لقاحات كورونا: فصل جديد في الصراع التايواني ــ الصيني

20 يونيو 2021
اتجه العديد من التايوانيين إلى الصين لتلقي اللقاح (Getty)
+ الخط -

"إننا نُذبح بسكين السياسة"، "يقتلوننا بسياستهم"، "ما يحدث أمر مخجل، عار عليكم"، هكذا عبّر نشطاء في تايوان عن غضبهم، مطالبين السلطات الحكومية بتوفير اللقاحات للناس لمواجهة فيروس كورونا، والكف عن التلاعب بأرواحهم، وذلك بعد ارتفاع أعداد الوفيات والإصابات اليومية بالفيروس في الجزيرة إلى معدلات غير مسبوقة. وتحوّل انتشار وباء كورونا في الجزيرة إلى فصل جديد في الصراع السياسي بين تايوان والصين، إذ حمّلت تايبيه بكين المسؤولية عن تفاقم أزمة الوباء بسبب تدخلاتها المتكررة لمنع استيراد لقاحات أجنبية، مع أحاديث عن عدم رغبة الصين في أن تكون لتايوان قنوات اتصال مع دول أخرى.

في المقابل، كانت بكين تشير إلى أن الحزب الحاكم في تايوان رفض عرضاً لتقديم لقاحات صينية لأسباب سياسية. هذا الصراع انعكس أيضاً انقساماً في الشارع التايواني، بين من ينتقد رفض السلطات قبول اللقاحات الصينية، وتوجّهه إلى البر الصيني لتلقي هذا اللقاح، وبين من يعتبر رفض قبول عرض بكين ينبع من مصلحة وطنية.

 الصين لا ترغب في أن تكون لتايوان قنوات اتصال مع دول أخرى

وشهدت تايوان، خلال الشهر الماضي، موجة جديدة من الوباء، دفعت السلطات الصحية إلى إغلاق البلاد بصورة كاملة، وفرض إجراءات صارمة على حركة السكان. وخلال الأسبوع الأول من شهر يونيو/حزيران الحالي، تراوح عدد الإصابات بين 330 و580 إصابة يومياً، ليتجاوز بذلك إجمالي عدد الإصابات 13771 إصابة، بينما ارتفع عدد الوفيات إلى 518 حالة. وحسب مركز مكافحة الأوبئة في العاصمة تايبيه، فقد قفز معدل الوفيات لكل إصابة في تايوان من 0.59 في المائة إلى 2.78 في المائة، وهو رقم أعلى من المتوسط العالمي البالغ 2.14 في المائة، الأمر الذي أثار قلق السكان، خصوصاً في ظل النقص الحاد في عدد اللقاحات المتاحة، الذي بالكاد يغطي ما نسبته 5 في المائة من إجمالي سكان الجزيرة البالغ عددهم 23.5 مليون نسمة. وكانت مجموعة من الحقوقيين والنشطاء قد رفعت، مطلع الأسبوع الحالي، دعوى قضائية ضد رئيسة تايوان تساي إنغ ـ وين، تتهمها بتبنّي سياسات تعرّض حياة الناس لخطر شديد، وذلك بعد إجبارهم على أخذ لقاحات محلية، ورفض استخدام اللقاحات الصينية.

وحول هذا الأمر، يقول الباحث في معهد الجنوب للدراسات الدولية، وانغ خه، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "من المؤسف أن تدخل السياسة في مجال الصحة العامة وحياة الناس، فلا يمكن تفسير ما يحدث خارج إطار تسييس اللقاحات، فالصين لا ترغب في أن تكون لتايوان قنوات اتصال مع دول أخرى، حتى حين يتعلق الأمر بمكافحة الوباء. وقد تجلى ذلك في منعها من المشاركة في أكثر من مناسبة في اجتماعات منظمة الصحة العالمية".

ويوضح أن بكين تحاول من خلال عرض تقديم لقاحات مجانية لتايبيه، أن تحقق أمرين: أولاً، إظهار سخائها المفرط ضمن دبلوماسيتها الصحية التي انتهجتها منذ بداية تفشي الوباء، حتى مع ألدّ خصومها. ثانياً: محاولة إحراج الحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم، لأنها تعلم أنه سيرفض هذه الهبة لأسباب سياسية، ما يعني فرض المزيد من الضغوط الشعبية على الرئيسة، التي تقود حزباً يدعو إلى الانفصال عن الصين.

