نجح رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، للمرة الثانية، في عقد جلسة حكومية بهيئة تصريف الأعمال وفي ظل الشغور في سدة الرئاسة الأولى، رغم مقاطعة "التيار الوطني الحر" (يتزعمه النائب جبران باسيل)، وتحذيراته المستمرة من تداعيات خرق الدستور والشراكة الوطنية وسياسة الإقصاء، فاتحاً الباب أكثر إلى عقد جلسات أخرى في الفترة المقبلة، لا سيما أن الجلسة، اليوم الأربعاء، بحثت فقط ملف الكهرباء من دون حلّه بالكامل، ورحّلت بنوداً أخرى للقريب العاجل.
وأصبح ميقاتي مطمئناً أكثر لقدرته على عقد جلسات حكومية جديدة بعدما بات النصاب اللازم مريحاً بالنسبة إليه (ما يعادل حضور 16 وزيراً من أصل 24)، في ظل المشاركة اللافتة اليوم لوزيري السياحة وليد نصار والاقتصاد أمين سلام، وهما كانا قد قاطعا الجلسة الأولى التي عقدت في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ما خفّض مقاطعة الوزراء المحسوبين على "التيار" إلى ستة فقط، عدا عن الداعم الأساس لتأمين النصاب، "حزب الله"، الذي تؤجج كل مشاركة له نار الخلاف أكثر مع حليفه "التيار الوطني الحر".
وعلى الرغم من إدراج ميقاتي أكثر من بندٍ على جدول أعمال الجلسة اليوم، بعكس رغبة "حزب الله" الذي كان يشترط فقط بحث ملف الكهرباء، وقد لوّح بالانسحاب فور بدء النقاش بالبنود الأخرى، عاد رئيس الحكومة وساير الحزب، بحيث كان التضامن الوزاري بالانسحاب جميعاً أو البقاء، فكانت أن بحثت الجلسة فقط بند الكهرباء دون غيره من الملفات المدرجة،منها النفايات والصحة والتربية والقمح، علماً أن النصاب كان سيبقى قائماً حتى لو انسحب وزيرا الحزب.
ووافق مجلس الوزراء في الجلسة التي حضرها رئيس مجلس إدارة مؤسسة كهرباء لبنان كمال الحايك، وغاب عنها وزير الطاقة وليد فياض التزاماً بقرار فريقه السياسي، على سلفة خزينة بقيمة 62 مليون دولار لإفراغ الشحنة الأولى من الغاز أويل، وذلك كبداية لحلّ أزمة البواخر العالقة منذ أيام في عرض البحر، وقد فاقت غرامات التأخير اليومية مليون دولار، كما أعطى مبلغ 54 مليون دولار لزوم صيانة وتشغيل معملي دير عمار شمالاً، والزهراني جنوباً، بينما بقيت المبالغ الأخرى المطلوبة بحدود 300 مليون دولار معلقة.
وطلب مجلس الوزراء من وزير الطاقة التفاوض مع الشركة المورِّدة، حتى تُلقى الغرامات التي من الممكن أن تلحق التأخير على المورِّد لا على الخزينة اللبنانية، بحسب ما أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
وأكد وزير الاقتصاد أمين سلام بعد خروجه من الجلسة أن لا أزمة طحين، والمخزون يكفي أسبوعين، مشيراً إلى أن جلسة الحكومة التي ستنعقد الأسبوع المقبل أو بعده، سيكون بند الطحين أساسياً على جدوله.
من جهته، أشار وزير السياحة وليد نصار، المعروف بقربه من ميقاتي رغم أنه محسوب على "التيار"، إلى أن حضوره اليوم ليس مسايرة لجهة أو تحدّياً لجهة أخرى، إنما لإصراره على الإدلاء رسمياً بموقفه اتجاه الجلسات وآلية صدور المراسيم، مشدداً على أن حضوره محصور فقط ببنود الكهرباء والسير بخطة الطوارئ ومناقشتها مع مؤسسة كهرباء لبنان، وقد اعتذر بعد الانتهاء من هذه البنود وغادر الجلسة فوراً.
