كيف تستغل إسرائيل قوانين عثمانية لسرقة أراضي الضفة الغربية؟

18 اغسطس 2024
اعتدى جنود الاحتلال على أهالي بلدة قصرة بسبب مصادرة الأراضي، 29 مارس 2023 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **أكبر عملية مصادرة للأراضي منذ ثلاثة عقود**: استولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على حوالي 24 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، بهدف توسيع المستوطنات وشرعنة البؤر الاستيطانية، مما يقطع التواصل بين القرى الفلسطينية.

- **جهود إثبات الملكية ومعركة صعبة أمام محاكم الاحتلال**: بدأت القرى الفلسطينية المتضررة جمع المستندات لتقديم اعتراضات، لكن الأمل ضعيف في النجاح أمام محاكم الاحتلال التي تستغل قوانين قديمة لتبرير المصادرات.

- **آلية تحويل الأراضي إلى "أراضي دولة" وتفسيرات مشوهة للقوانين**: تعتمد سلطات الاحتلال على قوانين عثمانية وبريطانية قديمة، متجاهلة تسجيل الأراضي خلال الإدارة الأردنية، مما يسهل تحويل الأراضي إلى "أراضي دولة" لتعزيز الاستيطان.

في أكبر عملية مصادرة للأراضي منذ ثلاثة عقود، أقدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي على تحويل حوالي 24 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية إلى ما تسميه "أراضي دولة"، بحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان. وتأتي هذه الخطوة جزءاً من ست عمليات استهدفت تحقيق أهداف إسرائيلية متنوعة، بما في ذلك ربط المستوطنات القائمة، وتوسيع حدودها، وشرعنة البؤر الاستيطانية.

آخر هذه العمليات جرت منتصف الشهر الماضي، حيث جرى الاستيلاء على 441 دونماً من أراضي ثلاث قرى فلسطينية غرب رام الله. وأعلن عن هذه الأراضي "أراضي دولة" من قبل الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال، مما سيساهم في توسيع مساحة مستوطنتي نيلي ونعالي، وقطع أي تواصل محتمل بين القرى الفلسطينية الثلاث دير قديس، دير عمار، وشبتين.

جهود إثبات الملكية: معركة صعبة أمام محاكم الاحتلال

وبعد صدور قرار الاحتلال بمصادرة الأراضي، بدأت المجالس القروية واللجان الشعبية في القرى الفلسطينية المتضررة جمع المستندات وأوراق الملكية من الأهالي لتقديم اعتراضات رسمية على الاستيلاء على أراضيهم. ولكن الأمل في تحقيق نجاح أمام مؤسسات ومحاكم الاحتلال، كما يقول الناشط ضد الاستيطان، فارس ناصر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، ضعيف للغاية، خاصة في ظل استغلال الاحتلال قوانين قديمة، مثل القانون العثماني لتبرير تلك المصادرات.

تتوزع الأراضي المصادرة، التي تبلغ مساحتها 441 دونماً، على 10 قطع مختلفة، وفقاً لدائرة النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية. وهذه الأراضي تضاف إلى 282 دونماً أخرى جرت مصادرتها في عام 2021، وتحيط بالمستوطنتين.

أمير داود، مدير دائرة النشر والتوثيق، أشار في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن تحليل مواقع هذه المساحات مجتمعة يظهر أن الهدف منها هو إحداث تواصل جغرافي بين المستوطنتين، وتوسيع نفوذهما. ولم يتبق سوى خطوة واحدة لتنفيذ هذا الهدف، وهي منح إذن التخطيط للبناء في هذه الأراضي، مما سيضاعف من المساحة الحالية للمستوطنتين بنسبة كبيرة.

