- عماد غليون، المعارض السوري، يرى أن الانتخابات قد تلعب دورًا في السياسات المستقبلية للنظام، معتبرًا أن النظام يستخدم المجلس لتحقيق مصالحه وإعطاء انطباع بوجود مؤسسات مستقلة.
- الانتخابات الأخيرة شهدت مشاركة متدنية بنحو 33% حسب النظام، لكن تقديرات أخرى تشير إلى أقل من 10%، مع تحول البرلمان تحت النظام الحالي إلى مؤسسة شكلية تفتقر للاستقلالية.
يبدأ يوم غد الاثنين ولمدة سبعة أيام، تقديم طلبات الترشح لعضوية مجلس الشعب السوري ضمن الانتخابات المقرر إجراؤها في منتصف يوليو/تموز المقبل. ونقلت وكالة "سانا" التابعة للنظام السوري عن رئيس اللجنة القضائية العليا للانتخابات القاضي جهاد مراد قوله، إن لجان الترشيح القضائية الفرعية في المحافظات أنهت الاستعدادات اللازمة لتسلم طلبات المرشحين.
وأوضح مراد أن اللجان ستكون موجودة خلال هذه الفترة في مراكز المحافظات، ومن مهامها دراسة طلب الترشح من الناحية القانونية، إضافة الى التأكد من القطاع المنوي الترشح عنه، مضيفاً: "في حال كان الترشح عن قطاع العمال والفلاحين، يجب على المتقدم تقديم وثيقة تثبت انتماءه إلى هذا القطاع، إضافة إلى بيان من غرفة التجارة والصناعة يثبت أنه لا يملك سجلاً تجارياً أو صناعياً إلا إذا كان متعلقاً بإنتاجه الزراعي".
ولفت إلى أنه على لجان الترشيح أن تبت بالطلبات خلال خمسة أيام من تاريخ تقديم الطلب، وإذا لم تبت خلال هذه المدة، يعد الطلب مقبولاً. وفي حال رفض الطلب، أشار مراد إلى أنه يحق لصاحبه الاعتراض خلال ثلاثة أيام، أمام اللجنة القضائية الفرعية، وعليها أن تبت في الاعتراض خلال ثلاثة أيام من تاريخ تقديمه.
ووفق الدستور المعدل لعام 2012، فإن "مجلس الشعب" يتولى السلطة التشريعية في سورية، ومن مهامه: حجب الثقة عن الوزارة أو عن أحد الوزراء، وإقرار الموازنة العامة للدولة وخطط التّنمية، والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تتعلق بسلامة الدولة، والعفو العام.
ورغم الظروف الصعبة التي تمر بها سورية خلال السنوات الثلاث عشرة الأخيرة، إلا أن النظام ظل يحرص على إجراء انتخابات مجلس الشعب، حيث شهدت البلاد ثلاث دورات انتخابية بعد عام 2011، الأولى في 2012 (والتي كان من المقرر أن تجري في 2011)، والثانية في 2016، والثالثة في يوليو/تموز 2020، والتي أُجّلَت مرتين بسبب وباء كورونا.
عماد غليون: انتخابات مجلس الشعب السوري مهمة هذه المرة
ورغم اتفاق معظم السوريين على أن مجمل الانتخابات التي تجري في كنف النظام سواء تشريعية أم رئاسية، هي شكلية، وأن الأمور ستجري في النهاية وفق مشيئة النظام، إلا أن المعارض السوري، وعضو مجلس الشعب السابق عماد غليون، يرى أن مجلس الشعب الجديد الذي سينتج عن هذه الانتخابات، قد يكون له دور مهم في سياق سياسات النظام وخططه للمرحلة المقبلة.
