لبنان يتراجع عن لجوئه إلى المحكمة الجنائية الدولية: خسارة فرصة تاريخية نحو العدالة

29 مايو 2024
تشييع جثمان الصحافي عصام عبدالله الذي اغتيل بغارة إسرائيلية، 13 أكتوبر 2023 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- مجلس الوزراء اللبناني يتراجع عن قرار تكليف وزارة الخارجية بقبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم على أراضيه منذ 7 أكتوبر.
- القرار الجديد يقتصر على ضم تقرير المنظمة الهولندية حول استشهاد الصحافي عصام عبدالله إلى شكوى لبنان أمام الأمم المتحدة، دون توضيح أسباب التراجع.
- التراجع يُعد خسارة لفرصة تحقيق العدالة في لبنان، خاصة لضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وفقًا لتصريحات المحامي فاروق المغربي ومنظمات حقوقية.

أصدر مجلس الوزراء اللبناني في جلسة عقدها أمس الثلاثاء قراراً بالرجوع عن تكليف وزارة الخارجية تقديم إعلان إلى مسجّل المحكمة الجنائية الدولية بقبول اختصاصها في التحقيق والملاحقة القضائية لكل الجرائم المرتكبة على الأراضي اللبنانية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي تدخل في نطاق ولايتها القضائية بما فيها تلك التي طاولت الصحافيين والمسعفين ومتطوعي الدفاع المدني.

ومن دون ذكر توضيحات والأسباب الكامنة وراء الخطوة، عدّل مجلس الوزراء القرار الصادر عنه بتاريخ 26 إبريل/نيسان الماضي المتعلق بتقرير المنظمة الهولندية للبحث العلمي التطبيقي (TNO) المرتبط بالتحقيق في استشهاد الصحافي اللبناني في وكالة رويترز عصام عبدالله، وقرّر فقط أخذ العلم بالتقرير، و"الطلب إلى وزارة الخارجية والمغتربين ضمّه إلى الشكوى التي تقدّم بها لبنان بهذا الخصوص أمام الأمم المتحدة إضافة إلى تكليف الوزارة تقديم ما يمكن من شكاوى أمام الهيئات والمنظمات الدولية".

وفي 26 إبريل الماضي، أخذ مجلس الوزراء علماً بالتقرير الذي أعدّته المنظمة الهولندية وقرّر وفق النسخة الأولى، قبل التعديل، "الطلب إلى الخارجية ضمّه إلى الشكوى التي تقدّم بها لبنان بهذا الخصوص أمام الأمم المتحدة إضافة إلى تكليف الوزارة تقديم ما يمكن من شكاوى أمام الهيئات والمنظمات الدولية، إضافة إلى تكليفها وسنداً للفقرة الثالثة من المادة 12 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، تقديم إعلان إلى مسجّل المحكمة بقبول اختصاصها في التحقيق والملاحقة القضائية لكل الجرائم المرتكبة على الأراضي اللبنانية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي والتي تدخل في نطاق ولايتها القضائية بما فيها تلك التي طاولت الصحافيين والمسعفين ومتطوعي الدفاع المدني، وعلى أن تلتزم الحكومة اللبنانية بالتعاون مع المحكمة وفقاً للفصل التاسع من نظام روما المذكور".

وكان القرار المذكور صدر بعدما اقترحت وزارة الإعلام اعتماد التقرير الذي أجرته المنظمة الهولندية كـ"مستند واضح وصريح يتعلّق بجريمة استشهاد الصحافي عصام عبدالله وإيداعه كل من وزارتي العدل والخارجية والمغتربين وتكليفهما إجراء المقتضى مع الجهات الدولية القانونية المعنية إحقاقاً للحق والعدالة". وحاول "العربي الجديد" التواصل مع ثلاثة وزراء للتعليق على أسباب "التراجع" وتوضيح القرار الصادر في جلسة أمس الثلاثاء، بيد أنهم لم يجيبوا عن ذلك.