عزل القرى الفلسطينية بسرقة أراضي الضفة

وتؤدي عملية مصادرة الأراضي الأخيرة إلى تعميق عزل القرى الفلسطينية عن بعضها البعض ومنع أي تواصل محتمل بينها. ويشير الناشط ضد الاستيطان فارس ناصر إلى أن إقامة مستوطنة "نيلي" في عام 1981 ومستوطنة "نعالي" في عام 1988 قد ساهمت في فصل القرى الثلاثة المحيطة بها، مما أجبر السكان على سلوك طرق التفافية للتواصل فيما بينهم. والمصادرات الأخيرة لن تؤدي فقط إلى منع التواصل المباشر بين القرى، بل ستحرم السكان أيضاً من الوصول إلى أراضيهم الزراعية.

لكن الهدف من هذه المصادرات يتجاوز مجرد ربط المستوطنتين، كما يوضح عايد مرار، المستشار القانوني لدى هيئة مقاومة الجدار والاستيطان. يرى مرار أن ربط مستوطنات غرب رام الله ببعضها، بما في ذلك "نيلي" و"نعالي"، سيؤدي إلى إنشاء حاجز استيطاني يعزل القرى الفلسطينية بشكل كامل، مما يعزز سيطرة الاحتلال على المنطقة، ويساهم في توسيع الخاصرة الضيقة لدولة الاحتلال بين ساحل البحر المتوسط والضفة الغربية.

ويتراوح عرض هذا الشريط الضيق بين 20 إلى 24 كيلومتراً في بعض المناطق، وقد يقل عن 15 كيلومتراً في مناطق أخرى مثل قلقيلية شمال الضفة. وإنشاء الحاجز الاستيطاني سيوسع هذا الشريط بمقدار يتراوح بين 8 إلى 10 كيلومترات، مما سيحول تسع قرى فلسطينية إلى معازل محاصرة بالكامل.

آلية تحويل الأراضي إلى أراضي دولة

تعتمد سلطات الاحتلال في تحويل ملكية الأراضي إلى "أراضي دولة" على سلسلة من القوانين التي تعود إلى العهد العثماني والانتداب البريطاني. تشمل هذه القوانين تلك التي تتعلق بالأراضي "المتروكة" أو "المشاع". يقول مرار إن الاحتلال لا يعترف بتسجيل الأراضي الذي جرى خلال فترة الإدارة الأردنية للضفة الغربية قبل احتلال عام 1967، ويعتبر أن تلك الأراضي غير مسجلة، مما يتيح له استخدام القانون العثماني لصالح الاستيطان.

ويضيف المتحدث ذاته أن الاحتلال يستطيع وضع يده على الأراضي الفلسطينية لأغراض عسكرية، لكنه لا يستطيع تحويلها لأغراض مدنية، مما يجعل صفة الغرض العسكري مؤقتة. وفقاً لقرار محكمة الاحتلال العليا في عام 1979، فإن الاستيلاء على أراضٍ فلسطينية بملكية خاصة من أجل إقامة مستوطنات مدنية محظور، لذا يعتبر الاحتلال آلية "أراضي الدولة" الأنسب لتحويل الأراضي لصالح الاستيطان.

تفسيرات مشوّهة وتطبيقات انتقائية

يعود القانون العثماني إلى عام 1858، وكان يهدف في الأصل إلى نقل الأراضي غير المزروعة إلى فلاحين آخرين لزراعتها، إلا أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستغل هذا القانون بطرق تحريفية لخدمة مشاريع الاستيطان. يقول عايد مرار، المستشار القانوني لدى هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، إن "أي قانون جديد يُفترض أن يلغي ما قبله، وفي هذه الحالة، فإن قانون الأراضي الأردني لعام 1964، الذي طُبّق في الضفة الغربية، ألغى فعلياً سريان القانون العثماني. لكن الاحتلال يتجاهل هذا الواقع ويستغل أي قانون يخدم مصالحه، بغض النظر عن قدمه".

ويشير تقرير لمنظمة "بيتسيلم" الإسرائيلية إلى أن الاحتلال يقدم تفسيرات مشوهة لنصوص القانون العثماني، مثل المادة 78 التي تتيح للفلاح الذي استصلح أرضاً لمدة عشرة أعوام متتالية دون اعتراض الدولة حق امتلاكها. لكن الاحتلال يفرض شرطاً تعسفياً يتمثل في ضرورة استصلاح أكثر من 50% من الأرض، وإلا تُعلن جميعها "أراضي دولة".

