أعلنت الرئاسة اللبنانية، اليوم الثلاثاء، أن الصيغة النهائية لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل "مرضية للبنان، ولا سيما أنها تلبي المطالب اللبنانية التي كانت محور نقاش طويل خلال الأشهر الماضية، وتطلبت جهداً وساعات طويلة من المفاوضات الصعبة والمعقدة".
وجاء ذلك بعد ساعات من تسلّم لبنان المسودة النهائية للاتفاق، والتي سلّمها بدوره نائب رئيس البرلمان اللبناني المكلَّف من الرئاسة اللبنانية بملف التفاوض إلياس بو صعب إلى الرئيس اللبناني ميشال عون.
ولفتت الرئاسة اللبنانية إلى أن "الصيغة النهائية حافظت على حقوق لبنان في ثروته الطبيعية، وذلك في توقيت مهم بالنسبة إلى اللبنانيين"، آملة في أن "يتم الإعلان عن الاتفاق حول الترسيم في أقرب وقت ممكن".
مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية: نأمل ان يتم الإعلان عن الاتفاق حول الترسيم في اقرب وقت ممكن
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) October 11, 2022
وإذ شكر الرئيس ميشال عون الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين والإدارة الأميركية على الجهود التي بذلت من أجل التوصل إلى هذه الصيغة، أكد أنه سيجري المشاورات اللازمة حول هذه المسألة الوطنية تمهيداً للإعلان رسمياً عن الموقف الوطني الموحّد.
وفي وقتٍ سلّم فيه بو صعب الصيغة النهائية الأميركية إلى رئيسي مجلس النواب نبيه بري وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بدأ وفد من شركة "توتال" الفرنسية جولاته على المسؤولين اللبنانيين، وقد انطلقت اجتماعاته مع رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير الطاقة وليد فياض.
وقال فياض في تصريح بعد الاجتماع: "تلقينا وعداً من شركة توتال بالإسراع بعملية التنقيب عن النفط والغاز في الحقول اللبنانية"، مشيراً إلى أن هناك خطة موجودة أصلاً من جانب الشركة الفرنسية وسندرسها مع هيئة النفط، وسنتأكد أنها أسرع خطة، باعتبار أن هناك أموراً لوجستية تحتاج إلى وقتٍ للبتّ بها.
ولفت فياض إلى أن الأعمال يجب أن تبدأ فوراً، اليوم قبل الغد، وشركة توتال تأخذ الموضوع بجدية، وبدورنا يجب ألا نكون سلبيين بالتعاطي معه، فهذا الملف يمكن أن ينقلنا إلى مكانٍ آخر، ليصبح لبنان على طريق الدول النفطية.
من جهته، أمل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في أن يصل ملف ترسيم الحدود إلى نهاياته في وقت قريب، بعدما نجحت الجهود التي قام بها الوسيط الأميركي في التوصل إلى مسودة اتفاق تحفظ الحقوق اللبنانية.
وخلال تسلّمه من بو صعب نسخة عن المسودة النهائية للاتفاق صباح اليوم في السراي الحكومي، قال ميقاتي إن "الموقف اللبناني الموحّد في هذا الملف، وتشبث لبنان بحقوقه ومطالبه، أفضيا إلى هذه النتيجة الإيجابية، وكلنا أمل في أن تبلغ الأمور خواتيمها، ومن ثم المباشرة بالخطوات العملانية للتنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية".
وشكر ميقاتي الإدارة الأميركية على الجهد الذي قامت به، وبشكل خاص هوكشتاين الذي قاد عملية التفاوض بدقة، كما توجه بالشكر إلى فرنسا التي ساهمت بشكل مباشر في الوصول إلى ما تم التفاهم عليه، وتذليل العقبات التي طرأت خلال المفاوضات غير المباشرة.
وخلال اجتماعه مع وفد "توتال"، طلب ميقاتي من الشركة المباشرة بالإجراءات التنفيذية للتنقيب في المياه اللبنانية فوراً.
تجدر الإشارة إلى أن فرنسا لعبت دوراً كبيراً في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل، دخل على خطه الرئيس إيمانويل ماكرون مع الأميركيين، لتحقيق مطالب الطرفين، خصوصاً لجهة المسائل المادية المرتبطة بحقل قانا، وقد أكدت مصادر قصر بعبدا في وقت سابق أن توتال تعهدت ببدء نشاطها في حقل قانا فور حصول الاتفاق.
وكان بو صعب قد أكد بعد لقائه عون أن الصيغة النهائية لَبّت المطالب اللبنانية وأخذت ملاحظات لبنان بالاعتبار، بعكس ما يشاع، لأنها مطالب محقة، والجهد الأميركي الكبير، سواء من قبل الإدارة الأميركية أو الوسيط عاموس هوكشتاين، انصبّ خلال الأسبوع الماضي ليعتبر كل فريق نفسه أنه حصل على الضمانات التي يريدها باتفاق عادل ومنصف.
