في تطور لافت في مسار الصراع اليمني المتواصل منذ ما يزيد عن ست سنوات، دخل مطار صنعاء الدولي لائحة الأهداف، بعد استهدافه مساء أمس الأول الإثنين بغارات من طائرات التحالف، الذي تقوده السعودية، في ضربات مباشرة، هي الأولى من نوعها التي تطاول البنية التحتية للمطار المدني، ليخرج عن الخدمة وفق ما أعلنت السلطات الحوثية.
وجاء استهداف التحالف للمطار، بعد تلويح متكرر واتهامات لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) باستخدامه لتنفيذ هجمات عابرة للحدود، ليعلن التحالف رفع الحصانة الجزئية عن المطار، وشن مقاتلاته 3 غارات جوية، استهدفت 6 مواقع للحوثيين، قال المتحدث الرسمي للتحالف تركي المالكي إنه كان يتم استخدامها لإدارة نشاط هجمات الطائرات المسيّرة والمفخخة باتجاه العمق السعودي.
لم تمتد أضرار الغارات إلى الصالات الرئيسية لمطار صنعاء
وبرر التحالف إسقاط الحماية عن مطار مدني بأنها "استجابة للتهديد جراء استخدام الحوثيين مرافق المطار لإطلاق الهجمات العابرة للحدود"، في إشارة إلى هجمات الطائرات المسيّرة من دون طيار التي تستهدف السعودية.
ودافع المالكي عن عملية استهداف مطار صنعاء. وقال إنه تم إنذار المدنيين بمغادرة المطار، على الرغم من علمهم بعدم وجودهم. وأشار المالكي إلى أن القانون الدولي الإنساني "يجيز رفع الحصانة عن المواقع المدنية، وأن الضربات طاولت أهدافاً عسكرية مشروعة داخل مطار صنعاء".
وفيما ذكر أن مطار صنعاء يضم ورشاً للطائرات المسيّرة والصواريخ، اتهم جماعة الحوثيين بـ"استغلال إقلاع الطائرات الأممية لإطلاق صواريخ باليستية".
الحوثيون يعلنون خروج مطار صنعاء عن الجاهزية
وفيما أعلن التحالف أن عملية الاستهداف لن تكون ذات تأثير على القدرة التشغيلية للمطار، أو على إدارة الحركة الجوية وعمليات المناولة الأرضية، كان الحوثيون يعلنون خروج مطار صنعاء عن الجاهزية، جراء الاستهداف المباشر.
وقال مسؤول في المطار، مفضّلاً عدم الكشف عن هويته، لوكالة "فرانس برس"، "باستطاعتنا إعادة تأهيل المطار وتجهيزه لاستقبال الرحلات، سواء طائرات الأمم المتحدة أو غيرها، إذا التزمت دول تحالف العدوان وقف استهداف مطار صنعاء الدولي".
وأظهرت لقطات مصورة دماراً هائلاً في عدد من مرافق المطار. وحسب وسائل إعلام حوثية، فقد أدت الغارات إلى تدمير معهد الطيران المدني ومستودع الجمارك، فضلاً عن مركز الحجر الصحي، من دون أن تمتد الأضرار إلى صالات المطار الرئيسية.
ولا تعرف المدة التي سيخرج فيها المطار عن الجاهزية، خصوصاً أن الضربات لم تطاول البنية التحتية الرئيسية. ووفقاً لعاملين في منظمات دولية، لـ"العربي الجديد"، فإن إغلاق المطار لن ينعكس بشكل سلبي كبير على الأعمال الإنسانية في محافظات شمال اليمن الخاضعة للحوثيين، كون أغلب المواد الإغاثية والطبية تصل عبر البحر إلى ميناء الحديدة غربي البلاد.
استخدام مطار صنعاء لنقل طواقم المنظمات الدولية
وتعتمد المنظمات الدولية على مطار صنعاء في نقل طواقم مكاتبها الإقليمية في جيبوتي والعاصمة الأردنية عمّان، وكذلك في الرحلات الداخلية من صنعاء إلى عدن. فيما تم استخدامه بضع مرات لإخراج حالات إنسانية طارئة.
وكما هو الحال مع جميع القاطنين في محافظات شمال اليمن، سيكون على الطواقم الأممية الانتقال براً من صنعاء إلى عدن أو سيئون من أجل الحصول على رحلات جوية خارجية والعكس.
وفي أعقاب الضربات، دعت منظمة "المجلس النرويجي للاجئين" إلى إعادة فتح المطار. وقالت، في بيان، "لن تمثّل الهجمات على مطار صنعاء تغييراً كبيراً بالنسبة لملايين اليمنيين الفقراء، الذين ما زالوا معزولين عن بقية العالم. يموت الآلاف من دون التعرف على هوياتهم بينما هم ينتظرون الرحلات الطبية المُنقذة للحياة التي وعدوا بها منذ سنوات".
