استمع إلى الملخص
- تصاعد العمليات في الضفة الغربية يعود إلى زيادة العمليات العسكرية الإسرائيلية، الجرائم في غزة، والانتهاكات في المسجد الأقصى، والتوسع الاستيطاني.
- العمليات الإسرائيلية تؤدي إلى أضرار اقتصادية ونفسية كبيرة على سكان قلقيلية، حيث يتم فصل المدينة وعزلها عن محيطها، ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم.
تحولت مدينة قلقيلية في شمال الضفة الغربية، والمحاصرة بجدار الفصل العنصري منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى ساحة معارك في ظل تكثيف جيش الاحتلال الإسرائيلي أنشطته العسكرية والأمنية بالتزامن مع مواصلة حربه المدمرة على قطاع غزة. وقال فلسطينيون يقطنون في قلقيلية، في حوارات منفصلة مع وكالة الأناضول، إن مدينتهم باتت مسرحاً لعمليات الجيش الإسرائيلي حيث تشهد وبشكل يومي اقتحامات ترافقها أعمال تفتيش واعتقالات.
وفي آخر العمليات التي شهدتها قلقيلية مساء الاثنين الماضي، قام الشاب طارق داوود (18 عاماً) بتنفيذ عملية إطلاق نار أصاب فيها مستوطناً قرب بلدة عزون شرقي المدينة، وبحسب كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس)، استشهد داوود بعد تنفيذه العملية، وقالت في بيان إنه "ارتقى ضمن معركة طوفان الأقصى، مساء الاثنين، إثر عملية اغتيال نفّذتها قوات الغدر الصهيونية في قلقيلية، وذلك خلال انسحابه بعد تنفيذه عملية إطلاق نار أصاب فيها مغتصباً صهيونياً قرب بلدة عزون (شرق)". وبذلك ارتفع عدد الفلسطينيين من محافظة قلقيلية الذين استشهدوا في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي إلى 26، بحسب مرصد شيرين لتوثيق الشهداء (غير حكومي).
وترجع فصائل فلسطينية ومحللون تصاعد العمليات في الضفة الغربية إلى "زيادة وتيرة العمليات العسكرية الإسرائيلية هناك، بالإضافة إلى الجرائم المرتكبة في غزة، والانتهاكات في المسجد الأقصى، إلى جانب التوسع الاستيطاني"، ويقول محافظ قلقيلية (حكومي) حسام أبو حمدي إن المحافظة تشهد "تصاعداً في العمليات الإسرائيلية في حين يتواصل النشاط الأمني بالمدينة على مدار 24 ساعة يومياً، يتخلله تخريب ممتلكات، وسرقة أموال، وتدمير شبكات كهرباء واتصالات".
وإلى جانب الأضرار الاقتصادية، فإن العمليات الإسرائيلية تخلف أضراراً على المستوى النفسي لسكان المدينة المحاصرة بجدار فصل عنصري، وفق أبو حمدي الذي أضاف أنه "لا يوجد انتظام في الحياة العامة بكل تفاصيلها جراء العمليات الإسرائيلية التي تهدف لضرب وتخريب كل شيء"، وأشار إلى أن إسرائيل تنظر إلى قلقيلية الواقعة على خط التماس "على أنها بلدة غير مرغوب فيها، وسط اتهامها بأنها بؤرة إرهاب وتشكل خطراً عليهم"، موضحاً: "ما يعزز من مخاوف إسرائيل الأمنية من قلقيلية هو قربها من مدينة تل أبيب التي تبعد عنها مسافة 14 كم هوائياً فقط، ما يجعلها وكأنها في قلب إسرائيل"، وشدد أبو حمدي على أن "هناك تحريضاً كبيراً على المدينة، بالتزامن مع الدمار في غزة والأطماع الاستيطانية في الضفة، فقلقيلية مدينة منكوبة بالاستيطان، حيث شُيّد على أراضيها أرخبيل من المستوطنات".