جلسة "أكثر من ملحة"
وقال ميقاتي في مستهل الجلسة: "إننا في تحدٍّ يوميٍّ لمعالجة القضايا الملحّة ومطالب الناس التي لا تنتظر مزاجية أحد أو رهاناته السياسية، وجلسة اليوم كما الجلسة السابقة أكثر من ملحة، ومن الظلم وعدم المسؤولية إيهام اللبنانيين بأمور غير صحيحة، والتلاعب بغرائزهم الطائفية والمذهبية لغايات لم تعد خافية على أحد".
وأضاف: "الحكومة الحالية، من موقعها الدستوري كحكومة تصريف أعمال، ليست في وارد الحلول مكان رئيس الجمهورية أو اعتبار أن البلد يمكن أن يستمر من دون رئيس، ومن المعيب تصوير الأمور بما يوحي وكأن الحكومة مسؤولة عن إطالة أمد الفراغ الرئاسي والتأخير بإنجاز هذا الاستحقاق، الذي نعود ونكرر وجوب إنجازه بأقصى سرعة ممكنة باعتباره مدخلاً إلزامياً لانتظام عمل المؤسسات الدستورية، ومدخلاً أيضاً لتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات وفقاً لقواعد الدستور".
وتابع ميقاتي في هجوم حاد على "التيار الوطني الحر" ورئيسه باسيل، من دون تسميته: "لست في وارد الدخول في سجالات لا طائل منها، أو الانزلاق للرد على ما قيل من كلام طائفي واستحضار لهواجس وعناوين لا وجود لها على الاطلاق إلا في أوهام البعض، والوزراء يمثلون جميع اللبنانيين ومن المعيب أن يشكك أحد بوطنية وانتماء أي وزير وموقعه وكيانيته".
وأكد أن "هذه الجلسة والجلسة التي سبقتها وأي إجراء حكومي في المستقبل ستكون انسجاماً مع منطق الدستور وصوناً للشراكة والميثاق، وليست على الإطلاق تحدياً أو استفزازاً لأي طرف".
"تسيير البلاد بلا" رئيس للجمهورية
في المقابل، اختصر مصدر نيابي في "التيار الوطني الحر"، فضل عدم كشف هويته، ما حصل اليوم بالإمعان أكثر في تسيير البلاد بلا رئيس للجمهورية، وقال لـ"العربي الجديد": "ما حذرنا منه بدأ يحصل، الجلسة الأولى عقدت، والثانية كذلك، وميقاتي سيدعو إلى جلسة جديدة وفق ما أعلن، وبالتالي، بدأ مخطط عقد الجلسات بلا رئيس للجمهورية، وهو ما لن نسمح به، وسيكون هناك بحث في الخطوات الممكن اتخاذها لوقف هذا السيناريو".
وكان وزير الطاقة وليد فياض تقدّم، أول من أمس الإثنين، بمبادرة لحلّ أزمة الكهرباء عبر مراسيم جوّالة، توقَّع من قبل رئيس الحكومة والوزراء من دون الحاجة إلى عقد جلسة "استفزازية" وبعيدة عن سياسة الإقصاء، تبقى تحت سقف الدستور في ظل شغور سدة الرئاسة الأولى، وترعى الشراكة الوطنية وفق تعبيره. بيد أنها لاقت رفض ميقاتي، ما أجّج نار الخلاف أكثر بينه وباسيل، وكذلك مع فياض الذي يشكو من عدم ردّ ميقاتي على اتصالاته.
وتقضي المبادرة بموافقة الحكومة على سلف خزينة لبواخر الغاز أويل بقيمة 62 مليون دولار، وفيول أويل Grade A وGrade B بقيمة 45 مليون دولار، إضافة إلى تمويل صيانة المعامل وخدمات التوزيع بنحو 54 مليون دولار، وذلك إلى جانب الحصول على موافقة لتمويل مبلغ إضافي بقيمة 140 مليون دولار لتأمين احتياجات الأشهر المقبلة.
