الأميركي بالتاريخية، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض حينذاك، سكوت ماكليلان ''إنه يوم تاريخي ومهم بالنسبة للشعب الفلسطيني. نحن ندعم الشعب الفلسطيني بقوة، كما ندعم انتقاله إلى دولة ديمقراطية، وندعم مساعيه لبناء مؤسسات ديمقراطية''.
وهو أيضا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وفق آخر انتخابات داخلية أجرتها حركة حماس، وهي انتخابات حركية تخضع لمعايير ومحددات وضوابط تنظيمية وهيكلية حاسمة وحازمة. ولم تكن رئاسة الرجل للمكتب السياسي تزكية أو اتفاقاً مسبقاً أو إجماعاً داخل أطر الحركة فقط.
وبالتالي، فالرجل حلّ في مواقعه السياسية الرسمية والحركية وفق انتخابات لا يمكن إلا الإشادة بها، والأهم أننا إذا ما أردنا توصيف أو تصنيف قيادات حركة حماس، وفق معايير الشد والجذب والمرونة والجمود، فإن إسماعيل هنية، وببساطة شديدة يدركها الرجل العادي، يقف في صف الحمائم، وهو توصيف ترفض حركة حماس تعميمه أو اعتماده، كأن يقال تيار الحمائم وتيار الصقور. ولكن قبول حماس أو رفضها للتوصيف لا يمنعان القول إن هنية رجل وسطي في مواقفه، وفوزه برئاسة المكتب السياسي للحركة رآه المتابعون والمختصون والمهتمون من زاوية أن هناك تحولا داخل حركة حماس باتجاه المرونة السياسية داخليا تجاه فتح، وخارجيا تجاه المجتمع الدولي، لاسيما وأن انتخابه لرئاسة المكتب السياسي تزامن أيضا مع إعلان "حماس" وثيقتها السياسية الجديدة. وهو ما يعني أن إدراجه أميركيا في لائحة الإرهاب سلوك مشبوه وخطوة ابتزاز.

دول عربية سبقت ترامب
إدراج إسماعيل هنية في القائمة الأميركية لم يكن سابقة، ولم تكن إدارة ترامب لتقوم بذلك من دون موافقة ومباركة عربية أو صمت وغض طرف عربي رسمي، ولم تكن الإدارة الأميركية لتمرر القرار من دون إجراء بالونات اختبار للمستوى العربي الرسمي، وهي مستويات متقدمة عن قرار واشنطن الأخير. ففي العرف العربي الرسمي، حماس حركة "إرهابية"، ترقى إلى مستوى العدو. فالحركة مدرجة على لوائح الإرهاب العربية، وبالتالي سبق النظام العربي الرسمي وأدواته الخطوة الأميركية. ففي بعض البلدان العربية، فإن مجرد التواصل مع إسماعيل هنية وحركة حماس يعتبر جريمة من جرائم أمن الدولة، وهناك معتقلون على خلفية "التخابر" مع حركة حماس. ودلالات مصطلح التخابر تفوق وصف الإرهاب، وتصل حد العداء، لأن التخابر لا يكون إلا مع العدو.
هذه واحدة، أما الثانية فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سبق وأن وصف حركة حماس، التي يرأس إسماعيل هنية مكتبها السياسي، بالإرهابية، وذلك في مايو/أيار 2017، خلال القمة العربية الإسلامية، التي حضرها ما يقرب من 55 زعيما ورئيسا ومسؤولا، التي عُقدت في الرياض. ولقد وصف ترامب في خطابه حركة حماس بالإرهابية وقارنها بتنظيمي "داعش" و"القاعدة"، وقال إنها تمثل تهديدا إرهابيا للمنطقة، بل وطالب الدول العربية والإسلامية بطردها من بلدانهم، ولم تردّ السعودية مقر الاستضافة على ذلك.

وكعينة فقط لوصف حماس بالإرهابية عربياً، نستحضر أولا وصف صحيفة الرياض لحركة حماس، في أغسطس/آب الماضي، بالإرهابية، وعنونت خبرها قائلة: "وفد من قيادة حركة "حماس الإرهابية" يحضر مراسم تنصيب روحاني"، فيما كررت وصفها لحركة حماس بـ "الإرهابية"، أربع مرات في محتوى الخبر.
إن كان حضور وفد حماس لتنصيب الرئيس الإيراني حسن روحاني يقتضي وصفها بالإرهابية في العرف السعودي، فإن عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي، التقى بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، قبل أيام فقط من زيارة وفد حماس لطهران، وهو تناقض غير مفهوم وتوصيف وتصنيف مدان. ثانيا لم يتوقف توصيف حماس بالإرهابية عند حدود الصحافة، بل تمدد حتى وصل إلى السفير السعودي لدى الجزائر، سامي عبد الله الصالح، الذي وصف حماس بالإرهابية أيضا، وقال: "إن حركة حماس إرهابية، وتسعى لإحلال المشاكل في المنطقة".
وعموما، فقد وفّرت هذه البيئة العربية الرسمية الغطاء الكافي للقرار الأميركي بإدراج إسماعيل هنية على لائحة الإرهاب الأميركية، وهي بيئة صمتت بإطباق ولم تعترض أو تدين أو حتى تشجب القرار ومررته، وربما ارتاحت له، خصوصا أن تقديرها يتوقف عند حد أن هذا الإدراج قد يفضي إلى إلهاء هنية وابتزازه، وربما مساومته، ليرجع خطوة هو وحركة حماس، لتمر عاصفة صفقة القرن، وهو التفسير الموضوعي لأمرين؛ الأول: إدراج واشنطن لإسماعيل هنية، والثاني التماهي العربي مع القرار وغض الطرف عنه أو الإتيان على ذكره.