بدوره قال محمد أبو الشيخ، الناشط في مقاومة الاستيطان في قلقيلية، إن "المدينة تعيش حالة متصاعدة في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يقتحمها بصورة يومية"، وأضاف أن قوات الاحتلال تقوم "بصورة شبه يومية بتنفيذ اقتحامات للمدنية، تداهم خلالها منازل فلسطينية وتعيث فيها فساداً وتخريباً، وتدمر مركبات وممتلكات وتعربد على السكان"، متهماً إسرائيل بتنفيذ "سياسية العقاب الجماعي بحق سكان المدينة"، ما أثر بشدة على المناحي الاقتصادية في المحافظة حيث يتم فصل المدينة وعزلها عن محيطها مع كل عملية اقتحام، ما جعل منها "سجناً كبيراً وأثر سلباً على اقتصادها وحياة السكان"، وإلى جانب الأنشطة العسكرية، فإن إسرائيل تمنع مزارعي المدينة من الوصول إلى أراضيهم الواقعة خلف جدار الفصل منذ 7 أكتوبر الماضي، الأمر الذي يكبدهم خسائر كبيرة.
قلقيلية وجدار الفصل
وتعد قلقيلية، التي يبلغ عدد سكانها 65 ألفاً ويعيشون حياة أشبه بالسجن، واحدة من أصغر محافظات الضفة والوحيدة التي لم تشهد إقامة أي مخيم للاجئين الفلسطينيين. ويحيط بهذه المدينة جدار بطول 11 كم، منها ثلاثة كيلومترات مشيدة من الأسمنت المسلح بارتفاع ثمانية أمتار ومزودة بأبراج عسكرية وكاميرات مراقبة وتسعة كيلومترات من الأسلاك الشائكة والمزودة بمجسات إلكترونية. وبدأت إسرائيل ببناء الجدار بذرائع أمنية عام 2002، وأبقى الاحتلال على مدخل واحد فقط من أصل خمسة خاضعاً لتحكم الجيش الإسرائيلي. وفي عام 2004، اتخذت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة قراراً استشارياً يقضي بإدانة هذا الجدار وتجريمه.
من جهته، قال الخبير العسكري الفلسطيني واصف عريقات إن "العمليات الفلسطينية (المسلحة) التي تُنفَّذ ضد إسرائيليين هي في الغالب فردية"، وأضاف في حديث للأناضول: "إسرائيل تعيش حالة من الهستيريا بفعل فشلها في اكتشاف والتنبؤ بهذه العمليات الفردية، ما يدفعها لتنفيذ عمليات عسكرية بالضفة بدعوى أنها استباقية لقتل أو اعتقال مقاومين متوقع تنفيذهم لعمليات"، ورغم العمليات العسكرية، فإن حالة المقاومة في الضفة، وخاصة في الجزء الشمالي منها، متواصلة ولم تتوقف.
وأكد عريقات أن "هناك حقداً إسرائيلياً دفيناً تجاه كل ما هو فلسطيني، لذلك تقتحم المدن الفلسطينية، وخاصة في شمال الضفة، بعمليات يتخللها تدمير وقتل"، مرجعاً استخدام الاحتلال أسلحة متنوعة في عمليات يتخللها قتل فلسطينيين مثل سلاح الجو والآليات المدرعة إلى "حالة التحريض والتعبئة ضد كل ما هو فلسطيني من وزراء ورأس الهرم في الحكومة الإسرائيلية"، مشيراً إلى أن "ما يرتكبه الجيش بالضفة هو أشبه بما قامت به العصابات الصهيونية عام 1948، ولكن بصورة مغايرة أدخلت عليها أسلحة جديدة ومتطورة".
ويرى عريقات أن الهدف الإسرائيلي من وراء ذلك يكمن في "كسر إرادة الشعب"، خاصة في ظل حالة التدمير العامة للشوارع والبنى التحتية التي أثبتت أن "المستهدف من ذلك ليس فقط المقاوم إنما الحاضنة الشعبية له"، ومن خلال تصعيد هذه العمليات، يسعى الاحتلال الإسرائيلي لـ"إحداث تغيير ديمغرافي وجغرافي في المنطقة". وقال مراقبون إن وتيرة العمليات الفردية في الضفة ضد إسرائيليين زادت خلال العامين الماضيين رداً على الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين وأرضهم.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تشن قوات الاحتلال الإسرائيلي حملة اقتحامات مكثفة في شتى قرى ومدن ومخيمات الضفة الغربية المحتلة مترافقة بعمليات تدمير ممنهجة للبنية التحتية والطرقات، إضافة إلى اعتداءات المستوطنين المتطرفين اليومية على الفلسطينيين وممتلكاتهم بحماية قوات الاحتلال، وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، بلغ عدد الشهداء في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر الماضي 632 شهيداً بينهم 147 طفلاً وتسع نساء وسبعة مسنين، بالإضافة لاعتقال أكثر من 10 آلاف مواطن فلسطيني من الضفة بما فيها القدس.
(الأناضول، العربي الجديد)