فرض استعادة النظام السوري مقعده في الجامعة العربية، عودة ملف تواجد الفصائل العراقية المسلحة الحليفة لإيران داخل سورية، إلى واجهة الجدل السياسي داخل العراق مجدداً، بعد تصريحات روجت لفكرة وجود شروط عربية على النظام لعودته إلى الجامعة العربية، بينها إنهاء تواجد الفصائل الأجنبية المسلحة في سورية.
وعلى الرغم من انحسار واضح لأنشطة تلك الفصائل داخل الأراضي السورية بالمجمل نتيجة تراجع حدة المعارك والمواجهات المسلحة، خصوصاً في الوسط السوري ومناطق شمال وشمال شرقي البلاد، إلا أن ثلاث قيادات بارزة في فصائل عراقية مسلحة نفت، في أحاديث متفرقة، لـ"العربي الجديد"، وجود أي تغيير جديد على رقعة انتشارها، أو طبيعة أنشطتها، التي اتفقوا أن 80 في المائة منها بات محصوراً في المناطق الحدودية مع العراق، متمثلة في مناطق البوكمال وصحراء التنف ودير الزور.
وفي 27 مايو/أيار الماضي، وصل إلى معبر الوليد الحدودي بين العراق وسورية جثمانا عراقيين اثنين قضيا داخل سورية. ووفقاً لموظف في المعبر، الذي تديره القوات العراقية إلى جانب وجود غير معلن لفصائل "الحشد الشعبي"، فإن الجثمانين كانا ملفوفين بعلم إحدى الفصائل العراقية المسلحة. وأكد، لـ"العربي الجديد"، أن المعلومات تضاربت بين تعرّضهما لـ"قصف إسرائيلي" وانفجار لغم.
مسؤول في "النجباء": هناك "تمثيل عراقي مقاوم" قرب الجولان وفي حمص وريف دمشق
ولا تعلن الفصائل العراقية في العادة عن خسائرها في سورية، نتيجة لحسابات يتعلق بعضها بالداخل العراقي، حيث إن الفصائل التي تقاتل مع نظام بشار الأسد هي بالأساس عبارة عن أجنحة ثانية لفصائل موجودة في "الحشد الشعبي"، وتتلقى مرتبات من الدولة، مثل "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"جند الإمام"، و"بدر"، و"النجباء"، و"الإمام علي" و"سرايا الجهاد" وفصائل أخرى. كما أن قسما منها يمتلك أجنحة سياسية تشارك في البرلمان العراقي.
تراجع عدد المسلحين العراقيين في سورية
وعلى مدار أسبوع من جمع المعلومات عبر ثلاثة أعضاء بارزين في فصائل عراقية مسلحة حليفة لطهران، ظهر تطابق حيال مسألة عدم وجود أي انسحاب جديد لهم من داخل سورية، لكنهم تحدثوا عن أن تواجدهم تراجع إلى أقل مستوى له منذ بدء الثورة السورية، ولا يتعدى حالياً بضعة آلاف.
وقال أحد أعضاء "كتائب حزب الله" العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك خريطة انتشار متفقا عليها لفصائل المقاومة الإسلامية في سورية. مقرات وثكنات لسد فراغ كبير غير قادر عليه الجيش السوري وحده"، وفقاً لتعبيره.
وبيّن أن مناطق "تواجدنا العسكري تتركز في التنف والبوكمال ودير الزور، مع مسك خطوط التماس بالشراكة مع القوات السورية المقابلة لقوات قسد من جهة الباغوز".
وقال عضو آخر في "كتائب حزب الله" العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "الشريط الحدودي العراقي السوري بالمجمل فيه تمثيل للفصائل العراقية من الجانبين العراقي والسوري، باستثناء مناطق تواجد الأكراد"، في إشارة إلى مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، المحاذية لمحافظة نينوى العراقية.
وحول نوع هذا التواجد، قال إنه بالشراكة مع قوات أخرى في الجانبين، والفصائل ما زالت تمتلك أسلحتها الثقيلة ولم تسحبها من تلك المناطق كما يُروج له.
نفي لتواجد على الحدود فقط
لكن على الجهة الأخرى، فإن مسؤولاً ثالثاً في "حركة النجباء" نفى أن يكون وجودهم محصورا في مناطق الحدود. وقال، لـ"العربي الجديد"، إن هناك "تمثيلاً عراقياً مقاوماً"، في مناطق ذكر منها "قرب الجولان السوري المحتل وفي حمص وريف دمشق".
