قرّرت محكمة التمييز الجزائية في لبنان، اليوم الخميس، برئاسة القاضي جمال الحجار نقل ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت من المحقق العدلي القاضي فادي صوان إلى قاضٍ آخر، بعد قبولها الطلب الذي كان قد تقدّم به الوزيران السابقان النائبان المدعى عليهما علي حسن خليل، وغازي زعيتر، بنقل الدعوى للارتياب المشروع، في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وعلم "العربي الجديد"، أنّ وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، أُبلغت بقرار محكمة التمييز الجزائية، وهي بحسب مصادر خاصة، بحوزتها اسم للقاضي البديل.
واستندت محكمة التمييز في قرارها المرفق نصه في التقرير، إلى أسباب كثيرة "ولّدت لديها الارتياب المشروع"، أبرزها، مرتبط بالحصانات النيابية والمهنية، لعدم طلب استئذان صوان مجلس النواب أو نقابة المحامين قبل ملاحقة المدعى عليهم جزائياً، إضافة إلى الشك في حيادية المحقق العدلي، باعتباره متضررا شخصيا (تضرر منزله بالانفجار) من أحد الأفعال الجرمية المدعى بها، ولما لذلك من تأثير نفسه عليه بحكم الطبيعة البشرية، وفق ما ذكر القرار.
ويوضح مدعي عام التمييز السابق، القاضي حاتم ماضي، لـ"العربي الجديد"، أنه عند تبلّغ وزيرة العدل بالقرار، فإن عليها أن ترسل كتاباً سرياً إلى مجلس القضاء الأعلى يتضمّن اسم القاضي الذي تقترحه بديلاً عن صوان".
وأضاف: "في حال موافقة مجلس القضاء عليه، فإنه حينها يعيد لها الكتاب مع الموافقة، حتى يتم إعلان اسمه رسمياً، أما إذا لم يوافق عليه، فإنه يرسل كتاباً يرفق به رفضه، حتى تقترح وزيرة العدل اسماً آخر، وتعاد هذه الآلية حتى الاتفاق على اسم القاضي البديل، علماً أن لا مهلة محددة لها".
من جهته، يشير المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" المحامي نزار صاغية، بحديث لـ"العربي الجديد"، إلى ضرورة قراءة تعليل محكمة التمييز الجزائية والعوامل التي استندت إليها لاتخاذها قرار نقل الدعوى والشك بحيادية المحقق العدلي، لمعرفة ما إذا كان يضرّ بمصلحة التحقيق ويخدمه خصوصاً أنّ "هناك مآخذ سبق أن تحدثنا عنها بشأن طريقة تعاطي القاضي صوان مع الملف".
وبغض النظر عن التعليل، سواء كان مرتبطا باستقلالية القاضي، أو بالحصانات أو أسباب أخرى، فإنه لا شكّ في أنّ هناك خوفاً على مسار الملف، والقلق الأكبر من الاسم الذي سيعيّن بديلاً عن القاضي صوان، في ظلّ الهجمة السياسية والخطوط الحمراء الموضوعة على شخصيات يدعى عليها.
من جهته، يشير المدير التنفيذي لـ"المفكرة القانونية" المحامي نزار صاغية، بحديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ هناك خوفاً على مسار الملف، والقلق الأكبر من الاسم الذي سيعيّن بديلاً عن القاضي صوان، في ظلّ الهجمة السياسية والخطوط الحمراء الموضوعة على شخصيات يُدعى عليها.
وفي وقتٍ سابقٍ لإعلان قرار محكمة التمييز، كان صوان، أرجأ اليوم جلسة استجواب وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس التي كانت مقرّرة اليوم، إلى 23 فبراير/شباط الجاري، بعدما اعتذر الأخير في تغريدة نشرها أمس عبر "تويتر" عن حضور الجلسة، متذرعاً بأنّ التبليغ أتى هاتفياً، ومخالفاً لأصول المحاكمات الجزائية.
وترى الباحثة اللبنانية في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، آية مجذوب، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنّ إبعاد القاضي صوان بعد قبول محكمة التمييز الجزائية طلب نقل الدعوى، الذي تقدّم به اثنان من السياسيين المتهمين بالانفجار، هو استهزاء بالعدالة وإهانة لضحايا الانفجار وللشعب اللبناني.
وتشير مجذوب إلى أنّ مشاكل جدية وخطيرة شابت التحقيقات التي قام بها صوان، وربما كانت هناك أسباب مشروعة للطعن فيها، لكن حقيقة اتهامه للسياسيين ليست واحدة منها.
وتلفت إلى أنه بعد أكثر من ستة أشهر على وقوع الانفجار، عدنا إلى نقطة الصفر، إذ إنه يقتضي الآن تعيين قاضٍ جديد، وسيتعيّن عليه بدء التحقيقات مرّة أخرى، لكن المحاكم للأسف، رسمت "خطوطا حمراء" على السياسيين الذين لا يخضعون لسيادة القانون.
وفي غضون ذلك، لا يزال 25 مسؤولاً إدارياً وأمنياً من الرتب الدنيا إلى المتوسطة، رهن الاحتجاز، من دون توجيه، اتهامات واضحة لهم، في ظروف تشكل انتهاكاً لحقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة.
وتشدد مجذوب على ضرورة أن تنتهي هذه "التمثيلية"، فنحن بحاجة إلى أجوبة صريحة وواضحة والوصول إلى العدالة التي يستحقها اللبنانيون، ولبنان أظهر أنه غير قادر على توفيرها، لافتة إلى أن هناك حاجة لتحقيق دولي مستقلّ في أسرع وقتٍ ممكنٍ.
