انطلقت في لبنان، اليوم الجمعة، الاستشارات غير المُلزِمة التي يُجريها رئيس الحكومة المُكلَّف سعد الحريري في مجلس النواب الذي يعود ليفتح أبوابه أمام الكتل النيابية بعد الأضرار الجسيمة التي لحقت به جرّاء انفجار مرفأ بيروت، على وقع رُزمة جديدة من العقوبات طاولت قياديَيْن في "حزب الله"، هما نبيل قاووق وحسن البغدادي.
وبدأ الحريري لقاءاته وفق جدول برامج استشارات التأليف الموزَّع، مع رئيس البرلمان نبيه بري، يليه تباعاً رئيسا الوزراء السابقان النائب نجيب ميقاتي، والنائب تمام سلام، ومن ثم نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، قبل أن تكرّ سُبحة الكتل النيابية على رأسها "التنمية والتحرير" التي تمثل "حركة أمل" نيابياً، فاللقاء الأهم، مع "تكتل لبنان القوي"، حيث من المنتظر أن يترأس النائب جبران باسيل الوفد للقاء الحريري للمرّة التي قد تكون الأولى منذ حوالي السنة، علماً أنّ باسيل غاب عن لقاء "التيار" مع وفد "كتلة المستقبل النيابية" في مرحلة المشاورات، كما لم يتصل الحريري به، ضمن سلسلة الاتصالات التي أجراها وشملت حتى "الحزب السوري القومي الاجتماعي" الذي شكّلت تسميته للحريري مفاجأة لافتة، باستثناء الرسالة التي بعثها الأخير لباسيل بهدف الاطمئنان إلى صحته بعد إصابته بفيروس كورونا.
انطلاق الاستشارات النيابية غير الملزمة بلقاء الرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه بري في #مجلس_النواب pic.twitter.com/rX99yrd03a
— Saad Hariri (@saadhariri) October 23, 2020
ويقول مصدرٌ في "حركة أمل"، لـ"العربي الجديد"، إنّ محاولات كثيرة حصلت محلياً وفرنسياً، لتقريب المسافات بين باسيل والحريري، وفشلت، لكنها استُكملت من جانب رئيس البرلمان نبيه بري، الذي خرج أمس من اللقاء الرئاسي الثلاثي، في قصر بعبدا، بكلام تفاؤلي جداً حول العلاقة بين تياري "المستقبل" و"الوطني الحر" وخصوصاً لناحية علاقة الحريري – باسيل في المستقبل القريب، الأمر الذي يوحي بأنّ هناك نوايا جدية لوضع الخلافات جانباً نظراً لدقة المرحلة التي تمرّ بها البلاد.
ويلفت المصدر إلى أنّ "حركة أمل" و"حزب الله" مصرّان على مطلبهما تسمية وزراء الطائفة الشيعية ولم يتراجعا، بانتظار أجواء استشارات التأليف التي ستظهر اليوم وستطرح فيها العناوين العريضة والآراء حول الشأن الحكومي، وضرورة التشاور مع كل الكتل النيابية من دون تغييب أحد، باعتبار أنّ الحكومة تحتاج في النهاية إلى ثقة النواب.
ويكثر الحديث عن صعوبة عمليّة التأليف في ظلّ إصرار "الثنائي الشيعي" على مطلبه، ما سينعكس حتماً على مواقف باقي الكتل والأحزاب السياسية التي ستحمل مطالب شبيهة، لناحية الحقائب الوزارية، وعن مدى تأثير تكليف شخصية سياسية حزبية لرئاسة مجلس وزراء يفترض أن تكون من المستقلّين وأصحاب الاختصاص، على مسار التأليف وشكل الحكومة، وهذا ما لمّح إليه الرئيس ميشال عون صراحةً في رسالته قبيل الاستشارات والنائب باسيل، وحذّر منه الأفرقاء الذين لم يسمّوا الحريري، أبرزهم "حزب القوات اللبنانية" (يرأسه سمير جعجع)، ربطاً بأنّ عودته تعني حتماً سيناريو شبيهاً بالحكومات التقليدية السياسية.
في الإطار نفسه، يقول عضو "تكتل لبنان القوي" النائب إدي معلوف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "التكتل، لم يسر بتسمية الحريري، انطلاقاً من هذا السيناريو، الذي حذَّرنا منه، ونبّهنا إليه، وتحدّث عنه صراحةً باسيل، بأنّ حكومة المستقلّين تبدأ من الرأس إلى الأعضاء، ولا يمكن خرقها، بشخصية سياسية حزبية وازنة لها أكثريتها في الشارع السُني، تكون على رأس السلطة التنفيذية، وبالتالي، من الطبيعي أن يكون لها تأثيرها على باقي الوزارات".