وقال غليون المقيم في فرنسا والذي كان عضواً مستقلاً في المجلس بين عامي 2007 و2011، وانشق عنه بعد اندلاع الثورة السورية، إن هناك بداية حاجة إلى تغيير عدد أعضاء المجلس لأن العدد الحالي (250) كان مصمماً ليناسب عدد سكان سورية قبل الثورة، ومع مغادرة ملايين السوريين البلاد بعد عام 2011، بقي العدد كما هو (نائب لكل 90 ألف من السكان). ولاحظ غليون أن هذه الانتخابات هي الثالثة بعد انطلاق مسار جنيف الذي يفترض أنه يبحث الحل السياسي في سورية وإقامة مؤسسات تمثيلية لكل السوريين، ما يعني أن النظام غير مهتم بالعملية السياسية ويجري انتخاباته بغض النظر عن هذا المسار، مستغرباً عدم وجود رد فعل حيال ذلك من المجتمع الدولي والمبعوث الدولي إلى سورية الذي يشرف على العملية السياسية غير بيدرسون والدول العربية. وقال: "حتى مؤسسات المعارضة تكتفي بوصف ما يقوم به النظام بأنه ديكوري وشكلي، دون أن تقدم هي نفسها على أي إجراء مضاد، أو يشكل بديلاً لما يقوم به النظام".
النظام يفعل المجلس متى أراد
ولفت غليون الى أن النظام السوري يلجأ عادة إلى تفعيل المؤسسات الشكلية حين يريد ذلك، وفق تقديره لمصالحه في كل مرحلة، مشيراً إلى أنه منح المجلس مساحة واسعة للعمل والنقاش الحر في الفترة التي كان هو عضواً فيها بين عامي 2007 و2011، وكذلك يفعل مع الحكومة ووسائل الاعلام، أي يعطيها مساحة للتحرك حين يريد أن يعطي انطباعاً بأن لديه مؤسسات مستقلة. ومن هنا، يضيف غليون: "إذا حدث حل سياسي، فإن النظام سوف يلجأ إلى المجلس لأخذ موافقته على الحلول المقترحة، وسيدعي أن ممثلي الشعب هم من رفض أو وافق على هذا الحل".
وتابع غليون: "سوف يدعو النظام الجميع بما فيهم المعارضة، إلى الامتثال لإرادة الشعب وممثليه، خاصة مع عدم وجود بدائل أخرى عن مؤسسات النظام. وما يساعد على ذلك، ويؤشر إلى إمكانية حدوثه ما نشهده اليوم من انفتاح عربي على النظام، وشبه رضى دولي، وبدء مشاريع التعافي المبكر مع الأمم المتحدة، ما يعكس ملل المحيط والمجتمع الدولي من حالة الانسداد السياسي للأزمة السورية، بسبب طول أمدها".
وأضاف غليون أنه قد لا يغير من هذا التصور، حقيقة أن المجلس غير شرعي، وأن النظام لا يسيطر على ثلث الأراضي السورية، وأن نصف السوريين لن يصوتوا في الانتخابات المقبلة والتي رأى أن إجراءها يعتبر بمعنى ما نجاحاً سياسياً للنظام.
وحول آليات عمل المجلس كما خبرها خلال عضويته فيه، قال غليون إن المجلس بعد "تقزيم صلاحياته بموجب الدستور تحول إلى هيكل خدمي لا يرسم السياسات العامة للدولة"، مشيراً إلى أن توجهات النظام قد لا تصل إلى الأعضاء على شكل أوامر مباشرة، بل من خلال شعبة حزب البعث في المجلس التي تشرع ما تريده السلطة".
وبشأن الرقابة القضائية على الانتخابات، أوضح غليون أنها خاضعة في المحصلة للسلطة التنفيذية التي هي تابعة للأجهزة الأمنية، "فالعملية برمتها تفتقد إلى النزاهة بسبب سيطرة أجهزة الأمن على كل مراحلها، في ظل عدم وجود مراقبة قضائية مستقلة، ودستور ينزع الصلاحيات المطلقة التي أعطيت لرئيس الجمهورية. ولفت على سبيل المثال، إلى أنه بوصفه متحدراً من محافظة حمص، يعرف منذ اليوم من سيفوز في الانتخابات المقبلة في المحافظة من المستقلين، حيث يراعى دائماً التقسيم المناطقي والطائفي والعشائري، متوقعاً ظهور أسماء جديدة من العائلات نفسها التي يكون لها ممثلون في المجلس، على غرار ما حصل في انتخابات حزب البعث الأخيرة.
ولفت غليون أخيراً الى أن وزارة داخلية النظام تفتقد إلى إحصائيات دقيقة حول المتبقي من عدد سكان سورية تحت سيطرة النظام، ومن يحق لهم التصويت.
