لبنان: تجاهل مستمرّ لخطورة المرحلة وسط تعنّت حكومي ومبارزة "الاعتذار"

17 مايو 2021
ولادة الحكومة اللبنانية تتأخر (حسين بيضون)
+ الخط -

خرق اتصال الرئيس اللبناني ميشال عون برئيس البرلمان نبيه بري، لتهنئته بعيد الفطر، القطيعة القائمة منذ فترة بين الطرفين، على خلفية الأزمة الحكومية التي عجز الحَراك الخارجي وجميع المبادرات الداخلية عن تعبيد الطريق نحو تجاوزها.
وقال مصدرٌ مسؤول في عين التينة (مقرّ بري) لـ"العربي الجديد" إنّ عون اتصل نهاية الأسبوع برئيس مجلس النواب لتهنئته بعيد الفطر، وكانت مناسبة للتداول بآخر المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية والحكومية.
وأكد المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أنّ "مبادرة الرئيس بري لم تسقط يوماً أو تم التراجع عنها، لكنها رهن توافر النوايا الصادقة للوصول إلى حلٍّ، والرغبة الحقيقية لدى المعنيين بالتأليف بإزالة العقبات التي يشدد بري دائماً على أنها داخلية لا خارجية ومرتبطة بالسقوف العالية التي يضعها الأفرقاء، كما أنه لن يتوانى عن بذل أي جهد في إطار تجاوز المأزق الحكومي".
وتتمثل مبادرة بري في توسعة الحكومة لتتخطى حاجز الـ18 وزيراً الذي يتمسك به رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بحيث تكون عشرينية ولا يكون هناك دمج للوزارات، ولا يعطى ثلث معطل لأي طرف أو حزب، وهو ما يُتهم الرئيس اللبناني بالتمسك به.
وتقضي كذلك بالتوافق بين عون والحريري على بعض الحقائب الوزارية الخلافية، أبرزها الداخلية والعدل والطاقة والمياه، وهي مبادرة يلاقيه فيها رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، والبطريرك الماروني بشارة الراعي الذي قاد بدوره حركة لكسر الجمود الحكومي ورحبت بها الدول المتابعة للملف اللبناني، بيد أنّ هذه المبادرة كما غيرها لم يتلقفها الرئيسان عون والحريري.
من جهتها، تشدد أوساط قصر بعبدا، حيث مقرّ الرئاسة اللبنانية، لـ"العربي الجديد"، على أنّ "المعرقل الوحيد لتشكيل الحكومة هو رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، الذي لا يفوّت فرصة إلا ويرمي كرة التعطيل في ملعب الرئيس عون للنأي بنفسه عن التأخير، في حين أنه لجأ أخيراً إلى اللعب على وتر الاعتذار قبيل زيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان بيروت، ومن ثم تعميم أجواء رفض أهل الطائفة السنية تراجعه عن مهمته، وهي محاولات يعتمدها للضغط على رئيس الجمهورية ودفعه نحو الموافقة على شروطه وأسلوب تعاطيه مع التشكيلة الوزارية".
وأكدت الأوساط ذاتها أنّ "الرئيس عون لا يدعو الحريري إلى الاعتذار، إنما يطلب منه احترام الدستور وموقعه كرئيس جمهورية ودوره على صعيد ملف تشكيل الحكومة، أو الانسحاب في حال وجد نفسه عاجزاً عن التأليف وأداء مهامه في ظلّ الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد".
وفي وقتٍ سلّم الرئيس اللبناني، أول من أمس السبت، رسالة خطية إلى نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون حول العلاقات الثنائية والتطورات الأخيرة، كان لافتاً توجه النائب في "التيار الوطني الحر" (يتزعمه النائب جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية) سيمون أبي رميا بصفته رئيساً للجنة الصداقة اللبنانية الفرنسية في مجلس النواب، أمس الأحد، إلى باريس، للاجتماع مع دبلوماسيين وأعضاء في مجلسَيْ النواب والشيوخ والاطلاع على الأجواء الفرنسية بما يختص الملف اللبناني. وهي خطوة تدحض، بحسب مصادر مقربة منه، شائعات شمله بالعقوبات الفرنسية ومنعه من السفر إلى فرنسا، علماً أنه يحمل الجنسية الفرنسية ولديه أعمال فيها.
وتأتي زيارة أبي رميا بعد جولة لودريان في لبنان واستثنائه الأحزاب السياسية من لقاءاته، بالتزامن مع إعلانه عن قيود فرنسية بحق شخصيات لبنانية، وللدلالة على الغضب الفرنسي من ممارسات المسؤولين في لبنان والتعطيل الممارس من قبلهم في الملف الحكومي.

في المقابل، أكد الأمين العام لـ"تيار المستقبل" أحمد الحريري، في تصريح نشر اليوم الاثنين، أن رئيس الوزراء المكلف ستكون له مواقف واضحة في المرحلة المقبلة، بما فيها مصلحة البلد وهموم الناس، ومع دراسته لكل الخطوات والخيارات للوصول إلى القرار الصحيح.
وجاء ذلك في معرض ردّه على ما يشاع عن اعتذار الحريري، وما سيتبع ذلك من خطوات تصعيدية قد تصل إلى استقالة نواب "المستقبل" من البرلمان، علماً أنّ المواقف متناقضة جداً في هذا الإطار داخل البيت الحزبي الواحد، بين من يتحدث عن اعتذار الحريري ومن يجزم أنه لن يقدم على هذه الخطوة إلا في حال قابلتها استقالة رئيس الجمهورية.

في غضون ذلك، شدد عون خلال لقائه اليوم الاثنين نائبة وزير الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي مارينا سيريني، في قصر بعبدا، على أنّ "تشكيل حكومة جديدة له الأولوية حالياً في عملنا السياسي، على رغم العقبات التي تواجه هذه المسألة من الخارج والداخل، لكننا لن نوفر أي جهد للوصول إلى هذا الهدف، وتشكيل حكومة تكون من أولى مهامها تحقيق الإصلاحات المطلوبة واستكمال مكافحة الفساد الذي يعاني منه لبنان، إضافة إلى التدقيق المالي الجنائي الذي يشكل المدخل الحقيقي لهذه الإصلاحات".


وصرحت سيريني بعد اللقاء بأن "إيطاليا تجدد دعوتها الملحة لمختلف الأطراف السياسية في لبنان بوضع اختلافاتها جانباً وتغليب المصلحة العليا للبلاد، والتعاون من أجل تأليف حكومة من شأنها أن تضع لبنان مجدداً على سكة التنمية المستدامة، وأن تسلك مسار الإصلاحات وإعادة إطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي".
وأضافت أن "إيطاليا تدعم أي مبادرة من شأنها أن تساهم في تخطي حالة الجمود الراهنة، واضعة بشكل دائم نصب عينيها ضرورة حماية السكان وتحسين ظروفهم الحياتية. ويدرس الاتحاد الأوروبي مختلف الوسائل الموجودة في متناوله كي يخطو خطوة متوازنة وفعالة على هذا الصعيد"، مؤكدة التزام بلادها على صعيد إعادة الإعمار إثر انفجار مرفأ بيروت.