لماذا يريد الروس فتح المعابر للنظام مع مناطق المعارضة السورية؟

26 مارس 2021
تريد روسيا فتح 3 معابر مع مناطق المعارضة (فرانس برس)
+ الخط -

لم تدم محاولة روسيا الترويج لموافقة تركيا على طلب قدمته منذ أيام من أجل فتح ثلاثة معابر تربط مناطق المعارضة السورية في شمال البلاد مع مناطق النظام طويلاً، إذ جددت تركيا أمس الخميس، على لسان مسؤولين فيها تحدثوا لوكالة "رويترز"، نفيها مزاعم روسيا عن فتح معبرين حدوديين إلى شمال غرب سورية، بعدما كانت مصادر في وزارة الدفاع التركية قد أكدت لـ"العربي الجديد" أول من أمس أن المفاوضات لم تنته حول القضية، وأن الإعلان الروسي عن موافقة أنقرة لا يعدو عن كونه محاولة للضغط في هذا التجاه. 
وتزامن نفي أنقرة مع تأكيد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أمس الخميس، عقب اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي شويغو، أنه تم الاتفاق على العمل للحيلولة بدون انتهاك وقف إطلاق النار في شمال سورية والتعاون من أجل السيطرة على "الجماعات الإرهابية". 

عبّر قادة عسكريون في المعارضة السورية عن رفضهم المطلق لفتح المعابر
 

ويأتي ذلك فيما يجمع الشارع السوري المعارض على رفض فتح معابر مع مناطق سيطرة النظام، وفق طلب روسي قدمته الى تركيا منذ أيام، لأن الأمر يندرج في سياق محاولات موسكو إنعاش اقتصاد نظام بشار الأسد المتهالك بسبب العقوبات الدولية، والذي وصل الى مستويات تنذر بـ"ثورة جياع" إذا استمر التدهور الاقتصادي.
وتجلى الرفض على شكل حملات على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل ناشطين معارضين، تدعو إلى رفض طلب روسيا، التي قصفت طائراتها الحربية، خلال الأيام القليلة الماضية، مرافق اقتصادية حيوية في مناطق سيطرة المعارضة السورية في محافظة إدلب وريف حلب الشمالي، في رسالة استباقية تشير إلى نيتها الاتجاه نحو التصعيد العسكري ضد مناطق المعارضة في حال رُفض طلبها.
وعبّر قادة عسكريون في المعارضة السورية عن رفضهم المطلق لفتح المعابر. وذكّر الرائد جميل الصالح، قائد فصيل "جيش العزة"، وهو من فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب، شمال غربي البلاد، في تغريدة، بمآسي السوريين في العديد من المناطق، وخاصة حمص وريف دمشق، نتيجة الحصار الذي ضربته قوات النظام والمليشيات الإيرانية المساندة لها عليها خلال سنوات الثورة، ضمن سياسة "الجوع أو الخضوع". وفي السياق، عبّرت مجموعة من الضباط السوريين المنشقين عن قوات النظام والمنضوين في فصائل المعارضة السورية عن رفضهم فتح المعابر و"إنعاش من يقتل أطفالنا تحت أي غطاء"، مطالبين، في بيان، بتطبيق القرارات الدولية وإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام قبل التفكير بهذا الأمر. وذهب العميد أحمد رحال، وهو ضابط منشق عن قوات النظام، في تغريدة، إلى حد تخوين "كل فصيل يساهم، أو يعمل، أو يسمح، بفتح معبر وتأمين رئة يتنفس منها نظام الأسد المخنوق".