وبحسب المصدر نفسه، فإنها "عبارة عن مقرات تمثيل دائمة، وهناك مناوبات بين القوات وتوزيع للنزول (الإجازات). لكن وبسبب طبيعة الأوضاع الجديدة، فقد تم إنهاء المظاهر المسلحة في تلك المناطق من قبلنا".
وتنتشر نحو 10 فصائل عراقية مسلحة، مرتبطة بإيران، داخل الأراضي السورية منذ الأشهر الأولى لاندلاع الثورة. وأبرز الفصائل "النجباء"، و"كتائب الإمام علي"، و"سيد الشهداء"، و"جيش المؤمل"، و"حركة الأبدال"، و"سرايا الخراساني"، و"كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق".
وقال كاظم الفرطوسي، المتحدث باسم "كتائب سيد الشهداء"، إحدى أبرز المليشيات التي تقاتل في سورية، لـ"العربي الجديد"، إن "مقاتلي الفصائل العراقية في سورية سلّموا إدارة مناطق تواجدهم للجيش السوري بعد انتهاء القتال".
"مكاتب تمثيل" للفصائل العراقية المسلحة
لكن الفرطوسي أكد، في الوقت ذاته، وجود ما وصفها بـ"مكاتب تمثيل للفصائل المسلحة، ليس لديها أنشطة أعمال عسكرية حالياً. وهذه المكاتب هدفها الإرشاد الديني وتسهيل أمور الزيارة لبعض الزائرين، وهناك في بعض هذه المكاتب سوريون، من الذين انتموا للفصائل العراقية". وأشار إلى أن "سرعة استجابة الفصائل لأي خلل أمني في سورية ستكون سريعة بالعدد والعدة"، على حد قوله.
حيدر البرزنجي: تراجع أعداد المقاتلين العراقيين لا يعني إنهاء وجودهم في سورية
الناشط السياسي المقرب من المليشيات العراقية حيدر البرزنجي قال إن "تراجع أعداد المقاتلين العراقيين لا يعني إنهاء وجودهم في سورية". وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن "الفصائل المسلحة قدمت الدعم للقوات السورية في كل المراحل، وصولاً إلى المناطق التي تعرضت للزلزال الأخير. وبالتالي فإنها ليست قوات عسكرية وحربية، بل قوات صديقة للسوريين، وتقدم الخدمات لهم".
من جانبه، لفت عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي مهدي تقي إلى أن "قانون الحشد الشعبي يمنع أن تقاتل قواته خارج حدود العراق، لكن الفصائل المسلحة تمثل رأياً دينياً وشعبياً، وهذا ما يدفعها للدفاع عن المقدسات خارج حدود العراق".
واعتبر تقي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحكومات العراقية منذ بداية الأزمة دعت في أكثر من مناسبة إلى عدم القتال خارج العراق، ونحن مع هذا التوجه، لكن خيار القتال جاء بناءً على جذور عقائدية واضحة لدى الفصائل المسلحة، وقد تراجع هذا القتال كثيراً، إضافة إلى أعداد المقاتلين العراقيين في سورية".
عودة المسلحين العراقيين للعمق السوري واردة
بدوره، أشار الباحث في الشأن الأمني عدنان الكناني إلى أن "جميع المعلومات تفيد بأن هناك تواجدا للفصائل العراقية المسلحة داخل الحدود السورية، قرب العراق، وعودة تلك الفصائل إلى العمق والمدن السورية ما يزال وارداً إذا تطلب ذلك منهم مجدداً. لكن حالياً لا ترجيح بعودتها، في ظل تطورات عودة سورية للجامعة العربية".
وسبق أن أكد عدد من قادة "الحشد الشعبي" والفصائل المسلحة، بينهم قادة من مليشيات "سرايا الخراساني" و"النجباء" و"الأبدال" و"كتائب حزب الله"، التي تمتلك أجنحة مسلحة تقاتل إلى جانب قوات الأسد منذ عام 2013، أن قواتهم انسحبت من داخل مراكز المدن السورية التي كانت تنتشر فيها، مثل حمص وحلب وريف دمشق وغيرها، بعد انتهاء "التكليف الشرعي" لتلك الفصائل، بحسب زعمهم. وفي حين أعلنوا فتح الكثير مما يعرف بـ"مكاتب للإرشاد الديني"، فإن مصادر عراقية وسورية تؤكد أنها مكاتب تمارس نشاطات تجارية واقتصادية وسياحية.