تشهد الساحة اللبنانية حالة استنفار للقوى السياسية بعدما دخل استحقاق الرئاسة مرحلة عدٍّ عكسيٍّ فرضت مشهديته مهلة رئيس البرلمان نبيه بري بوجوب انتخاب رئيس للبلاد كحدّ أقصى في 15 يونيو/ حزيران المقبل، وقبل انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي رياض سلامة في يوليو/ تموز المقبل.
وعلى وقع الحراك الدبلوماسي الداخلي المكثف لإحداث خرق في الجمود الرئاسي وحثّ الأطراف السياسية على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس واغتنام المناخات الخارجية الإيجابية، التي يستند إليها بري أيضاً في مهلته الزمنية، لتنعكس على لبنان، يزيد رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، المرشح لرئاسة الجمهورية، المدعوم من حزب الله وحركة أمل ويعد الحليف الأبرز للنظام السوري، من زياراته ولا سيما للدبلوماسيين، آخرهم السفير السعودي وليد البخاري، لجسّ نبض حظوظه الرئاسية، ومحاولة توجيه رسائل ألا "فيتو" عليه من السعوديين.
المعارضة تغيّر مقاربتها
في المقابل، وسّعت القوى المعارضة لفرنجية دائرة مشاوراتها، لتشمل بشكل بارز خصومها في السياسة، خصوصاً "التيار الوطني الحر" (برئاسة النائب جبران باسيل)، في خطوة غيّرت فيها مقاربتها للاستحقاق، بعدما باتت على يقين بانتفاء حظوظ مرشحها الأول النائب ميشال معوض.
ولمست هذه القوى خطورة جدية باحتمال انتخاب فرنجية، لا سيما في ظل الضخّ الحاصل إعلامياً وسياسياً بتمسك باريس به، خصوصاً في حال باغت بري الجميع ودعا إلى جلسة لانتخاب رئيس، ما يحتم على هذه القوى تعزيز صفوفها إما لتطيير نصاب الجلسة (86 من أصل 128 نائباً) أو محاولة إيصال مرشح يبقى بالنسبة إليها أفضل من فرنجية.
وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن "ورقة ترشيح النائب ميشال معوض انتهت، والبحث اليوم يرتكز على خطّي وزير المال الأسبق، المسؤول الرفيع في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، وقائد الجيش جوزف عون، علماً أن الأجواء حتى الساعة تفيد بتقدّم حظوظ الأول، بانتظار حسم التيار موقفه بين الرجلين".
ويكشف مصدر في "التيار الوطني الحر" لـ"العربي الجديد"، أنه "بمجرد حسم موقفنا سنعلن عنه"، علماً أن "التيار" أقرب إلى أزعور من عون، في ظل خلافاته مع قائد الجيش.
سجيع عطية: هناك ضغط لانتخاب رئيس قبل القمة العربية
من جانبه، يقول النائب في كتلة "الاعتدال الوطني" المستقلة سجيع عطية لـ"العربي الجديد"، إن "هناك جدية لدى الدول التي تعقد اجتماعات حول لبنان لإنهاء الأزمة الرئاسية خلال أسابيع، وبتقديري هناك ضغط حاصل لانتخاب رئيس قبل القمة العربية في السعودية المنتظرة في 19 مايو/ أيار الحالي، وهناك تفاوض بين القوى المسيحية بالدرجة الأولى للاتفاق على مرشح ينافس فرنجية، بين أزعور وقائد الجيش".
ويشير عطية إلى أن "كل السفراء الذين التقيناهم أكدوا على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت، وهناك ضغط لتوحد القوى المسيحية موقفها حول مرشح واحد ينزل إلى الجلسة بوجه فرنجية"، معتبراً أن "الرئيس بري قد يدعو لجلسة في الأسبوع المقبل أو بعده بحدٍّ أقصى، والمنافسة لن تكون سهلة".
ويلفت عطية إلى أن "لقاء جمع كتلتنا، أول من أمس الخميس، مع السفير السعودي، وهناك تأكيد ألا فيتو على أي شخصية سياسية لبنانية، فالمملكة لا تدخل في لعبة الأسماء"، مشيراً في المقابل إلى أن "الفرنسيين أقرب إلى فرنجية ضمن معادلة تشمل تسلّم الدبلوماسي نواف سلام رئاسة الحكومة".
ويرى أن التطورات الخارجية، خصوصاً على صعيد العلاقات السعودية ـ السورية ستنعكس إيجاباً على لبنان، لكن لا يمكن معرفة لصالح أي مرشح ستصبّ.
وعلى ضفة القوى المعارضة لانتخاب فرنجية، يقول النائب الياس حنكش، عضو كتلة "الكتائب اللبنانية" (برئاسة النائب سامي الجميل)، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك ضغطاً كبيراً على جميع القوى السياسية للذهاب باتجاه انتخاب رئيس، خصوصاً مع اقتراب استحقاق حاكمية مصرف لبنان في يوليو المقبل، في بلد يعيش حالة إفلاس ويتخبط بأخطر الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية".