من جهته، أكد مصطفى سيجري، القيادي في "الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لم يُعرض علينا موضوع فتح المعابر مع النظام بشكل رسمي، سواء من قبل الجانب التركي أو الروسي، أو من أي جهة أخرى، ومن ثم فإنه من الصعب بناء موقف في الوقت الراهن". واعتبر أنه في حال قُدم هذا الطلب سيعرض للنقاش، وسيكون لنا موقف معلن من هذه المسألة، سواء كان سلبياً أو إيجابياً.
وواجه النظام الرفض الشعبي والرسمي من قبل المعارضة السورية بفتح المعابر، بناء على طلب روسيا، بالتأكيد على أن المعابر "ستفتح بالبوط العسكري"، وفق عمر، رحمون عضو ما يسمّى بـ"لجنة المصالحة" التابعة للنظام السوري. من جانبها، ذكرت وكالة "سانا" أن النظام فتح، أمس الخميس، ممر ترنبة - سراقب بريف إدلب الشرقي "بهدف استقبال الأهالي الراغبين بالخروج من مناطق سيطرة التنظيمات الإرهابية إلى بلداتهم وقراهم المحررة من الإرهاب"، وفق تعبيرها.
وكانت روسيا قد حاولت، إلى جانب النظام، أكثر من مرة فتح المعابر مع مناطق سيطرة المعارضة، آخرها كان في فبراير/ شباط الماضي، إلا أن هذه المحاولات فشلت بسبب رفض السوريين التوجه إلى مناطق سيطرة النظام، خشية تعرضهم لعمليات انتقام سبق لأجهزة النظام الأمنية القيام بها على نطاق واسع بحق من عاد إلى هذه المناطق. وكان الجانب الروسي قد تقدم، الثلاثاء الماضي، بطلب إلى الجانب التركي، لفتح ثلاثة معابر تربط مناطق المعارضة السورية في شمال البلاد مع مناطق النظام، ابتداء من 25 مارس/ آذار الحالي، وهي سراقب، شرقي إدلب، وميزناز، غربي حلب، في منطقة "خفض التصعيد الرابعة"، وممر أبو الزندين المتاخم لمدينة الباب في منطقة "درع الفرات"، شرق حلب.

خالد تركاوي: النظام يستفيد اقتصادياً بشكل كبير من فتح المعابر
 

ويأتي الطلب الروسي قبيل أشهر من موعد انتخابات رئاسية ينوي النظام السوري تنظيمها وفق دستور عام 2012 لتثبيت بشار الأسد في السلطة، ما يعني أن الخطوة الروسية تأتي في سياق محاولات إعادة تأهيل الأسد من بوابة الاقتصاد، الذي ينوء تحت تأثير العقوبات الدولية، نتيجة المجازر التي ارتكبها النظام ورفضه الانصياع لقرارات الشرعية الدولية للتوصل لحل سياسي للقضية السورية. كما يعد الطلب الروسي محاولة لـ"التحايل" على قانون "قيصر" الأميركي، الذي فرض على مراحل، بدأت في منتصف العام الماضي، عقوبات مشددة على النظام، كون مناطق المعارضة السورية في شمال البلاد غير مشمولة بهذا القانون الذي يضغط بقوة على النظام واقتصاده. وقد أدى هذا الأمر إلى تدهور سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وخاصة الدولار الأميركي، ما تسبب بارتفاع جنوني للأسعار، ما ينذر باحتمال اندلاع حركات احتجاج، ربما تربك كل الحسابات الروسية. وترتبط مناطق سيطرة المعارضة السورية مع الجانب التركي بالعديد من المعابر، أبرزها باب الهوى في محافظة إدلب، وعفرين وباب السلامة والراعي في ريف حلب الشمالي، وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي.
وأوضح الباحث الاقتصادي في مركز "جسور" للدراسات خالد تركاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن النظام السوري "يستفيد اقتصادياً بشكل كبير من فتح المعابر مع مناطق سيطرة المعارضة السورية في محافظة إدلب وريف حلب". وأوضح أن هذه الفائدة ترتبط بتوفير السلع، باعتبار أن مناطق سيطرة المعارضة السورية مرتبطة جغرافياً مع تركيا، ومن ثم فإن مسألة إدخال السلع من خلال العديد من المعابر الحدودية سهلة. وبيّن أن "الحركة التجارية بين مناطق الشمال السوري والجانب التركي تجاوزت قيمتها ملياري دولار"، مشيراً إلى أن النظام "مضطر لاستيراد السلع من أماكن بعيدة عنه، مثل روسيا أو الصين أو إيران، وهذا يعني تكاليف مرتفعة جداً". وأشار إلى أنه في حال فُتحت المعابر فإنه يمكن أن تدخل إلى مناطق النظام سلع ومواد غذائية تفتقر إليها، وخاصة القمح والزيوت والخضار، فضلاً عن وجود جانب سياسي من وراء فتح هذه المعابر. ووفق دراسة للمركز، نشرت أمس الخميس، فإن هناك 9.4 ملايين سوري يعيشون في مناطق سيطرة النظام حالياً، أي ما نسبته 62 في المائة من نسبة عدد سكان سورية، الذين قدرتهم الدراسة بأكثر من 19 مليون نسمة.

المساهمون