أسفرت الاستشارات النيابية الملزمة التي أجراها الرئيس اللبناني ميشال عون، اليوم الخميس، عن تكليف نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة الـ78 في تاريخ البلاد، والرابعة له، وذلك بعد حصوله على 54 صوتاً، وهو الرقم الأدنى الذي يناله في "مسيرته الحكومية".
وأكثرية الأصوات التي حصل عليها ميقاتي أتت من جانب كتلتَيْ "حزب الله" و"حركة أمل" التي يقودها نبيه بري، في حين حاز السفير السابق نواف سلام 25 صوتاً، وبلغ عدد النواب الذين لم يسمّوا أي شخصية 46 نائباً.
ومن المواقف اللافتة، تسمية النائب جهاد الصمد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، مبرراً خطوته بما يمثله الأخير من حيثية سُنية، علماً أن الصمد يُعدّ من النواب السُنة خارج دائرة "تيار المستقبل"، كما سمّى النائب إيهاب مطر الدكتورة روعة حلاب، في حين برزت مقاطعة النائب أشرف ريفي الاستشارات.
وانتهت الاستشارات الملزمة اليوم على أن يجريَ الرئيس ميقاتي، في موعد يحدد لاحقاً، الاستشارات النيابية غير الملزمة مع مختلف القوى السياسية والكتل النيابية، لينطلق قطار المشاورات التي تمهد لتأليف حكومة، من المستبعد وفق توقعات نيابية وسياسية محلية ولادتها قريباً، إلا في حال نضوج تسوية سريعة كما حصل في حكومة ميقاتي الثالثة، التي شُكلت في أقل من شهرين، وتمثلت فيها الأحزاب التقليدية.
وحصد ميقاتي صاحب الـ72 صوتاً في الاستشارات الماضية أصوات كتل "حزب الله"، أي "الوفاء للمقاومة"، المؤلفة من 15 نائباً، و"التنمية والتحرير" المؤلفة أيضاً من 15 نائباً، و"التكتل الوطني المستقل" (ينضوي ضمنه تيار المردة برئاسة سليمان فرنجية ويضم 4 نواب بعد انضمام ميشال المر إليه)، و"جمعية المشاريع" التي تضمّ نائبين، واللقاء النيابي الشمالي الذي يضم 6 نواب، منهم قدامى "تيار المستقبل"، وتكتل "النواب الأرمن" الذي يضم 3 نواب.
كما صوّت لصالح ميقاتي النواب المستقلّون: عماد الحوت، حسن مراد، جان طالوزيان، جميل عبود، فراس سلوم، بلال الحشيمي، نبيل بدر، وعبد الكريم كبارة، ومحمد يحيى.
في المقابل، صوّتت لصالح السفير سلام كتلة اللقاء الديمقراطي (تمثل الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط وتضم 8 نواب)، وكتلة الكتائب اللبنانية (برئاسة النائب سامي الجميل وتضمّ 4 نواب)، كما حصد أصوات النواب المستقلين ميشال معوض، وأديب عبد المسيح، وغسان سكاف، وعشرة أصوات من النواب التغييريين.
أما النواب الذين لم يسمّوا أحداً لرئاسة الحكومة فهم نائب رئيس البرلمان إلياس بو صعب (ينتمي إلى تكتل لبنان القوي برئاسة النائب جبران باسيل)، ونواب "تكتل لبنان القوي" وعددهم 17، ونواب "كتلة الجمهورية القوية" (تمثل حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع وتضم 19 نائباً وهي الأكبر برلمانياً)، إلى جانب 3 نواب من التغييريين، إضافة إلى جميل السيد، فؤاد مخزومي، أسامة سعد، عبد الرحمن البزري، ميشال ضاهر، نعمة افرام وشربل مسعد.
ميقاتي يدعو لـ"التعاون من أجل انقاذ الوطن"
وعقب لقائه الرئيسين عون وبري في قصر بعبدا الجمهوري، دعا ميقاتي الجميع إلى "التعاون من أجل إنقاذ الوطن وانتشال الشعب اللبناني مما يتخبّط فيه"، معتبراً أن مسؤولية الإنقاذ "مسؤولية جماعية وليست مسؤولية فرد"، معلناً مدّ يده للجميع "من دون استثناء بإرادة وطنية طيبة وصادقة".
وقال رئيس الحكومة المكلف إن "هذا التكليف الجديد يحمّلني اليوم مسؤولية مضاعفة، ولكن تبقى الثقة الملزمة للجميع من دون استثناء لها عنوان واحد هو التعاون"، مشيراً إلى أنه "المهم اليوم أن نعي أن الفرص لا تزال سانحة لإنقاذ ما يجب إنقاذه، ونحن قادرون معاً على انتشال البلد من أزماته.. المهم أن نضع خلافاتنا واختلافاتنا جانباً، وننكب على استكمال الورشة الشاقة التي تتطلب أن نضع أمامنا إنقاذ شعبنا ووطننا كهدف واحد أوحد".
