دعوات للحوار وملامح "مرشح توافقي" بعد إخفاق البرلمان اللبناني في انتخاب رئيس

14 يونيو 2023
النائب محمد رعد رئيس كتلة "حزب الله" في البرلمان اللبناني (حسين بيضون/ العربي الجديد)
+ الخط -

توالت المواقف السياسية في لبنان الداعية إلى حوار وطني لوضع حدٍّ للشغور الرئاسي المستمرّ منذ 8 أشهر، وذلك عقب إخفاق المجلس النيابي اليوم الأربعاء، وللمرة 12، في انتخاب رئيس للبلاد، وأبرزها من جانب "حزب الله" و"حركة أمل"، ومرشحهما رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، في تصريحاتٍ تشي بمرحلة جديدة مقبلة قد يكون قوامها البحث عن مرشح رئاسي ثالث "توافقي".

ويعزز السيناريو المتوقع سياسياً في البلاد شبه استحالة تأمين أي مرشح 86 صوتاً للفوز بالرئاسة من الدورة الأولى، وعدم قدرة أي مجموعة سياسية على الحفاظ على نصاب الـ86 للدورة الثانية، ولو كان بوسعها تأمين الغالبية المطلقة للفوز فيها، أي 65 نائباً، وذلك في ظلّ لجوء كل فريق إلى الانسحاب من بوابة تعطيل نصاب انعقاد الجلسة.

وتنصّ المادة 49 من الدستور اللبناني على أن رئيس الجمهورية يُنتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة، أي 65 نائباً، في دورات الاقتراع التي تلي، أما نصاب انعقاد الجلسة بكافة دوراتها، والذي يصرّ عليه بري، فيتمثل بـ86 نائباً، الأمر الذي يجعل تعطيله متاحاً أمام القوى السياسية المتنافسة.

كذلك، تأتي هذه الدعوات بعدما فشل "حزب الله" وحلفه "السياسي الرئاسي" للمرة الأولى في تخطي عدد أصوات مرشح الفريق المقابل، فبينما كان يتفوّق على مرشح المعارضة سابقاً النائب ميشال معوض، بالورقة البيضاء، عندما كان إلى جانبه "التيار الوطني الحر" (برئاسة النائب جبران باسيل)، عجز عن ذلك اليوم، في ظلّ انضمام الأخير إلى صفوف الأحزاب المعارضة، "القوات اللبنانية" (برئاسة سمير جعجع)، "الكتائب اللبنانية" (برئاسة النائب سامي الجميل)، "الحزب التقدمي الاشتراكي" (يتزعمه وليد جنبلاط)، وبعدما التحق بهم عددٌ كبيرٌ من النواب التغييريين والمستقلين.

وحاز مرشح القوى المعارضة في جلسة الانتخاب رقم 12 اليوم على 59 صوتاً، مقابل 51 صوتاً لفرنجية، قبل أن يرفع رئيس البرلمان نبيه بري الجلسة مع انسحاب نواب كتلته و"حزب الله" وآخرين، ويفقدوا نصاب الدورة الثانية.

وتأتي هذه المشهدية السياسية على وقع زيارة منتظرة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، يُتوقع أن يحمل فيها مبادرة جديدة من شأنها أن تخلق جوّاً توافقياً بين القوى السياسية لانتخاب رئيس جديد للبلاد.

وشدد رئيس البرلمان نبيه بري على أن انتخاب رئيس للجمهورية "لن يتحقق إلا بالتوافق وسلوك طريق الحوار".

وقال بري، بعد انتهاء جلسة الانتخاب: "كفى رمياً بكرة المسؤولية على هذا الطرف أو ذاك في إطالة أمد الفراغ، ولنعترف جميعاً بأن الإمعان بهذا السلوك والدوران في هذه الحلقة المفرغة، وانتهاج سياسة الإنكار، لن نصل إلى النتيجة المرجوة التي يتطلع إليها اللبنانيون والأشقاء العرب والأصدقاء في كل أنحاء العالم، الذين ينتظرون منّا أداءً وسلوكاً يليق بلبنان وبمستوى التحديات والمخاطر التي تهدده".

وأضاف: "بداية البدايات لذلك هي الإسراع بانتخاب رئيس للجمهورية، وذلك لن يتحقق إلا بالتوافق وسلوك طريق الحوار، ثم الحوار، ثم الحوار".

وحدّد بري مواصفات الحوار بأن "يكون من دون شروط، لا يلغي حق أحد في الترشح، وتتقاطع فيه إرادات الجميع حول رؤية مشتركة لكيفية إنجاز هذا الاستحقاق من دون إقصاء، أو عزل، أو تحدٍّ، أو تخوين، وأن يكون تحت سقف الدستور يحافظ على الميثاقية والشراكة". وختم بري كلمته: "آن الأوان لكي يمتلك الجميع الجرأة والشجاعة من أجل لبنان بسلوك هذا الطريق، فهل نحن فاعلون؟".