في المقابل، يعتبر وانغ خه أنه لا ينبغي لتايوان أن ترفض اللقاحات الصينية، وهي تدرك تماماً مدى تأثير بكين على الدول الأخرى، الأمر الذي حال دون إتمام العديد من صفقات شراء واستيراد اللقاحات الأجنبية. واتهمت تايوان أخيراً الصين بمنعها من توقيع عقد لشراء لقاحات ضد كورونا من شركة بيونتيك الألمانية (الشركة الشريكة في صناعة لقاح فايزر بيونتيك)، لأن معظم الدول لا ترغب في إثارة غضب الصين. ويضيف: انظر الآن، من يدفع الثمن؟ الشعب في تايوان، وهذا أمر مؤسف.

من جهتها، تكشف الطالبة في جامعة تايوان الوطنية للعلوم والتكنولوجيا، خوا سون، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الجزيرة دخلت في حجر صحي منذ مطلع الشهر الحالي، وهناك إجراءات مشددة لم نشهدها من قبل"، معربة عن أسفها "لأن نكون ضحية للتجاذبات السياسية، فحتى وقت قريب كان يضرب المثل بقدرة تايوان على مكافحة الفيروس وإبقاء أعداد الإصابات في حدها الأدنى (أقل من ألف إصابة خلال عام)، الآن هناك أكثر من مائة إصابة يومياً". وتشير إلى أنه "نسمع في الأخبار والصحف عن صفقات لشراء لقاحات لكننا لا نرى شيئاً، وقبل أسبوعين أُجبر البعض على أخذ لقاحات محلية، على الرغم من أنها لم تستكمل التجارب السريرية اللازمة".


65 في المائة من التايوانيين يفضّلون اللقاحات الأجنبية على اللقاح الصيني

وتضيف "لا أدري لماذا هذه المماطلة في رفض اللقاحات الصينية، هل ينتظرون أن نموت جميعاً؟ اللقاح الصيني يُستخدم على نطاق واسع في العالم، باستثناء تايوان، هناك قانون يجرّم ذلك، وبالنسبة لي لا فرق بين لقاح صيني أو أميركي ما دام سيوفر لي المناعة وسيمنح أمي وأبي القوة اللازمة لمواجهة خطر الموت". وتلفت إلى أن أكثر من خمسين ألف تايواني ذهبوا إلى البر الرئيسي الصيني خلال الشهر الماضي لتلقي اللقاح، معتبرة أنها لا تمانع في الذهاب إلى الصين لفعل ذلك، لكنها لا تستطيع أن تترك والديها المسنَين وحدهما في المنزل.

في المقابل، ترى تسانغ وان، وهي عضوة في فرقة موسيقية في تايوان، أن ذهاب بعض سكان الجزيرة إلى الصين لتلقي اللقاح، عمل غير وطني، فضلاً عن المخاطر التي قد يتعرضون لها بسبب عدم وجود ضمانات بشأن اللقاح الذي قد يستخدم كأداة لضرب استقرار الجزيرة. وتنوّه إلى أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن أكثر من 65 في المائة من المسجلين يفضّلون اللقاحات الأجنبية على اللقاح الصيني، وأن قرار السلطات بعدم قبول عرض بكين ينبع من مصلحة وطنية تأخذ بعين الاعتبار صحة المواطنين وسلامتهم.

يُشار إلى أن تفشي الوباء في تايوان، دفع أخيراً وزارة الدفاع إلى تأجيل مناورات عسكرية للجيش كانت مقررة في 12 يوليو/تموز المقبل، إلى شهر سبتمبر/أيلول، وتعتبر هذا التدريبات التي تعرف باسم هان كوانغ، واحدة من أهم المناورات السنوية في البلاد، فضلاً عن أنها تأتي في وقت تكثف فيه الصين طلعاتها الجوية فوق مضيق تايوان.

 

المساهمون