في الإطار، قالت "المفكرة القانونية" إنّ "الدولة اللبنانية تراجعت بذلك عن القبول باختصاص المحكمة الجنائية الدولية للنظر في الجرائم المرتكبة على أراضيها ابتداء من 7 أكتوبر، والمشمولة في نظامها وهي تحديداً جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب والتعدّي. ورغم كثرة المنظمات والهيئات المذكورة في القرار، فإنها كلّها تبقى قاصرة عن تحقيق العدالة في قضية عصام عبدالله أو في أي جريمة أخرى ارتكبتها إسرائيل في لبنان ابتداءً من 7 أكتوبر".

من جهته، يقول المحامي فاروق المغربي لـ"العربي الجديد"، إنّ "لبنان بهذه الخطوة خسر فرصة تاريخية نحو العدالة وأقلّه إصدار مذكرات إلقاء قبض بحق مسؤولين إسرائيليين ارتكبوا جرائم في لبنان، سواء جرائم الحرب، أو الإبادة الجماعية أو الجرائم ضد الإنسانية، وضمنها القتل المتعمّد للصحافيين، والذين استشهد منهم ثلاثة".

ويشير المغربي إلى أننا "كنا نتطلع إلى إرسال وزارة الخارجية الإعلان إلى المحكمة الجنائية الدولية، خصوصاً أنّ إعطاء الدولة المعتدى عليها الصلاحية لهذه المحكمة هو مسألة وخطوة بغاية الأهمية، لكننا فوجئنا لاحقاً بالتأخير الذي حصل من قبل الخارجية اللبنانية التي تعدّ الجهة المخوّلة بإرسال الإعلان وفق الطرق الدبلوماسية إلى الجهات المعنية في هولندا، لنفاجأ أمس بالتراجع عن القرار، والاكتفاء بضم التقرير إلى الشكوى المقدمة سابقاً إلى الأمم المتحدة والهيئات الدولية، ما يفقده قيمته".

ويتوقف المغربي عند تطورات حصلت منذ صدور القرار في 26 إبريل/نيسان الفائت ولغاية تاريخ العدول عنه، أبرزها، طلب مدّعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرة توقيف في حق رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت، للاشتباه بارتكابهما جرائم تشمل التجويع والقتل العمد والإبادة أو القتل، إلى جانب طلبه إصدار مذكرات توقيف في حق ثلاثة من كبار قادة حركة حماس بتهم الإبادة والاغتصاب والعنف الجنسي واحتجاز رهائن.

ويشير المغربي إلى أنّ "هناك تحليلات كثيرة وراء خطوة مجلس الوزراء اللبناني العدول عن قراره، منها هواجس قد تكون لدى حزب الله من إصدار مذكرات شبيهة بحق قياديين تابعين له أو مسؤولين بالدولة اللبنانية، أو نتيجة تدخلات أميركية وأوروبية لدى الحكومة والخارجية اللبنانية لتفادي المزيد من التعقيدات بفعل احتمال صدور مذكرات توقيف أخرى، أو التقاء مصالح، لكن بجميع الأحوال، إن الثابت اليوم أن لبنان خسر فرصته التاريخية نحو العدالة".

تجدر الإشارة إلى أن منظمات حقوقية دولية كانت رحّبت بقرار الحكومة اللبنانية الصادر في 26 إبريل الماضي، منها "هيومن رايتس ووتش"، التي اعتبرته "خطوة محورية نحو ضمان العدالة في جرائم الحرب في لبنان"، مشيرة إلى أنّه "على وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب أن يقدّم بسرعة إعلاناً بقبول اختصاص المحكمة الجنائية الدولية وإفساح المجال أمام ضحايا جرائم الحرب، بما فيها تلك التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية، لنيل العدالة"، معتبرة أنّ "هذا تذكير مهم لأولئك الذين ينتهكون التزاماتهم بموجب قوانين الحرب بأنهم قد يجدون أنفسهم في قفص الاتهام".

وقالت المنظمة: "يختلف قبول اختصاص المحكمة من خلال إعلان عن المصادقة على المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية لتصبح الدولة عضواً رسمياً في المحكمة. لكنّ تقديم الإعلان يمنح مدعي عام المحكمة اختصاص التحقيق في الجرائم الخطيرة المرتكبة في لبنان، بغض النظر عن جنسية المشتبه بهم".