وإذ أكد بو صعب أن الأجواء إيجابية جداً، وأن لبنان نال كل حقوقه بالنسبة إلى حقل قانا، إذ لن تكون هناك شراكة بين لبنان وإسرائيل، ولا تقاسم ثروات مباشراً، أشار إلى أن هناك تفاهماً حصل بين شركة توتال الفرنسية والإسرائيليين لا نعرف تفاصيله، لكن الأكيد أن لبنان سيحصل على كامل حقوقه وحصته من حقل قانا على الجهتين، والإسرائيلي تبعاً لاتفاقه مع توتال، سيأخذ من أرباحها تعويضاته، وليس من الحصة اللبنانية.
ولفت نائب رئيس البرلمان اللبناني إلى أن لبنان وقّع اتفاقاً مع شركة توتال منذ عام 2017، وبنود الاتفاق واضحة بحصول لبنان على حصته كاملة، وما أضيف إليه أن الحقل ليس فقط رقم 9، بل حيث يمتدّ.
وأشار بو صعب إلى أنه في حال حصول التوافق، هناك خطوات لن نتحدث في تفاصيلها، منها ما بات شبه معروف، إذ لبنان سيودع رسالة لدى الوسيط الأميركي، وهي نفسها لدى الأمم المتحدة، كذلك سيفعل الإسرائيلي باعتبار أننا لسنا أمام اتفاق أو معاهدة دولية، فنحن عدوّان، ولبنان لا يعترف بإسرائيل، وبغضّ النظر عن الصيغة، ما حصل من شأنه أن يؤمن استقراراً في المنطقة اقتصادياً، ويعطي الأمل أيضاً.
وقال نائب رئيس البرلمان إن الرئيس عون بدأ عهده بإصدار مراسيم النفط، ونتمنى أن يختم عهده بالوصول إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية الذي فيه مصلحة كبيرة اقتصادية للبنان، عدا عمّا يحققه من استقرار، مشيراً إلى أن اليوم سيشهد تطورات كثيرة، والكل بانتظار موقف لبنان، سواء داخلياً أو خارجياً.
على صعيد ثانٍ، أكد بو صعب أن لبنان لا يعترف بخط الطوافات الإسرائيلي، كذلك فإن أي شركة تريد أن تعمل في الحقل النفطي يجب ألا تكون خاضعة للعقوبات الدولية.
وقال بو صعب، في وقت متأخر من الاثنين - الثلاثاء، لوكالة "رويترز"، إن لبنان تسلم المسودة النهائية لاتفاق ترسيم الحدود تفي بجميع متطلبات لبنان، ويمكن أن تؤدي قريباً إلى "اتفاق تاريخي".
وأضاف بو صعب بعد دقائق من تسلم المسودة النهائية: "إذا سارت الأمور على ما يرام، فإن جهود عاموس هوكشتاين يمكن أن تؤدي إلى اتفاق تاريخي".
وأكد مصدر مسؤول في قصر بعبدا، حيث مقرّ الرئاسة اللبنانية، في وقت سابق من اليوم، لـ"العربي الجديد"، أن "اتفاق ترسيم الحدود ستكون له تأثيرات اقتصادية مهمة لن تتأخر، خصوصاً مع تأكيد شركة توتال بدء نشاطها فور إتمام الملف".
ولفت المصدر إلى أنه يجري التدقيق في مضمون المسودة. وأكد المصدر، الذي اشترط عدم كشف هويته، أن المعلومات الأولية عن الرد الذي تسلمه نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب المكلف بالملف تشير إلى أن الملاحظات اللبنانية أُخذَت بالاعتبار بخصوص النقاط التي كانت عالقة، مشيراً إلى أنه يفترض أن تُدرس الصيغة بدقة لإعداد الرد عليها. ولفت المصدر إلى أن الرد لن يطول، وسيعلن الموقف اللبناني رسمياً في وقت قريب.
وأكد الرئيس اللبناني ميشال عون، الاثنين، أنه يأمل بـ"إنجاز كل الترتيبات المتعلقة بترسيم الحدود البحرية الجنوبية خلال الأيام القليلة المقبلة، وذلك بعدما قطعت المفاوضات غير المباشرة التي يتولاها الوسيط الأميركي شوطاً متقدماً، وتقلّصت الفجوات التي جرى التفاوض في شأنها خلال الأسبوع الماضي".
واعتبر عون، بحسب ما نقلته عنه الرئاسة اللبنانية، في بيان، أنّ "الوصول إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية يعني انطلاق عملية التنقيب عن النفط والغاز في الحقول اللبنانية الواقعة ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة، الأمر الذي سيحقق بداية دفع جديد لعملية النهوض الاقتصادي".
