كورونا مصر: تجاهُل الضغط سياسة شبه رسمية

08 نوفمبر 2021
تركز الدولة على تطعيم الموظفين (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

تحت وطأة رغبة حكومية مصرية حثيثة في المضي قدماً بجميع الأنشطة الاقتصادية من دون توقف، أصيب القطاع الصحي في مصر هذه الأيام بأزمة كبيرة تضعه تحت ضغط كبير يهدد بانهياره. وتُعيد هذه التطورات إلى الأذهان الأزمة التي عاشتها المستشفيات الحكومية في الشتاء الماضي، بسبب الزيادة الهائلة وغير المعلنة في إصابات فيروس كورونا، إلى حد عجزت فيه وزارة الصحة عن المناورة لتحسين ظروف العلاج واستيعاب أعداد أكبر من المواطنين في المستشفيات الحكومية، في ظل تعليمات صارمة لوسائل الإعلام الموالية للنظام بعدم تناول هذه المستجدات الخطيرة، وكذلك لإدارات المنظومة الصحية بعدم الإعلان عنها أو الشكاية منها حتى ولو تحت قبة البرلمان.
وكشفت مصادر في ديوان وزارة الصحة لـ"العربي الجديد" أن أقسام الرعاية الفائقة في جميع المستشفيات الحكومية على مستوى الجمهورية ممتلئة عن آخرها بالمرضى، وبنسبة تفوق مائة في المائة. واضطرت بعض المستشفيات في محافظات الدلتا والصعيد إلى زيادة عدد الأسرة في تلك الأقسام للحاجة الشديدة إليها، في ظل اكتظاظ أقسام الاستقبال أيضاً على مدار اليوم، فضلاً عن عدم وجود أماكن شاغرة في المستشفيات التخصصية للصدر والحميات المخصصة للعزل.


أقسام الرعاية الفائقة في جميع المستشفيات الحكومية ممتلئة عن آخرها بالمرضى

وأضافت المصادر أن قطاع الطب الوقائي والإدارات الصحية المختلفة أجرت اتفاقات مع المستشفيات الجامعية وبعض المستشفيات العسكرية والشرطية لتحويل عدد كبير من المصابين إليها في حالة الحاجة إليها، إلا أن الواقع العملي على الأرض يجعل من الصعب دمج الخدمة بين مختلف القطاعات، بسبب اختلاف طبيعة الخدمة والإدارة والتكاليف المالية المتزايدة في المستشفيات العسكرية والشرطية للمواطنين العاديين.

فضلاً عن ذلك، أوضحت المصادر أن المستشفيات الخاصة التي كان قد تم التوصل إلى اتفاقات سابقة معها على تحديد سقف للتكاليف المالية المطلوبة من المواطنين لضمان مساهمتها بفاعلية في استيعاب المصابين، قد تراجع العدد الأكبر منها عنها. واستغلت هذه المستشفيات ثغرات قانونية تمكنها من زيادة التكاليف العامة برفع أسعار أتعاب بعض الخدمات، واتصالات بعضها التابع لشركات كبرى لتقديم خدمات الرعاية الصحية بشخصيات سياسية وتنفيذية رفيعة المستوى.

وأوضحت المصادر أن ما يزيد الطين بلة في الوقت الحالي هو الوضع الاستثنائي الهش في ديوان عام وزارة الصحة، في غياب الوزيرة هالة زايد لحين انتهاء التحقيقات في قضية الفساد التي اكتشفت منذ أسبوعين. بالتالي، فإن وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار، الذي يقود وزارة الصحة حالياً، يهتم في المقام الأول بإنجاز بعض الملفات المتعلقة بتعاون الوزارتين، مثل تنسيق بروتوكول موحد لعلاج كورونا، إلى جانب متابعة مستجدات ملف اللقاحات التي تركز عليه الدولة بشدة، لتطعيم أكبر قدر من الموظفين الحكوميين قبل منتصف الشهر الحالي. بالتالي فإن الوضع الوبائي وقدرة المنظومة الصحية على استيعاب هذه الزيادة الكبيرة، ليست ضمن أولوياته المتقدمة.

وذكرت المصادر أنه على الرغم من عدم تسجيل قصور كبير في المعدات ووسائل دعم الرعاية الفائقة من أوكسجين وأدوية ومستلزمات خلال الأزمة الحالية، إلا أن الزيادة الكبيرة في عدد الإصابات ووصولها المتأخر إلى المستشفيات، يزيدان من احتمالات تفاقم هذا القصور. مع العلم أنه يتمّ علاج الإصابات حالياً داخل كل إدارة صحية، ولم يصل الأمر حتى الآن إلى درجة نقل الاحتياجات من العاصمة إلى الإدارات.