من جهته، قال فرنجية، في تغريدة عبر حسابه على "تويتر": "كل الشكر للنواب الذين انتخبوني وللرئيس نبيه بري وثقتهم أمانة، كما نحترم رأي النواب الذين لم ينتخبوني، وهذا دافعٌ لحوار بنّاء مع الجميع نبني عليه للمرحلة المقبلة لإحقاق المصلحة الوطنية".

في السياق، قال نائب رئيس المجلس التنفيذي في "حزب الله" الشيخ علي دعموش، في بيان، إن "كل السيناريوهات المحتملة لجلسة انتخاب الرئيس لن تؤدي إلى نتيجة"، مشيراً إلى أن "ما يؤدي إلى النتيجة المطلوبة له طريق وحيد هو الحوار والتفاهم والتوافق على مرشح جامع، يلمّ اللبنانيين، ويكون قادراً على معالجة الملفات التي تهمّهم، ومنفتح على الجميع في الداخل والخارج".

"حزب الله" منفتح على الحوار

ويقول مصدرٌ نيابيٌّ في "حزب الله"، لـ"العربي الجديد": "كنا دائماً دعاة للحوار، ونعتبره الطريق الوحيد للتوافق السياسي المطلوب لانتخاب رئيس للجمهورية، هذا لا يعني أننا نتخلى عن مرشحنا، بل على العكس نراه مرشحاً طبيعياً، وصاحب رؤية يجتمع عليها مؤيدوه بعكس مرشح الفريق الآخر، الذي لا تلاقي حوله، بل وضع اسمه لإلغاء فرنجية".

ويضيف المصدر: "في المقابل، الكل يعلم أن لا مرشح قادراً على الفوز بتصويت 86 نائباً إلا بحصول توافق سياسي، نتوجّه من خلاله إلى الجلسة، لا أزعور أو غيره ولا فرنجية، لذلك الحوار هو الطريق الوحيد لوضع حدٍّ للشغور الرئاسي، ومنفتحون عليه، شرط ألا يكون من منطق إلغائي".

من ناحية ثانية، أصدر المرشح وزير المال السابق جهاد أزعور بياناً عقب الجلسة اليوم، شكر فيه من صوت له، وتمنى أن يكون المشهد الجديد "حافزاً على التلاقي على خيار إخراج لبنان من الأزمة، وعلى المضي في العملية الانتخابية من أجل مصلحة الشعب اللبناني".

ولفت أزعور إلى أنه حالياً في إجازة من صندوق النقد الدولي، وتخلّى مؤقتاً عن مهامه كمدير لدائرة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، والمواقف التي يدلي بها شخصية ولا تعبّر بالضرورة عن رأي صندوق النقد.

نحو مرشح ثالث

وفي قراءة للمشهد الراهن، يقول الكاتب السياسي آلان سركيس، لـ"العربي الجديد"، إن "المفاجأة على صعيد الأصوات التي حققها فرنجية لم تكن كبيرة، وكان منتظراً من بعض النواب أن يعودوا ويصوتوا له، خصوصاً بعد ضغط كبير مورس من قبل بري و"حزب الله" لتأمين أكبر عدد من الأصوات، تكون قريبة من أزعور الذي صبت التوقعات في خانة حصوله على 60 صوتاً وأكثر".

ويرى سركيس أنه لو لم يُعطَّل نصاب الدورة الثانية، لكان أزعور تمكن من تأمين 65 صوتاً، خصوصاً أن العديد من النواب الذين لم يصوتوا لأي من المرشحين في الدورة الأولى، كانوا لوّحوا بالتصويت لصالح أزعور فيما لو استمرت الجلسة.

ويعتبر سركيس أنه رغم المعركة التي خاضها "حزب الله" ورئيس البرلمان، لم يتمكن فرنجية من تأمين أكثر من 51 صوتاً، ومن الصعب جداً أن يحصد 65 صوتاً في أي جلسة ستعقد لاحقاً، "من هنا قد تكون الدعوات إلى الحوار نوعاً من التسليم بصعوبة وصول فرنجية إلى سدّة الرئاسة، في المقابل، قد لا يكون للمعارضة مشكلة في طرح اسم ثالث أو لائحة من الأسماء غير أزعور".

تبعاً لذلك، يرى سركيس أن "المرحلة المقبلة عنوانها التلاقي على اسم بعد سقوط ترشيح فرنجية، الذي ظهر اليوم ألا حظوظ له بالفوز إلا في حال أيدته كتل نيابية كبيرة، وهذا مستبعد تماماً، سواء من قبل التغييريين أو "التيار الوطني الحر"، باعتبار أن باسيل يخوض معركة حياة أو موت بوجه فرنجية، وبذلك نحن أمام الفراغ أو الاسم الثالث، ومن الأسماء البارزة في هذا الإطار وزير الداخلية السابق زياد بارود، وقائد الجيش العماد جوزيف عون".

المساهمون