ويتمسك لبنان بشكل أساسي، وفق التعديلات التي أدخلها في 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري على العرض الأميركي بعد اجتماع رؤساء: الجمهورية ميشال عون، وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والبرلمان نبيه بري، واللجنة التقنية المدنية العسكرية، بحقه في نيل حصته كاملة من حقل قانا، من دون أن يتشاركها مع الجانب الإسرائيلي، وفصل المحادثات التي تحصل بين الإسرائيليين وشركة "توتال" الفرنسية للطاقة عن لبنان.
ويسعى لبنان لإتمام الاتفاق على طاولة الناقورة، جنوبيّ البلاد، حيث انطلقت المفاوضات التقنية غير المباشرة مع الجانب الإسرائيلي في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 بوساطة أميركية ورعاية الأمم المتحدة، وقد عقدت 5 جولات قبل أن تتوقف في مايو/ أيار 2021 نتيجة خلافات حول الخطوط والحدود، علماً أن لبنان بدأ مفاوضاته متمسكاً بالخط 29 قبل أن يعود ويفاوض على الخط 23 وحقل قانا.
وبرزت معارضة مدنية لموقف لبنان الرسمي في المفاوضات غير المباشرة، التي تنازل خلالها عن الخط رقم 29، إذ تشكلت جمعية "الدفاع عن حقوق لبنان البرية والبحرية"، التي أنذرت بالتحرك قضائياً محلياً وخارجياً، لحماية الثروات اللبنانية وحقوقه البحرية والبرية.
وقال المحامي في الجمعية علي عباس، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجمعية وجّهت 3 إخطارات أو إنذارات إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس البرلمان نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، تضمّنت الأخطاء الفنية والقانونية الناتجة من اعتماد لبنان الخط 23 كخط ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وضرورة تعديل المرسوم 6433، الذي لم يوقّعه الرئيس عون بعد، وإيداع نسخة منه لدى الدوائر المختصة في الأمم المتحدة، والتمسّك تالياً بالخط 29، الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة، المعتمد من قبل مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني، فهو الخط القانوني والعلمي الوحيد بعكس الخط 23".
ولفت عباس إلى "خطورة الخط 23 الذي يفاوض عليه المسؤولون اللبنانيون اليوم، فهو من شأنه أن يلحِق بلبنان خسائر على صعيد الثروة النفطية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وآلاف الكيلومترات في المياه الإقليمية اللبنانية، عدا عن البرّ اللبناني ومناطق متنازع عليها برّاً".
وأشار عباس إلى أنهم أمهلوا "الرؤساء الثلاثة للردّ على الإخطارات وتعديل المرسوم بشكل سريع، وإلا فسنتقدّم بشكوى جزائية في لبنان والخارج، لحماية ما يمكن حمايته من حقوق لبنان وحدوده وثرواته النفطية والبحرية"، وتابع قائلاً: "لن نقف مكتوفي الأيدي أمام التنازل الفاضح عن حقوق لبنان والشعب اللبناني، والصفقات التي تُجرى على حسابه".
وشددت دراسة للباحث والمختص بملف ترسيم الحدود عصام خليفة، وهو من أعضاء الجمعية، على أن "موقف الرؤساء الثلاثة بالتزامهم الخط 23 بدل الخط 29 تنطبق عليه المادة 302 من قانون العقوبات اللبناني، التي تنص على أن من حاول أن يسلخ عن سيادة الدولة جزءاً من الأرض اللبنانية، عوقب بالاعتقال المؤقت أو بالإبعاد".
وأضاف أن المادة 277 من القانون نفسه، تنص على أنه "يُعاقب بالاعتقال المؤقت خمس سنوات، على الأقل، كل لبناني حاول بأعمال أو خطب أو كتابات أو بغير ذلك أن يقتطع جزءاً من الأرض اللبنانية ليضمه إلى دولة أجنبية، أو أن يملكها حقاً أو امتيازاً خاصاً بالدولة اللبنانية".
وأكد خليفة أنّ "الرؤساء الثلاثة يتخلون عن ثروة تقدّر بمئات مليارات الدولارات (مساحة 1430 كلم مربعاً) لإسرائيل، من خلال تخليهم عن الخط 29 على نحو غير قانوني وغير علمي وغير وطني، وذلك لصالح الخط 23 الذي تبين الوثائق الدامغة أنه اختراع إسرائيلي"، على حد تعبيره.
وذكرت الجمعية أنّ "لبنان خسر مع قبرص أكثر من 2300 كلم مربع، ومع سورية 750 كلم مربعاً، وهذا كله نتيجة سوء إدارة المسؤولين اللبنانيين للملف النفطي".