ويلفت معلوف إلى أنّ "التكتل سيبني موقفه تبعاً للاستشارات، وتصوّر الحريري بشأن تشكيل الحكومة، ونظرته إلى الأمور، وسيكون لدينا موقفنا بعد ذلك، ونتمنى أن تشكّل الحكومة اليوم قبل الغد، نظراً لخطورة المماطلة في المرحلة الراهنة، في ظلّ تردي الأوضاع الاقتصادية والصحية والمالية، ونحن منفتحون إلى أقصى الحدود، وتبقى مصلحة لبنان في الدرجة الأولى"، مشيراً إلى أن لا خلاف شخصياً مع الحريري، وخلال اللقاء الذي جمع وفدي "الوطني الحر" و"المستقبل"، اتفقنا على أننا لا نعارض كل ما له علاقة بالإصلاحات والخطط الاقتصادية، ومع الحوار المستمر.
ورداً على سؤال حول التغيير الذي حدث خلال هذه الفترة بين مرحلة كل من "أديب والحريري"، خصوصاً أنّ العوائق التي حالت دون تشكيل السفير اللبناني لدى ألمانيا مصطفى أديب حكومته، وحملته إلى الاعتذار، لا تزال موجودة مع تمسّك "الثنائي الشيعي" بمطالبه الوزارية، في ظلّ حديث عن ضمانات قدّمها الحريري لبعض الأفرقاء قبيل التكليف من باب تسهيل عملية التأليف، يقول معلوف: "منطقياً، يجب أن يكون هناك أمر تغيّر، كان يشكل عائقاً أمام أديب دفعه إلى الاعتذار، وأزيل اليوم ليطرح نفسه الحريري ويكلَّف، وإلّا نكون أمام تكرار لتجربة أديب، وانتشرت أخبار كثيرة بضمانات قدّمت من الحريري إلى بعض الأفرقاء منها "حركة أمل" ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، الذي كان قد شنّ هجوماً عنيفاً على الحريري وعارض عودته، وفجأة عدّل في موقفه، ما حمَل الكثير من علامات الاستفهام، ربطت بوعود متبادلة، لكن فعلياً نحن لم نسمع بأي شيء من هذا القبيل أو نلمسه وهذه الأمور كلّها ستتضّح اليوم وخلال المشاورات".
ويقول عضو "كتلة المستقبل" النائب عاصم عراجي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الحريري "لم يقدّم ضمانات لأحد، ولم نسمع عن شروط أو شروط مضادة، وسنستمع إليه ككتلة اليوم خلال الاستشارات، ولكن الفارق بين مرحلة كل من أديب والحريري، مع احترامي الكبير لشخص السفير وموقعه، هو أنّ الحريري له وزن داخلي، وكتلة نيابية كبيرة، وهو زعيم طائفة تجلّت أكثر في الأصوات النيابية السنية التي حازَ عليها أمس في الاستشارات الملزمة".
ويضيف عراجي: "أعتقد أن عملية التشكيل ستكون سريعة، لأن هناك مجتمعاً دولياً يراقبنا، كما أن هناك احتمالاً كبيراً أن يستأنف العالم العربي علاقته مع لبنان بعد عزلة طويلة، وعلينا جميعاً أن نعيَ خطورة المرحلة، بما تحمله من فوضى في البلد في ظلّ الوضع الاقتصادي المتردّي والوضع النقدي الكارثي والوضع الصحي المقلق جداً، والفلتان الأمني والعراضات المسلّحة التي نراها بين العشائر، وفي الأفراح والأتراح في مشهدٍ مخيف جداً، والمجتمع الدولي يعي بدوره هذه المخاطر".
وعلى وقعِ استشارات التكليف والتأليف في لبنان، المُراقَبة فرنسياً، ودولياً، ولا سيّما أميركياً، أصدرت الولايات المتحدة، الخميس، رُزمة جديدة من العقوبات طاولت قياديَيْن في "حزب الله"، هما نبيل قاووق وحسن البغدادي، وهما عضوان في المجلس المركزي التابع للحزب الذي بحسب وزارة الخزانة، هو مسؤول عن تحديد وانتخاب أعلى هيئة لصنع القرار في الجماعة وهي مجلس الشورى، الذي يقوم بصياغة السياسة ويؤكد السيطرة على جميع جوانب الأنشطة الحزبية ولا سيما العسكرية.