مشاركة متدنية
وفي الانتخابات الأخيرة، أعلن النظام السوري أن نسبة المشاركة، بلغت نحو 33% من مجموع من يحق لهم التصويت، إلا أن تقديرات مختلفة، بما فيها مواقع موالية للنظام، أكدت أن نسبة المشاركة الفعلية لم تتجاوز 10%، وقد تم تحصيلها بفضل الانتخاب الإجباري المفروض على الموظفين، وطلاب الجامعات وعناصر الجيش والأمن.
وفيما أحجمت المناطق الواقعة تحت سيطرة الإدارة الذاتية في شرق سورية عن المشاركة، لم تشارك بطبيعة الحال المناطق الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة في الشمال السوري، أي إن ثلث الشعب السوري في المحصلة لم يشارك، في حين لا تسمح إجراءات النظام بمشاركة اللاجئين في الخارج المقدر عددهم بسبعة ملايين شخص، نتيجة اشتراطها ضرورة أن يحمل المشارك جواز سفر ساري المفعول وعليه ختم خروج من أحد المعابر الشرعية، وهو ما لا ينطبق على معظم اللاجئين السوريين.
حياة برلمانية سورية عريقة
ويعد البرلمان السوري من أقدم المؤسسات التشريعية في المنطقة العربية، إذ تأسس عام 1928، وظل يقوم بدور هام في الحياة السياسية والتشريعية للبلاد انطلاقاً من صلاحياته الواسعة وسلطته في التشريع ومراقبة السلطة التنفيذية. ومع تسلم حزب البعث السلطة في انقلاب مارس/آذار 1963 كان أول إجراء قام به هو تعطيل البرلمان ومصادرة صلاحياته لمصلحة الحزب والجيش.
ومع وصول الرئيس السابق حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970، أعيد إحياء البرلمان تحت اسم "مجلس الشعب"، لكنه عمل على تحويله إلى مؤسسة شكلية من دون صلاحيات وتدور في فلك النظام، بعد أن استأثر لنفسه بمعظم صلاحيات المجلس، بما في ذلك حق التشريع وإقرار القوانين وتعيين الحكومة والوزراء، وحتى حل المجلس إن أراد.
ورأى المحلل السياسي أحمد الباشا في حديث لـ"العربي الجديد"، أن حرص النظام على إبقاء هذا المجلس برغم علمه بأنه فاقد للمصداقية، ولا يحظى باحترام غالبية السوريين الذين عادة ما يصفونه بمجلس "المصفقين"، يعود إلى سببين أولهما مكافأة رجال النظام ممن أدوا له خدمات معينة عن طريق تمكينهم من الوصول الى المجلس، ما يضمن ولاءهم، ويغري غيرهم بالتنافس على خدمة النظام، والاستفادة من المزايا التي يتمتع بها عضو المجلس لجهة الحصانة والراتب الشهري، والامتيازات المادية والمعنوية. والسبب الثاني كما يضيف الباشا، هو إعطاء انطباع للعالم الخارجي بأن لدى النظام مؤسسات ديمقراطية، تعمل وفقاً للدستور، وهذه نقطة يحرص عليها النظام باستمرار، بحيث تكون سياساته وإجراءاته ضمن الدستور الذي وضعه، وحتى لو اضطر إلى تغييره، كما حصل حين وفاة الرئيس السابق حافظ الأسد، حين لجأ إلى المجلس لتعديل الدستور، بغية السماح بتولي بشار الأسد الرئاسة في عمر 34، بينما كان الدستور ينص على ضرورة أن يكون عمر الرئيس 40 عاماً على الأقل.
ورغم التعديلات الدستورية التي أجراها النظام سنة 2012 وألغى معها المادة الثامنة التي تنص على أن حزب البعث هو "القائد للدولة والمجتمع"، إلا أن ذلك لم يسهم في تخفيض حصة الحزب في المجلس والبالغة 166 عضواً من أصل 250 مجموع أعضاء المجلس. وفيما تذهب بعض المقاعد لمصلحة الأحزاب المتحالفة مع البعث (أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية) لا يبقى للمستقلين سوى 67 عضواً، يكون التنافس فيما بينهم على مستوى البلاد كلها، وهم غالباً يمثلون القوى الاقتصادية والمليشياوية والدينية المقربة من النظام.