وفي فترة الانتداب البريطاني، قررت المحكمة البريطانية العليا أن الفلاح الذي استصلح أرض "ميري" لمدة عشرة أعوام أو أكثر، ثم توقف عن استصلاحها، لا يفقد حقوقه المكتسبة على الأرض. هذا الحكم استمر تطبيقه في الحقبة الأردنية، لكن الاحتلال الإسرائيلي اعتمد تفسيراً معاكساً، حيث يعد أن الفلسطيني الذي استصلح أرضاً لعشرة أعوام، ثم توقف عنها دون تسجيلها باسمه يفقد حقه في الأرض، وتتحول إلى ملكية حكومية وتُعلن أرض دولة.

إضافة إلى ذلك، يتجاهل الاحتلال حقوق المجتمعات السكانية في أراضي الرعي، حيث ينص القانون العثماني على أن سكان قرية معينة يمكنهم إثبات حقوقهم الجمعية على أرض ما بمجرد إثبات استخدامها لأغراض الرعي لسنوات طويلة. ولكن سلطات الاحتلال تتجاهل هذا النص، وتعلن العديد من الأراضي أراضي دولة، بحجة أنها غير مستخدمة للاستصلاح الزراعي، رغم استخدامها للرعي.

ولا تتوقف سياسات الاحتلال عند تفسير القوانين بطريقة تحريفية، بل تمتد إلى منع الفلسطينيين فعلياً من الوصول إلى أراضيهم. ففي حالة قرى غرب رام الله، لم يترك الفلاحون أراضيهم بإرادتهم، بل حُرموا من الوصول إليها بسبب قربها من المستوطنات. يوضح مرار أن الاحتلال، عبر إجراءات جيشه واعتداءات المستوطنين، منع الفلاحين من الوصول إلى أراضيهم لقطف ثمار الزيتون، خاصة بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما جعل من الصعب القول إن الفلسطينيين امتنعوا عن فلاحة أراضيهم، بل إنهم مُنعوا من ذلك بالقوة.

توسع نطاق أراضي الدولة

رغم أن تحويل مساحات شاسعة من الأراضي في الضفة الغربية إلى "أراضي دولة" هذا العام يعد الأضخم منذ ثلاثة عقود، فإنه لا يمثل طفرة غير مسبوقة، مقارنة بما حدث على مدار سنوات الاحتلال منذ عام 1967. قبل هذا التاريخ، لم يكن مسجلاً سوى 527 ألف دونم أراضي دولة في السجلات الرسمية، أي ما يعادل حوالي 9% من مساحة الضفة الغربية.

ولكن بعد قرار محكمة الاحتلال العليا في عام 1979، الذي حظر الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية الخاصة لغرض إقامة مستوطنات، قامت سلطات الاحتلال بتحويل أكثر من 900 ألف دونم إلى أراضي دولة، وفقاً لتقرير منظمة "بيتسيلم". هذا الإجراء سمح ببناء مزيد من المستوطنات وتوسيعها.

وبحسب تصريحات رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، مؤيد شعبان، فقد وصلت مساحة الأراضي المصنفة أراضي دولة إلى مليون و700 ألف دونم، أي ما يعادل حوالي 30% من مساحة الضفة الغربية.

يؤكد عايد مرار أن المستوطنات القائمة تحتل فعلياً مساحة تتراوح بين 250 و300 ألف دونم فقط. وهذا يعني أن المساحة الكبيرة المتبقية، التي تسيطر عليها إسرائيل، تمثل خزاناً استراتيجياً للاستيطان ومشاريع الاحتلال، وتوفر هامشاً يمكن استخدامه في أي وقت لتوسيع المستوطنات أو إقامة مشاريع جديدة.