ونفذ أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت تحركاً اليوم أمام قصر العدل في العاصمة اللبنانية، اعتراضاً على قرار نقل الدعوى، وسيتخذون خطوات تصعيدية في الأيام المقبلة، تختلف عن الوقفات الاحتجاجية السابقة، سواء على صعيد قطع الطرقات ونصب الخيم وغيرها من الأساليب، بعدما حرصوا طوال الفترة الماضية على إبقاء اعتصاماتهم سلمية، وهادية وراقية، كما أكد إبراهيم حطيط، شقيق الضحية ثروت حطيط، والمتحدث باسم لجنة أهالي الضحايا، لـ"العربي الجديد".
وسأل حطيط "هل ما حصل اليوم هو قرار بنقل الدعوى أو إلغائها؟ وهل سيتمكن القاضي الجديد الذي سيُعيَّن من استدعاء الرؤوس الكبيرة أو سيلقى مصير القاضي فادي صوان؟ وهل نحن ذاهبون إلى طمس القضية؟ هذا ما لن نسكت عنه أو نسمح بحدوثه".
وتأتي خطوة محكمة التمييز الجزائية، في وقتٍ بدأت تتسع فيه رقعة الاتهامات، والمدعى عليهم، والتلويح ببدء إصدار مذكرات توقيف تطاول شخصيات سياسية، ما يزيد من خشية اللبنانيين على مصير التحقيق في انفجار المرفأ الذي هزّ العاصمة اللبنانية في الرابع من أغسطس/آب الماضي، وخلف آلاف القتلى والجرحى وخسائر مادية بمليارات الدولارات.
تجدر الإشارة إلى أنّ تعيين صوان محققاً عدلياً في انفجار مرفأ بيروت، لم يكن بطريقة خالية من العراقيل، بل حصل كباش بين وزيرة العدل ومجلس القضاء الأعلى على اختيار قاضٍ لهذه المهمة.
وتم رفض عددٍ من الأسماء التي وقع خلاف بشأنها قبل الاتفاق على القاضي فادي صوان، في مشهدٍ يُخشى أن يتكرّر اليوم، بعد مرور أكثر من ستة أشهر على الانفجار، في ظلّ مخاوف جدية مستمرة من عدم حيادية السلطة القضائية ورضوخها للتدخلات السياسية، وأن أي قاضٍ يعيَّن لن يخرج من عباءة القوى السياسية وسيكون محسوباً عليها.
وبتاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، ادعى القاضي صوان على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، ووزيري المال السابق النائب علي حسن خليل، والأشغال العامة النائب غازي زعيتر، (ينتميان إلى حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري) ويوسف فنيانوس (ينتمي إلى تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية)، بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص، فكان أن رفض المدعى عليهم المثول أمام المحقق العدلي، واضعين خطوته في إطار الاستهداف السياسي، وخانة الاستنسابية.
من ناحية أخرى، وافقت النيابة العامة التمييزية على إخلاء سبيل رئيس اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم (المعفى من مهامه بمرسوم صادر عن رئيس الحكومة)، ورئيس مصلحة الأمن والسلامة في المرفأ محمد زياد العوف، المدعى عليهما بانفجار مرفأ بيروت، بناءً على الطلب الذي تقدّم به وكيلهما القانوني المحامي صخر الهاشم، وأُعيد إلى المحقق العدلي لاتخاذ القرار المناسب.
وقال المحامي صخر الهاشم، لـ"العربي الجديد"، إنّ المدعي العام وافق على إخلاء سبيلهما بوجود كاتبة القاضي فادي صوّان، وأخذت الملف إليه عند حوالي الساعة الواحدة ظهراً، بينما كان في الوقت نفسه يستجوب أحد المدعى عليهم. وبالتزامن، أُعلن عن قرار محكمة التمييز الجزائية بنقل الدعوى من المحقق العدلي إلى قاضٍ آخر، وعلينا انتظار يوم غد لمعرفة ما إذا بتّ صوان الطلب أم يقول إنه لم يبلغ به.
ويشير المحامي الهاشم إلى أنّ طلب إخلاء السبيل أتى بناءً على دفع شكلي بعدم اختصاص المجلس العدلي بالنظر بالدعوى، باعتبار أن المواد الجرمية المعدّة حصراً للمحقق العدلي لا تنطبق على ما حصل في المرفأ.
وأضاف: "بما أنه لم يتبين حتى اليوم وجود أي نيّة جرمية، فإنّ الأمر يبقى في دائرة الإهمال وقلّة الاحتراز، وهذه من صلاحية القضاء العادي لا العدلي، كما أنّه في الجنح، ينص القانون على توقيف المدعى عليه شهرين ومن ثم تجديدها لمدة مماثلة، على أن يُخلى سبيله حكماً بعدها، وأنا انتظرت حتى اليوم لتقديم الطلب، إثر توقف التحقيقات في الانفجار ربطاً بالأحداث والتطورات التي رافقت طلب نقل الدعوى للارتياب المشروع".
على صعيد آخر، أشار المحامي الهاشم، وهو أيضاً وكيل مصطفى بغدادي، الوكيل البحري لباخرة "روسوس" التي نقلت شحنة نترات الأمونيوم إلى بيروت، إلى أنّ بغدادي استجوب كشاهد بدايةً من النيابة العامة التمييزية، ولم يدّع أحد عليه، وهو ثمانيني العمر، وقد أُدخل إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، نتيجة إصابته بفيروس قويّ، أدى إلى حصول مضاعفات في جسمه، وشلّه، وهو ما يزال في المستشفى، لذلك، لم يتم استجوابه، من قبل صوان بعد تقديم اعتذار لعدم حضوره الجلسة.