ولفت ميقاتي إلى أنه "لم نعد نملك ترف الوقت والتأخير والغرق في الشروط والمطالب، فقد أضعنا ما يكفي من الوقت وخسرنا الكثير من فرص الدعم من الدول الشقيقة والصديقة". وأضاف: "لقد أصبحنا أمام تحدي الانهيار التام أو الإنقاذ التدريجي انطلاقاً من فرصة وحيدة باتت متاحة أمامنا في الوقت الحاضر... في هذا الصدد، علينا في أسرع وقت التعاون مع المجلس النيابي لإقرار المشاريع الإصلاحية المطلوبة، قبل استكمال التفاوض في المرحلة المقبلة لإنجاز الاتفاق النهائي مع صندوق النقد، وبدء مسيرة التعافي الكامل".
وتابع "إننا في صدد استكمال الخطوات الأساسية لحل معضلة الكهرباء التي تستنزف الخزينة وطاقات الناس، وندعو الجميع للانخراط في هذه الورشة بعيداً من الشروط والاعتبارات المسبقة والتجارب التي أثبتت فشلها في تعافي هذا القطاع"، غامزاً بقوله هذا من قناة "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل ووزير الطاقة وليد فياض المحسوب عليه، في ظل تمسك فريق صهر رئيس الجمهورية بوزارة الطاقة رغم إهدار المليارات من الدولارات عليها من دون حلّ الأزمة التي تتفاقم أكثر.
وختم ميقاتي كلمته: "أمامنا عمل كثير، ولا وقت نضيّعه. نظرة واحدة ولو سريعة إلى بعض الإيجابيات في هذه الأيام مع بدء فصل الصيف تكفي لإعادة الأمل بأن لبنان لن يموت، وهو سيتغلب على محنه".
وأعلن مكتب ميقاتي الإعلامي عقد الرئيس المكلف لقاءات، مساء اليوم، مع كل من رئيسي الحكومة السابقين فؤاد السنيورة وتمام سلام، في إطار الجولة التقليدية على رؤساء الحكومات السابقين.
تفاصيل اليوم الاستشاري
وفي تفاصيل اليوم الاستشاري الطويل، فقد توافدت الكتل والنواب المستقلون والتغييريون بدءاً من الساعة العاشرة صباحاً تبعاً لجدول المواعيد الذي عمّمته الرئاسة اللبنانية، وقد وضعوا أسماء مرشحيهم عند الرئيس عون قبل أن يخرجوا ويعلنوا عن مواقفهم.
وبدأت الاستشارات مع بو صعب، الذي فضّل عدم تسمية أحد لرئاسة الحكومة لأسباب ربطها بعدم الوضوح حول شكل الحكومة ومرحلة ما بعد التكليف، متمنياً على الرئيس المكلف الإسراع بتأليف الحكومة لأن الوضع لا يحتمل التأجيل، فـ"هناك ملفات ضرورية ومستعجلة منها خطة التعافي المطروحة والاتفاق مع صندوق النقد الدولي"، متمنياً أيضاً حصول مرونة بالتعاطي والتساهل مع كل الأفرقاء لتتشكل حكومة تُلاقي اللبنانيين عند مطالبهم.
من جهته، دعم "اللقاء النيابي الشمالي" تسمية ميقاتي، متمنياً ألا يطول التأليف لأنه "كلما طال كبر الانهيار".
وسمّت "كتلة الكتائب اللبنانية" نواف سلام، بحيث إن "النهج المختلف يبدأ باختيار رئيس حكومة لديه نهج مختلف وشخصية مستقلة"، وفق تعبير النائب سامي الجميل، الذي تمنى على كل الكتل تحمّل مسؤولياتها، مؤكداً "أننا لا نناور وواضحون مع الناس وسنبقى صادقين معهم".
وتمنى الجميل عدم الخضوع لمنطق ألا حكومة قبل انتخابات رئاسة الجمهورية، متمنياً أخذ الاستحقاق بجدية والعمل على تشكيل حكومة سريعاً لأن البلد لا يمكنه الصمود والانتظار 4 أشهر لحين انتهاء ولاية عون"(تنتهي في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2022).
كتلة نواب الكتائب تسمّي نواف سلام لتشكيل الحكومة pic.twitter.com/QKkkAFkasM
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) June 23, 2022
من جهته، سمّى "التكتل الوطني المستقلّ" ميقاتي لرئاسة الحكومة، وتمنى النائب فريد هيكل الخازن تشكيل الحكومة بوقت سريع، داعياً "كل القوى السياسية أكانت في السلطة أم المعارضة إلى مدّ اليد والانفتاح على بعضها والخروج من التموضعات السياسية للنهوض بالبلد اقتصادياً".
التكتل الوطني المستقل يسمّي الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة pic.twitter.com/rfPAVrxI7h
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) June 23, 2022
وسمّت "كتلة اللقاء الديمقراطي" سلام، معلنةً على لسان النائب تيمور جنبلاط أنها لن تشارك في الحكومة ولكنها ستساعد بتشكيلها.