واتهم فياض وزير المال يوسف الخليل، المحسوب على رئيس البرلمان نبيه بري، بعرقلة السلفة، رغم موافقته عليها في إطار خطة الكهرباء الشاملة والطارئة التي لم تدخل حيز التنفيذ، علماً أن زيادة التعرفة هي وحدها التي أقرّت من دون أن تترافق مع تأمين ساعات تغذية للمواطنين.
وصوّب باسيل، في كلمة مصوَّرة له أمس الثلاثاء، على دعوة ميقاتي مجلس الوزراء للانعقاد مرة ثانية في ظل حكومة تصريف أعمال وفراغ رئاسي، مهاجماً بشكل حاد المشاركين في الجلسة، يتقدَّمهم "حزب الله" من دون أن يسمّيه بشكل مباشر، و"حركة أمل" برئاسة بري، الذي يلقي باسيل عليه مسؤولية عرقلة مشاريعه ولا سيما الكهرباء، في وقت يحتكر التيار وزارة الطاقة منذ أكثر من 10 سنوات.
وذكّر باسيل "حزب الله" و"حركة أمل"، من دون أن يسمّيهما، بمنع حكومة حسان دياب المستقيلة من الاجتماع باعتبار أنه لا يحق لها دستورياً ذلك، مشيراً بلهجة تحذيرية إلى أن "الحقيقة ستتكشّف. هناك إمعان أكثر في الكذب وخرق الدستور والميثاق وإسقاط الشراكة، ما سيعمق الشرخ الوطني ويأخذنا إلى أبعد بكثير من ضرب التوازنات والتفاهمات".
بدوره، حرص الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله على الردّ على باسيل، لكن كالعادة بطريقة "دبلوماسية"، خصوصاً أنه دائماً ما يقول إنه مع حلّ المشاكل والاختلافات بعيداً عن الإعلام بين الحلفاء. وأوضح أن "المشاركة لمعالجة موضوع الكهرباء، وليس في ذلك تحدٍّ لأحد لا في حضورنا ولا في انسحابنا في حال تناول مواضيع أخرى في الجلسة، ولا نريد أن نطعن في نظام ولا دستور ولا ميثاقية ولا شراكة، ونحن نقوم بمسؤوليتنا الأخلاقية أمام الناس، فلا اصطفاف في الموضوع ولا تخندق".
وقال نصر الله أمس الثلاثاء، خلال رعايته حفل توزيع "جائزة سليماني العالمية للأدب المقاوم"، إنه "لو لم نشارك في جلسة مجلس الوزراء، لكانت الجوقة الإعلامية والسياسية كلها والكتّاب المأجورون سيرددون لأسابيع أن حزب الله عطّل أدوية السرطان، وغسيل الكلى، ويتحمّل مسؤولية امتلاء القرى والمدن بالنفايات، فلن يقولوا التيار الوطني الحر أو أحداً آخر".
وأشار إلى أن "قناعتنا الدستورية أنه يحق لحكومة تصريف الأعمال أن تجتمع لتأخذ القرار في حدود القضايا الملحة والضرورية غير القابلة للتأجيل"، لافتاً إلى أن "وجود بواخر الفيول في البحر يسجل يومياً غرامات على اللبنانيين، والحل الممكن المتاح هو أن تجتمع حكومة تصريف الأعمال لمعالجة موضوع الكهرباء وأزمة الفيول وتحسين ساعات الكهرباء وتجديد العقود".
تجدر الإشارة إلى أن الجلسة الأولى، التي عقدت في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قاطعها 8 وزراء من "التيار الوطني الحر"، علماً أن 9 وزراء كانوا أعلنوا المقاطعة، ما كان من شأنه تعطيل النصاب، بيد أن خرق وزير الصناعة جورج بوشكيان المفاجئ قرار تكتله السياسي "حزب الطاشناق" (حليف التيار)، عبّد الطريق لميقاتي لعقد جلسته. وفي وقت لاحق، فصل بوشكيان من الحزب وكتلته النيابية.