ويرى حنكش أننا على مفترق طرق خطير جداً، والوضع قد يكون أسوأ بكثير، وهناك أسوأ مما نعيشه اليوم، وعلى الجميع تحمّل المسؤولية. ويشير إلى أن هناك لقاءات تحصل ومشاورات للوصول إلى رؤية مشتركة حول مرشح مقبول، والموضوع ليس محصوراً فقط بين الأطراف المعارضة، فهناك تفكير بطريقة مختلفة لتوسيع الدائرة أكثر والذهاب إلى تأييد مرشح يحمل المواصفات اللازمة لإنقاذ لبنان، لافتاً إلى أن التواصل يشمل أيضاً "التيار الوطني الحر".
كما يرفض حنكش الكشف عن المرشح الأقرب للالتقاء حوله بين أزعور وقائد الجيش، مشيراً إلى أن الحديث بالأسماء سابق لأوانه في الإعلام، ونحن نعمل مع القوى السياسية التي نتشاور معها لعدم حرق الأسماء والدخول بلعبة المزايدات، إلى أن نصل إلى اتفاق نعلن عنه رسمياً، لكن التحضيرات مكثفة، ونعمل كأن جلسة انتخاب الرئيس غداً، فمن الضروري أن نكون حاضرين في حال دعوة بري إلى جلسة، وأقله متفقين على خطوتنا عندها، سواء بتطيير النصاب أو طرح اسم للرئاسة.
جوني منيّر: من المستبعد انتخاب رئيس خلال الأسبوعين المقبلين أو في الشهر الحالي
وحول التطورات الخارجية وانعكاساتها على لبنان، يرى حنكش أن هناك أرضية مشتركة بين جميع السفراء بعدم التدخل مباشرة بالاستحقاق الرئاسي وبالأسماء، وهذه قناعاتنا أيضاً لأن الانتخابات شأن لبناني داخلي، في المقابل، لا يمكن أن تكون أبواب لبنان مشرعة عندما تكون قوى المنطقة متصارعة في ما بينها فندفع الثمن، بينما عندما تحصل الاتفاقات يكون البلد معزولاً عن الاستقرار المنشود في المنطقة. ولذلك برأينا هناك ارتدادات سواء مباشرة أو غير مباشرة لما يحصل إقليمياً ودولياً على لبنان، وعلينا أن نستفيد من هذه اللحظة السياسية، ونعمل لما هو في مصلحة لبنان.
انعكاس تطورات المنطقة على لبنان
وفي قراءة للمشهدين الداخلي والخارجي، يقول الكاتب السياسي جوني منيّر، لـ"العربي الجديد"، إن المهلة التي وضعها بري للانتخابات مبالغ فيها برأيي، وقد يكون استند بذلك إلى التطورات الإقليمية، ولا سيما القمة العربية في السعودية، والمستجدات السورية السعودية، معتبراً أنه يجب أن ننتظر أولاً نتائج القمة العربية، وطبعاً سيكون ملف لبنان حاضراً فيها، وأرى هنا أن السوري سيكون مبادراً أكثر باتجاه المملكة، فهو بحاجة للسعودية.
ويرى منيّر أن كل التطورات في المنطقة ستنعكس على لبنان، لكن من المستبعد انتخاب رئيس خلال الأسبوعين المقبلين أو في الشهر الحالي.
من جهة ثانية، يعتبر منيّر أنه لا يمكن التكهن لصالح من ستصبّ هذه التطورات، سواء عند فرنجية أو مرشح آخر، لكن كما هو ظاهر فإن النفس العربي الخليجي الأميركي يذهب أكثر باتجاه شخصية قادرة على إعادة تنظيم البلد بعيداً من المحاصصة وتأثير الطبقة السياسية، وهذه المواصفات تنطبق على قائد الجيش.
وبعكس الأجواء التي تشير إلى تمسك فرنسي بفرنجية، يرى منيّر أن الفرنسيين تراجعوا عن مبادرة فرنجية، وقد أصبحت وراءهم، وهو ما نقلته السفيرة الفرنسية آن غريو إلى البطريرك الماروني بشارة الراعي، الثلاثاء الماضي.
وحول الموقف الفرنسي، يوضح مصدر دبلوماسي فرنسي، لـ"العربي الجديد"، أن فرنسا لا تتدخل بلعبة الأسماء، بل تعمل على تقريب المسافات بين القوى السياسية والمساعدة على إيجاد حل، وهو ما نقلته السفيرة غريو إلى الراعي في لقائهما الأخير.
أميركياً، يشدّد مصدر دبلوماسي أميركي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، على وجوب "إيجاد الأطراف السياسية في لبنان حلاً سريعاً للرئاسة التي تعيش شغوراً منذ 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي (تاريخ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون)"، منبهاً من "خطورة انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي في ظل عدم وجود رئيس للبلاد، وهو ما قد تكون له انعكاسات خطيرة نقدياً واقتصادياً على لبنان".
تجدر الإشارة إلى أن منصب حاكمية المصرف المركزي يعني الكثير للولايات المتحدة، التي اتُهمت في مراحل عدة بالتدخل في التعيينات وتأمين غطاء طويل لسلامة رغم ملفات الفساد المالي التي تحوم حوله.