Treasury Targets High-Ranking Hizballah Officials | U.S. Department of the Treasury https://t.co/AHFX7TZavH
— U.S. Embassy Beirut (@usembassybeirut) October 23, 2020
وأشار وزير الخزانة الأميركية، ستيفن منوتشين، في بيانٍ، إلى أنّ القياديين في الحزب، "مسؤولان عن إنشاء وتنفيذ أجندة هذه المنظمة الإرهابية التي تزعزع استقرار المنطقة وتغذّي العنف تجاه الولايات المتحدة ومصالحها مع شركائها في جميع أنحاء العالم، من هنا يجب أن نستمرّ في تحميل حزب الله المسؤولية عن كل أفعاله المروعة، بالتزامن مع الذكرى الـ37 لقصفه ثكنة المارينز في بيروت".
نتذكر ونحيي العسكريين الاميركيين الـ241 الذين قتلوا على يد إرهابيي حزب الله المدعوم من إيران في 23 تشرين الاول 1983 في هجوم مروّع على ثكنة المارينز في بيروت. pic.twitter.com/9VPjAW5qVS
— U.S. Embassy Beirut (@usembassybeirut) October 23, 2020
من جهته، غرّد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، على حسابه عبر "تويتر"، مشدداً، على أنّ "حزب الله لا يزال يشكل تهديداً للولايات المتحدة، وحلفائنا. وفرض العقوبات على مسؤولين في الحزب، يزيد من فضح أنشطة الجماعة الإرهابية وتعطيل شبكتها التشغيلية، وعلى جميع بلدان العالم أن تعمل أيضاً على تقييد أنشطة حزب الله وحماية نفسها".
Hizballah remains a threat to the U.S. and our allies. Today we’re designating two Hizballah officials, further exposing the terrorist group’s activities and disrupting its operational networks. All countries should work to restrict Hizballah’s activities and protect themselves.
— Secretary Pompeo (@SecPompeo) October 22, 2020
بدوره، شدد مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، في إيجاز صحافي هاتفي، على "أهمية تنفيذ الإصلاحات التي يمكن أن تلبي مطالب الشعب اللبناني، حيث إن مواصلة العمل بالشكل المعتاد سابقاً لم تعد أمراً مقبولاً، وأي حكومة تأتي بعد ذلك يجب أن تلتزم بتنفيذ الإصلاحات التي يمكن أن تؤدي إلى فرص اقتصادية وحوكمة أفضل ووضع حد للفساد المستشري وأن تكون قادرة على ذلك".
ويؤكد مصدر دبلوماسي أميركي لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحديث عن ربط مشاورات ترسيم الحدود بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، التي تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط فيها، بالمسار الحكومي ومعهما تسوية مع "حزب الله" أو "حركة أمل"، التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، وحلفائهما، أو رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، هو عارٍ عن الصحة، ولا يمتّ إلى الواقع بصلة، والدليل أنّ وزارة الخزانة تستمرّ في فرض العقوبات على قياديين في الحزب، وحلفائه، وستعمل جاهدةً على حثّ كل الدول على فرض قيود شبيهة على الحزب من باب الحصار المالي والاقتصادي والسياسي لوقف أنشطته التي تشكل انتهاكاً فاضحاً لحقوق الإنسان على الصعيد العسكري، إضافة إلى ممارساته وملفات الفساد المتورّط بها على حساب الشعب اللبناني والتي تساهم في انهيار لبنان.
ويضيف، أنّ الولايات المتحدة لا تتدخل في الشأن اللبناني المحلي، وهي تحترم كل القرارات التي تصدر، من ضمنها تكليف الرئيس سعد الحريري، وأن الموقف الأميركي يتخذ بناءً للممارسات والبرنامج الإصلاحي، بغض النظر عن الشخصية التي تترأس الحكومة، حتى في عهد رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، ورغم أنها كانت من لون سياسي واحد وعلى رأسها "حزب الله"، كان التواصل مع دياب ووزرائه موجوداً، واستمرّ من خلال السفارة الأميركية في بيروت واللقاءات بين موفدي البلدين، وكانت المواقف تصدر تبعاً لمسار العمل، و"التمنّي يبقى بأن تكون الحكومة الجديدة على قدر المسؤولية في بدء الإصلاحات الجدية، وتلبية تطلعات واحتياجات الشعب اللبناني، وشروط المجتمع الدولي للحصول على المساعدات والقروض الدولية"، يختم المصدر.