سيناريو المنظمة
تحاول واشنطن إعادة ذات السيناريو الذي استخدمته مع منظمة التحرير الفلسطينية، والتي كانت مدرجة، وفق العُرف الأميركي، في قائمة المنظمات الإرهابية، وقد مورست عمليات ابتزاز أميركية كبيرة على المنظمة، وفق ذاك الإدراج. ولم يكن بمقدور المنظمة التحرك بأريحية دولياً طالما بقيت مدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية أميركياً، ولم يُرفع الإدراج حتى قبلت المنظمة الاعتراف بإسرائيل والمرور إلى اتفاقية أوسلو، وفي عرف ذاك الزمان، مطلع التسعينيات، فإن أوسلو كانت حينها بمثابة صفقة القرن في وقتها.
واستمر الابتزاز الأميركي للمنظمة حتى غيّرت ميثاقها الوطني وحذفت كل المواد التي يمكن أن تشكل تهديدا لإسرائيل، وأشرف على عملية الترويض وتغيير الميثاق، الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون. ذات السيناريو تريد واشنطن الآن استحضاره مع حركة حماس، رغم التحولات الدولية والإقليمية والتطورات الحادثة من أوسلو حتى الآن. وإدراج هنية، ومن قبل إدراج حركة حماس وكتائب القسام، هو سلوك أميركي يستهدف ابتزاز حماس أولا، واستدعاءها لذات المربع الذي مرت به منظمة التحرير ثانيا؛ وإن اختلفت الأدوات، ففي حالة المنظمة تم الاعتراف بإسرائيل والتعهد بعدم محاربتها واعتبارها شريك سلام لا عدوا يحتل أرض فلسطين، وكانت هذه الصفقة الاعتراف بالمنظمة وإزالتها من اللائحة الأميركية.
والآن، يراد استدعاء "حماس" للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والقبول بأية أرض، وضمان عدم اعتراضها أو خروجها على مقتضيات صفقة القرن، والتي بموجبها تحصل إسرائيل على ما لم تحصل عليه بموجب صفقة أوسلو.
إن خطاب هنية وموقفه وموقف حركته الرافض لصفقة القرن، في مقابل الاقتراب العربي العلني من إسرائيل، قد سرّعا باتجاه أن تستحضر واشنطن ذات سيناريو منظمة التحرير، من دون أن تدرك أو تقرأ الوقائع موضوعيا لدى حركة حماس. وبالمناسبة المرونة التي أبدتها حماس، والتي تجلّت في وثيقتها السياسية، لا تعني أن الحركة مستعدة للذهاب بعيدا للحد الذي يمكنها أن تغض الطرف فيه عن تمرير صفقة القرن، ولكنها تعي أيضا أن واشنطن وحلفاءها العرب يدركون أن حماس ما زال بمقدورها قلب الطاولة وتجييش الرأي العام العربي والإسلامي، وأنه لا يمكن تمرير صفقة القرن من دون ضمان غض الطرف من قبل حماس، أو ربما إشراكها في الصفقة أو ترويضها على الأقل، وملامح الترويض كثيرة وكبيرة، لكن استكمال حلقات الترويض يعني أن حماس تعيد ما حدث مع منظمة التحرير التي تلاشت، ما يعني تلاشي حركة حماس، وهو أمر لا أظن أن الحركة مستعدة للمرور إليه.
إن كلمة السر في إدراج هنية هي ترهيب الرجل وحركته وجمهور حماس وسكان قطاع غزة، وهو ترهيب يهدف إلى أمرين: إما الترويض حتى القبول بصفقة القرن وأن تكون حماس جزءا منها، وإما الترهيب حتى لا تقدم حماس على سلوك يعيق الصفقة أو يعطلها إذا ما ذهبت باتجاه تفعيل يوميات الانتفاضة الفلسطينية وفضحت التماهي العربي الرسمي.
المساهمون