التقارب بين أنقرة ودمشق: اندفاع تركي وبرود من النظام السوري

13 يوليو 2024
جنود أتراك في محافظة حلب، 1 يوليو 2024 (عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الاندفاع التركي والبرود السوري:** الرئيس أردوغان يدعو الأسد للقاء لتجاوز الخلافات، لكن دمشق ترد ببرود عبر صحيفة "الوطن"، مقللة من أهمية التقارب.
- **شروط النظام السوري:** دمشق تشترط انسحاب القوات التركية من سوريا لأي تقارب، وتؤكد على سيادة الأراضي السورية ومحاربة الإرهاب، مع نفي التواصل مع الأحزاب التركية.
- **التحديات المشتركة والتنازلات المحتملة:** مكافحة المجموعات الكردية والتجارة والأمن الحدودي قد تشجع التقارب، لكن ملف اللاجئين وإيران يعقدان المفاوضات.

في مقابل الاندفاع التركي لفتح طريق التواصل مع النظام السوري في دمشق، جاء البرود من العاصمة السورية في التعاطي مع هذا الملف، رغم وجود النظام ضمن أحد طرفيه. وفي حين وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الدعوة بشكل علني وصريح للقاء رأس النظام السوري بشار الأسد في المكان الذي يختاره الأخير، فإن الردود الرسمية على تلك الدعوة لم تخرج من دمشق حتى الآن. لكن النظام دفع بصحيفة الوطن، المقربة منه التي عادة ما يستخدمها لإبداء موقفه غير المعلن، للتقليل من مسألة التقارب بين أنقرة ودمشق مع إظهار عدم اكتراث بتطبيع العلاقات بين الطرفين.

وليل الخميس ــ الجمعة جدد أردوغان، في مؤتمر صحافي عقب مشاركته في جلسة "مجلس الناتو وأوكرانيا"، التي عُقدت على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، تأكيده لمسألة الانفتاح على النظام السوري وتوجيه رسائل علنية للقاء في تركيا أو دولة ثالثة. وقال أردوغان، إنه خاطب الأسد قبل أسبوعين بالدعوة للاجتماع "إما أن تأتي إلى بلدي أو نجري الاجتماع في دولة ثالثة"، مضيفاً أنه كلف وزير خارجيته هاكان فيدان إجراء محادثات مع نظرائه لتحقيق هذا الأمر، مشيراً إلى رغبته بالبدء بـ"عملية جديدة لتجاوز أي مشاعر خلاف". وكان أردوغان قال في وقت سابق من الشهر الحالي، إن بلاده في انتظار اتخاذ الأسد خطوة لتحسين العلاقات معها، للاستجابة "بالشكل المناسب"، موضحاً أنه لدى كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء العراقي مقاربات بشأن أي لقاء في سياق التقارب بين أنقرة ودمشق في الفترة المقبلة.


هشام غوناي: يربط النظام التقارب بين أنقرة ودمشق بالانسحاب التركي من سورية

رد النظام على التقارب بين أنقرة ودمشق

في المقابل، لم يصدر النظام أي موقف رسمي رداً على كل ذلك، لكن صحيفة الوطن المقربة منه سربت بعض المواقف المتتالية من داخله، بالإضافة إلى إظهار موقف دمشق من عملية التطبيع. وفي تقرير نشرته الصحيفة بعد تصريحات الرئيس التركي، رأت "الوطن" أن أردوغان "واصل إطلاق ما يحلو له من تصريحات بشأن التقارب بين أنقرة ودمشق وإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه في الماضي، في محاولة منه لخلق أجواء سياسية وإعلامية توحي بوصول مسار التقارب إلى نهايات سياسية إيجابية". وأشارت إلى أن الرئيس التركي "تعمّد حتى اللحظة عدم الإتيان على ذكر احتلال بلاده للأراضي السورية، ورفض إطلاق أي تصريح يوحي بإمكانية انسحاب قواته من الأراضي السورية المحتلة شمالاً"، لافتة إلى أنه حاول "وضع الكرة السياسية في الملعب السوري بالقول: إن أنقرة بانتظار اتخاذ سورية خطوة لتحسين العلاقات ليتسنى لبلاده أن تستجيب بالشكل المناسب" لهذا الأمر. كما كشفت "الوطن" نقلاً عن مصادر مطلعة في دمشق عن "اتصالات عربية وروسية لا تزال مستمرة لضمان سيادة الأراضي السورية كاملة قبيل أي اجتماع مزمع عقده بين دمشق وأنقرة في بغداد في وقت لم يحدد ولم تنضج ظروفه حتى الآن". وأضافت المصادر أن "هناك اتصالات مستمرة مع موسكو وعواصم عربية تضمن أن يخرج أي لقاء مع الجانب التركي بتعهد واضح وصريح وعلني بالانسحاب من كامل الأراضي السورية التي يحتلها الجيش التركي ومن لفّ لفيفه وفق أجندة محددة زمنياً". وأضافت مصادر الصحيفة أن "هذه ليست شروطاً مسبقة كما تحلو للبعض تسميتها، بل هي قاعدة أساسية يمكن البناء عليها للبحث في المتبقي من الملفات".