وتابعت: "لكن ما حصل يجب أن يساعد العالم على الاستفاقة على الجنون الذي يعاقب ملايين المدنيين، ممن لا علاقة لهم بهذا الصراع". ودعت "الأطراف المتنازعة للعمل مع المبعوث الأممي (هانس غروندبرغ) لإعادة فتح وتشغيل آمن ومضمون لمطار صنعاء للرحلات الإنسانية والتجارية".
وخلافاً للطواقم الإنسانية، ظل مطار صنعاء طيلة السنوات الخمس الماضية مقصوراً على الرحلات الخاصة بالوفود التفاوضية الحوثية في مشاورات السلام، أو لجان الأسرى، فضلاً عن رحلات متقطعة لمبعوثي الأمم المتحدة الذين يزورون صنعاء للقاء قيادات "أنصار الله".
لا زيارة لغروندبرغ إلى صنعاء
وحتى الآن، بعد مرور 3 أشهر ونصف الشهر على تعيينه، لم يقم غروندبرغ بأي زيارة إلى صنعاء، إذ ترفض جماعة الحوثيين استقباله، من أجل فرض شروطها الخاصة برفع الحظر عن المطار وميناء الحديدة قبل الخوض في أي نقاشات لوقف إطلاق النار.
ومن المؤكد أن الجماعة تسعى للمراوغة، حتى يتسنى لها الانقضاض على ما تبقى من رقعة جغرافية في محافظة مأرب، إذ تستميت من أجل السيطرة على نقطة الفلج، والتي تعد بوابة مدينة مأرب، عاصمة المحافظة التي تحمل ذات الاسم.
تعتمد المنظمات الدولية على مطار صنعاء في نقل طواقم مكاتبها
وفيما تبدو الكلفة محدودة في ما يخص العمليات الإنسانية، من المرجح أن تكون العواقب العسكرية لعملية استهداف مطار صنعاء أشد وطأة على الملفين العسكري والسياسي.
ومن المتوقع لجوء الحوثيين لتنفيذ هجمات واسعة في العمق السعودي، من أجل دحض مزاعم التحالف بأن الطائرات المفخخة كانت تنطلق من مطار صنعاء.
ويرتبط مطار صنعاء بقاعدة الديلمي الجوية، التي كانت أول هدف لمقاتلات التحالف في 26 مارس/ آذار 2015، وظلت عُرضة لضربات متتالية. لكن القاعدة العسكرية شديدة التحصين ظلت مصدر تهديد للتحالف، الذي كان دائماً ما يعلن رصد أنشطة عدائية تتم من تلك القاعدة ويسارع باستهدافها.
حظر جوي منذ نحو 5 سنوات
ويفرض التحالف حظراً جوياً على الرحلات التجارية من وإلى مطار صنعاء منذ نحو 5 سنوات، وتقتصر الملاحة الجوية على الرحلات الأممية أو التابعة لمنظمات إنسانية ووكالات إغاثة دولية، التي توقفت هي الأخرى منذ مطلع الأسبوع الحالي، وفقاً لمصادر ملاحية وأممية.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد" إن السلطات التابعة للحوثيين أبلغت المنظمات بإيقاف الرحلات منذ السبت الماضي، جراء ما قالت إنه خلل فني أصاب الأجهزة الملاحية. ولم يكن الخلل الناتج في الأجهزة الملاحية ناتجاً عن غارات جوية سابقة، وفقاً للمصادر، كما لا يُعرف على وجه التحديد طبيعة الخلل، وما إذا كان له انعكاسات مباشرة على سلامة هبوط وإقلاع الطائرات الأممية أم لا.
ومنتصف الشهر الماضي، كان التحالف قد كشف السرية عن مقاطع مصورة تُظهر اختبار الحوثيين بطاريات صواريخ دفاعية، أثناء إقلاع وهبوط طائرات تابعة للأمم المتحدة.
لكن السلطات الحوثية نفت ذلك في وقت لاحق، وقالت إن عملية الاختبار كانت في المطار العسكري المحاذي للمطار المدني، وإن مرور الطائرة الأممية كان مصادفة.
وكانت جماعة الحوثيين حريصة على تشغيل الأجهزة الملاحية قبل السماح للطائرات الأممية باستئناف الرحلات، وذلك من خلال قيامها بشراء قطع غيار خاصة، قام التحالف بحجزها. وطالب القيادي في "أنصار الله"، حسين العزي، مساء الإثنين الماضي، الأمم المتحدة، بإدانة حجز تلك القطع، والعمل على تيسير دخولها باعتبارها ضرورية لضمان السلامة العامة أثناء هبوط وإقلاع الطائرات الأممية.