كواليس تقسيم مهام "اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير": ما علاقته بخلافة محمود عباس؟

01 يوليو 2022
عباس في قبرص، يونيو الماضي (دانيل شامكين/Getty)
+ الخط -

حسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مطلع الأسبوع الحالي، قراره رسميًا بتولي عضو اللجنتين المركزية لحركة "فتح" والتنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ منصب أمانة سر المنظمة، في تناقض مع قانون منظمة التحرير، الذي درج أن يكون توزيع المهام فيها إما عبر التصويت أو التوافق.

ولم يأت هذا القرار وفق أي منهما، والغريب أنه لم يحظَ بأي معارضة تُذكر من أعضاء اللجنتين المركزية لحركة "فتح" والتنفيذية للمنظمة الذين قرروا التزام الصمت وعدم التعليق.

ويُعدّ تولي الشيخ رسمياً أمانة سر منظمة التحرير ودائرة شؤون المفاوضات خلفاً للراحل صائب عريقات محطة فاصلة، إذ يُنظر لهذا المنصب بأهمية بالغة على أنه المنصب الثاني بعد رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.

وما يضاعف أهميته هو توليه من قبل عضو لجنة مركزية "فتح"، في وقت يحتدم فيها النقاش حول خليفة عباس، وإن كانت هذه الخطوة استباقية لتعبيد الطريق للشيخ نحو الرئاسة.


تقسيم المهام لم يوضع على الطاولة، ولم يحدث نقاش حوله

وحسب المعلومات التي حصلت عليها "العربي الجديد"، فقد اجتمعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مساء الخميس 23 يونيو/ حزيران الماضي، وخرجت ببيان روتيني لا جديد فيه.

وغاب عن الاجتماع كل من أحمد مجدلاني الذي كان مسافراً، وصالح رأفت المصاب بفيروس كورونا، إضافة إلى أحمد أبو هولي الموجود في قطاع غزة بحكم مكان سكنه.

وصباح السبت 25 يونيو، نشر مدير دائرة التعبئة والتنظيم في "فتح" منير الجاغوب على صفحته على "فيسبوك" تقسيم المهام في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وأرسلها للصحافيين عبر مجموعات في تطبيق "واتساب".

وبعد نحو خمس ساعات نشرت وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية "وفا" ذات المنشور، لكن على شكل خبر، ليصبح رسمياً بما يكفي ليتعامل معه الجميع على أنه قرار رسمي وأمر واقع.

وحاولت مراسلة "العربي الجديد" خلال الأيام الماضية، التواصل عبر الاتصال وإرسال الرسائل لعشرة من أعضاء اللجنة التنفيذية البالغ عددهم 15 عضواً، لكن ثلاثة فقط تحدثوا بأسمائهم، وثلاثة اشترطوا عدم ذكر أسمائهم، فيما لم يرد الباقون.

"أمانة السر"... القرار عبر "واتساب"

وأجمع جميع من تحدث معهم "العربي الجديد"، على أن تقسيم المهام لم يوضع على الطاولة، ولم يحدث نقاش حوله. وقال بعضهم إن ما حصل هو وصول المقترح من مكتب أمانة سر المنظمة عبر مجموعة "واتساب" لأعضاء اللجنة التنفيذية.

وأكد البعض الآخر أن ورقة المقترح تم توزيعها على مكاتب أعضاء التنفيذية قبل يوم من الاجتماع. وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد بيوض التميمي لـ"العربي الجديد": "تم توزيع المقترح قبل يوم على شكل ورقة على مكاتبنا، وفي الاجتماع وُضعت الورقة على الطاولة، ولم تطرح الورقة للتصويت أو التوافق، ولم تُعرض للنقاش وتمت الأمور بسلاسة".

وتابع التميمي: "لم يتم الحديث عن المقترح في الاجتماع، الكل وُزعت عليه الورقة وقرأها، ولو كان عند أحد أي تحفّظ لفعل ذلك، لكن لم يعترض أو يتحفظ أحد".