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وعزت المصادر ذلك إلى طول فترة الهدوء النسبي وانخفاض أعداد الإصابات المسجلة والمحالة إلى المستشفيات خلال الصيف الماضي، وعمل الوزارة خلال تلك الفترة على توزيع وتخزين المستلزمات بصورة اعتيادية استمراراً لما كان عليه الأمر في ذروة الموجة الثالثة من الوباء في يونيو/ حزيران الماضي، مما رفع احتياطي تلك الوسائل والأدوات.

واعتبرت المصادر أن الوضع الحالي يعود إلى ضعف استجابة الحكومة منذ أغسطس/ آب الماضي للتحذيرات العلمية والمطالبات بأخذ الحذر من سرعة انتشار متحور دلتا الجديد، في ظل عدم وجود أي وسيلة للتعرف إلى مدى انتشاره، نظراً لعدم التوسع في استيراد وسائل التعرف إلى هذا المتحور والتمييز بينه وبين السلالات السابقة من الفيروس. ولا تملك المعامل المركزية في وزارة الصحة وحدها وسيلة للتعرف إلى هذا المتحور، ولا توجد هذه الوسائل لدى أي من المعامل الخاصة العاملة في نفس المجال، مما يعني أن المصابين بهذا المتحور لن يتم تشخيصهم بالإصابة من الأساس، أو سيتم تشخيصهم كمصابي كورونا فقط.

وأوضحت المصادر أن الحكومة لم تلبّ طلب المستشفيات الحكومية توفير الاعتمادات المالية لاستيراد الإمكانات اللازمة لتعميم الفحوصات لاستكشاف معدلات انتشار المتحور دلتا، وذلك على الرغم من تقديم تقارير طبية وعلمية لرئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء منذ شهرين ونصف الشهر، تؤكد ملاحظة إدارة الترصد بالصحة والمستشفيات المختلفة وجود اختلافات في نسب وسرعة انتشار الفيروس بين الأقارب والمقيمين في مكان واحد، بصورة أكبر منها في السابق. ولوحظت زيادة نسب الإصابة بين الأطفال، ونسبة الوفيات بين هذه الحالات تحديداً، على الرغم من أن الأعراض المرضية لا تكون بادية بالحدة المعهودة للحالات الخطيرة المصابة بسلالات كورونا سابقاً. وهو ما دفع معدّو التقارير إلى ترجيح انتشار متحور دلتا في خمس محافظات على الأقل آنذاك، وهي القاهرة والجيزة والإسكندرية وبورسعيد ودمياط.


الحكومة لم تلبّ طلب المستشفيات الحكومية توفير الاعتمادات المالية لمواجهة كورونا

وحول انتشار هذا المتحور، رأت المصادر أنه بات على مستوى يصعب قياسه، خصوصاً في محافظات الصعيد، وأن الدلائل على ذلك تنحصر في الأعراض العيادية المختلفة عن أعراض الإصابات العادية بالفيروس، خصوصاً في ظل التراخي الحكومي غير المسبوق في متابعة التجمعات وتطبيق الإجراءات العقابية لحمل المواطنين على ارتداء الكمامات، لا سيما في المحافظات، واستمرار الدراسة من دون استيفاء الحد الأدنى من التدابير على مستوى مدارس المدن والقرى المختلفة.

وقللت المصادر من أهمية ودلالة الأرقام الرسمية التي تعلنها الوزارة للمصابين بالفيروس، والتي وصلت إلى 909 حالات، أول من أمس السبت، ليصل إجمالي عدد من أصيبوا منذ بدء تفشي الوباء إلى 336582 شخصاً، في حين وصلت الوفيات المسجّلة رسمياً بالفيروس إلى 62 شخصاً في يوم واحد ليصبح الإجمالي 19011 حالة وفاة، أي بنسبة 5.65 في المائة، وهي نسبة كبيرة تجد سندها المنطقي في تأخر وصول الحالات الخطيرة إلى المستشفيات ودخولها الرعاية الفائقة، وضعف استيعاب الحالات في المنظومة الطبية بشكل عام.

وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد أعلن إعادة فتح المنشآت التجارية، بما في ذلك المحال والمقاهي والمولات، في مواعيدها العادية خلال فصل الصيف، دون قيود، ابتداء من الأول من يونيو/ حزيران الماضي. كذلك تقرر استمرار حظر جميع الفعاليات الجماعية داخل المنشآت، مع منع إقامة حفلات أعياد المولد وخيام العزاء والأفراح، وإعادة فتح الحدائق والمتنزهات والشواطئ العامة.