كتلة اللقاء الديمقراطي تسمّي نواف سلام لتشكيل الحكومة pic.twitter.com/8pGewWFky0
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) June 23, 2022
وسمّت كتلة "جمعية المشاريع" ميقاتي لرئاسة الحكومة، وذلك في ظل المهمات التي تنتظرها مثل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والملفات الملحة كالخبز، والطحين، والكهرباء، والمياه، على حدّ تعبيرها.
على صعيد "كتلة الوفاء للمقاومة"، فقد قرّرت تسمية ميقاتي، متمنية له "التوفيق والنجاح وللبلاد حسن التعافي ودوام الاستقرار. وقال رئيسها النائب محمد رعد إنه "في الأزمات تتطلب الواقعية والمصلحة الوطنية توفير كل الفرص وتذليل كل العقبات لتتشكل حكومة تمارس سلطة القرار في مواجهة كل الاستحقاقات والمستجدات وطبيعي أن شخصية الرئيس المكلف تعزز ذلك".
ولم تسمِّ "كتلة الجمهورية القوية" أحداً لرئاسة الحكومة، علماً أنها كانت سمت في استشارات سابقة نواف سلام، وعزت ذلك إلى كون الأخير لم يبادر منذ ذاك الحين للقاء أو إعلان مواقفه من مختلف النقاط المطروحة وبرنامج رئيس الحكومة المكلف.
وقال النائب جورج عدوان باسمها إن الكتلة حاولت خلال الفترة الماضية جمع القوى التي تلتقي معها، خصوصاً بالموضوع السيادي ليكون لديها موقف واحد من تكليف رئيس الحكومة لكنها لم تنجح. مع العلم أن القوات اتفقت على مقاربة الملف مع الحزب التقدمي الاشتراكي، لكنها عادت وتمايزت عنه مع عدم تسميتها سلام بعكس كتلة جنبلاط.
من جانبهم، حضر النواب التغييريون معاً إلى الاستشارات ودخلوا عند الرئيس عون، على الرغم من أنهم لم ينضووا بكتلة واحدة رسمياً وسجلوا في جدول رئاسة الجمهورية بالتصويت منفردين، وقد أعلنوا أن 10 من أصل 13 منهم صوّتوا لصالح سلام، وهم النواب فراس حمدان، ميشال الدويهي، بولا يعقوبيان، رامي فنج، وضاح الصادق، ياسين ياسين، ملحم خلف، إبراهيم منيمنة، مارك ضو، نجاة عون، في حين امتنع 3 نواب عن التسمية وهم النواب سينتيا زرازير، حليمة قعقور والياس جراده.
وأكد النواب التغييريون أن تأمين أكثرية لميقاتي يعني استمرار نهج التحاصص الذي أدى إلى انهيار البلد، من هنا عبّروا عند الرئيس عون عن رفضهم منطق المحاصصة والمقايضة والمساومة على حقوق اللبنانيين.
واكتفت كتلة التنمية والتحرير عند تسمية ميقاتي، بالقول عبر النائب ميشال موسى إن خطوتها أتت ربطاً بالنهج الذي يجب أن يتبع من الحكومة ولا سيما لجهة الاستحقاقات المقبلة.
وقال باسيل عن "تكتل لبنان القوي" إنهم "اختاروا عدم التسمية، فسلام لا فرصة جدية لديه، أما أهم أسباب عدم تسمية ميقاتي فتكمن في ما تحدث هو عنه، أي صعوبة تشكيل حكومة جديدة بالوقت الضيق، إضافة إلى صعوبة تحقيق أمور نعتبرها أساسية بالمرحلة المقبلة وتتعلق بمصرف لبنان وتحقيقات انفجار مرفأ بيروت، والإصلاحات وخطة التعافي، والأمر المستجد والملحّ أخيراً ترسيم الحدود البحرية".
وأضاف باسيل: "بالتالي مقولة تمرير الأربعة أشهر قبل الاستحقاق الرئاسي ثم الحديث عن أمور جدية لا تصلح، فالوقت داهم والانفجار الاجتماعي خطير وجدي ونستطيع الفصل بين استحقاق رئاسي موجب وأوضاع الناس".
وطلب باسيل من رئيس الحكومة الالتزام بخلق الأجواء اللازمة لإجراء الاستحقاق الرئاسي بوقته، والتزامه والأكثرية النيابية التي تعطيه الثقة لإقرار قوانين إصلاحية ملزمة بمجلس النواب للاتفاق مع صندوق النقد الدولي، نافياً وضع شروط للانضمام للحكومة، مشيراً إلى "أننا لا نرى مع الرئيس ميقاتي فرصة حقيقية للإصلاح في البلد ولا انسجام بينهما".
وتمايز موقف تكتل "النواب الأرمن" عن موقف "تكتل لبنان القوي" الذي يتحالف معه، إذ سمّى ميقاتي بعكس تكتل باسيل.