وأول من أمس الخميس، نفت "الوطن" عبر مصادر من النظام السوري، وجود أي تواصل مع الأحزاب الموالية أو المعارضة التركية، وذلك بعد يوم من تصريحات حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، أنه تلقى رداً إيجابياً على طلب رئيسه أوزغور أوزيل لقاء الأسد في دمشق. ونقلت عن مصدر مُطلع من النظام قوله إنه "لا وجود لأي تواصل من قبل الجانب السوري مع أي حزب سياسي تركي، سواء كان موالياً للسلطات التركية أم معارضاً لها". ووفق الصحيفة، توالت "التصريحات أخيراً على لسان المسؤولين والأحزاب التركية الحاكمة والمعارضة، بخصوص ملف التقارب مع سورية، في وقت لا تزال المواقف الرسمية السورية على حالها لجهة انفتاحها على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سورية وتركيا، والمستندة إلى سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها من جهة، ومحاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته من جهة أخرى، وهو الموقف الذي جاء على لسان الأسد خلال استقباله مبعوث الرئيس الروسي الخاص ألكسندر لافرنتييف أواخر الشهر الماضي". وبدا أن أنقرة التقطت هذا البرود من قبل دمشق، للعودة إلى استخدام سياسة "شعرة معاوية" مع النظام، إذ جدد وزير الدفاع التركي يشار غولر إصرار بلاده على إنشاء ممر أمني بعمق يتراوح بين 30 و40 كيلومتراً على طول الحدود بين بلاده وكل من سورية والعراق. وأضاف، خلال اجتماعه في واشنطن مع نظرائه في حلف شمال الأطلسي، أن "تركيا مصممة على تطهير المنطقة بالكامل من الإرهابيين ومواصلة العمليات حتى تحييد آخر إرهابي"، بالإشارة إلى المجموعات الكردية.


أحمد قربي: الواضح أن أنقرة ستقدم تنازلات لكنها قد لا تكون جوهرية

تبدل لهجة تركيا

في السياق، أشار المحلل السياسي هشام غوناي إلى أن "تبدل اللهجة من قبل أردوغان والحكومة التركية حيال النظام ليس وليد اليوم لجهة انتهاج خطاب تقاربي مع دمشق، لكن النظام دائماً ما قابل ذلك بالمماطلة وعدم الجدية. وكان التحليل أو التبرير السابق لموقف النظام هو عدم منح أردوغان فرصة للحصول على مكاسب انتخابية، لكن النظام لم يبدل موقفه بعد الانتخابات (التركية التي أُجريت في مايو/أيار 2023) واستمر بتجاهل دعوات أردوغان، ودائماً ما يربط النظام وجود أي طاولة للتفاوض على التقارب بين أنقرة ودمشق بالانسحاب التركي من الأراضي السورية".

وحول الملفات المشتركة المشجعة للتقارب بين الجانبين، أشار غوناي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مكافحة المجموعات الكردية، لا سيما قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أحد هذه المشتركات، بالإضافة إلى الحرص على تفعيل العلاقات التجارية عبر المعابر، كذلك الأمن الحدودي بين البلدين"، لكن غوناي لفت إلى أن ملف إعادة اللاجئين لا يزال إشكالياً بين أنقرة ودمشق. وتابع: "هناك عامل مهم في ملف التقارب بين أنقرة ودمشق وهو العامل الإيراني الذي لا يدعم التقارب بين أنقرة ودمشق فطهران تضغط على النظام السوري لوضع شرط الانسحاب التركي من الأراضي السوري لبدء التفاوض على التقارب".

وحول إمكانية إحداث خرق حقيقي في ملف التقارب بين أنقرة ودمشق في ظل المعطيات الحالية، أشار الباحث السياسي أحمد قربي إلى أن ذلك ممكن مع وجود رغبة تركية لإتمام الأمر، مضيفاً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن نقاط التقاطع بين الجانبين تنحصر فقط في رفض الوجود الأميركي في سورية، لكنها نقطة مهمة بحسب قربي. وتابع: "هناك رغبة من قبل النظام باستعادة مناطق شمال وشرق سورية، وكذلك التركي الذي يقلقه الوجود الأميركي الداعم للمجموعات الكردية. في السابق، كان النظام أحد داعمي المجموعات الكردية وهو الذي سلمها المناطق في شمال شرقي البلاد، لكن يبدو أنه حالياً يرغب باستعادتها".

وكشف قربي أن "كل ما تبقى من نقاط وملفات بين الجانبين هو نقاط خلافية: الحل السياسي، وإعادة اللاجئين وغيرهما من الملفات. أما النظام في ما يخص ملف اللاجئين فلم يقدم أي تنازل، لا للدول العربية والإقليمية ولا على المستوى الدولي، كما تبرز أيضاً العلاقة بين أنقرة والمعارضة ملفاً خلافياً". وحول السيناريوهات المحتملة، أشار قربي إلى أن ذلك "يعتمد على التنازلات التي سيقدمها الطرفان. وفي ظل الاندفاع التركي وعدم تعاطي النظام مع هذا الأمر بشكل فاعل، فإن الواضح أن أنقرة هي التي ستقدم تلك التنازلات، لكنها قد لا تكون تنازلات جوهرية وربما تتعلق بخفض مستوى العلاقة مع المعارضة، أو الضغط على بعض المنظمات المعارضة على أراضيها".