ورداً على سؤال عما إذا كان من المعتاد أن يكون تقسيم المهام في المنظمة بالتوافق أو بالتصويت، قال التميمي: "لا بالتوافق ولا بالتصويت، أصبح حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية، وفيصل عرنكي رئيس دائرة المغتربين، ومحمد مصطفى رئيس الدائرة الاقتصادية"، في إشارة للدوائر الجديدة التي تم توزيعها مع بقاء دوائر سابقة مع أعضاء سابقين.

أما عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير فيصل عرنكي، فقال لـ"العربي الجديد": "لم يتم النقاش، والدوائر متفق عليها منذ البداية، ولم يتم الاعتراض على أي دائرة". وعما إذا كان تم نقاش المهام على طاولة الاجتماع؟ أجاب عرنكي: "لا تعليق".

المعارضة الوحيدة من حزب الشعب

لكن حزب الشعب الفلسطيني أكد لـ"العربي الجديد" أن أمينه العام، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بسام الصالحي اعترض على توزيع الدوائر والتي جزء كبير منها موزع فعلاً، وتحفّظ على توزيع بقية الدوائر، وطالب بتأجيل النقاش في هذا الموضوع.

وأجاب مكتب الصالحي على لسان المتحدث باسم الحزب فهمي شاهين قائلاً: "اجتماع اللجنة التنفيذية الأخير كُرّس بالكامل وفقط للوضع السياسي".

وأكد شاهين لـ"العربي الجديد"، "أنه لم يتم بحث موضوع توزيع المهام والدوائر داخل التنفيذية، بل فقط كان هناك مقترح بهذا الشأن، ولكن اللجنة التنفيذية لم تبحثه في الاجتماع المذكور، والحزب طلب أصلاً تأجيل بحثه".

ولفت إلى أن "آلية اعتماد ذلك يحكمها النظام الداخلي لمنظمة التحرير"، مشدداً "على ضرورة أن تأخذ اللجنة التنفيذية الدور الذي تتطلبه هذه المرحلة، وتكرس جهودها في ثلاثة أمور؛ الإطار الوطني والنضال ضد الاحتلال، وإنهاء الانقسام وتعزيز العلاقات الوطنية المختلفة، وتعزيز صمود الناس على الأرض".

من جهته، كشف أحد أعضاء اللجنة التنفيذية، الذي اشترط عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد" أنه "عندما سألنا من أين أتى المقترح الذي وصل إلينا من دائرة أمانة السر على الواتساب؟ كانت الإجابة أن هذا مقترح من الرئيس". وتابع أن "من حق الرئيس أن يقدم أي اقتراح، لكن إقرار المقترح يجب أن يكون بقرار داخل الاجتماع، وهذا الذي لم يحدث".

عباس قلب نظام الحكم بهدوء

ورأى مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله، أستاذ العلوم السياسية خليل الشقاقي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ما يبدو كترتيب للخلافة مثل تعيين حسين الشيخ في أمانة السر ودائرة شؤون المفاوضات، "هو في الحقيقية يتعلق بحاجة الرئيس إلى وجود مستشارين موالين له بالكامل كما كان الراحل صائب عريقات".

وتابع الشقاقي أن "الرئيس عباس يقلب نظام الحكم ببساطة وبهدوء من خلال قرارات تأتي من منظمة التحرير من خلال المجلس المركزي وبقرارات يتخذها هو شخصياً، هذه القرارات تغيّر النظام السياسي الفلسطيني بالكامل في الوقت الحاضر، من نظام انتخابات ومحاسبة وأنظمة فيها أوقات معينة ومؤسسات فاعلة على الورق، إلى نظام لا يوجد فيه حتى على الورق ما يخلق انتخابات أو مساءلة، ما يجري في الوقت الحالي هو مراعاة لما يريده الرئيس".


الشقاقي: عباس يقلب نظام الحكم ببساطة وبهدوء

ولفت الشقاقي إلى أن "ما يحدث حالياً هو أن الرئيس عباس يدفن مؤسسات السلطة ويحيي مؤسسات لا يوجد لها ولا شرعية انتخابية، من خلال إحياء مؤسسات المنظمة والمجلس المركزي الذي لا توجد فيه مساءلة أو قوانين أو أنظمة حقيقية، وكل ما فيه هو حكم الفرد، ما يسهّل على عباس البقاء في ظل أنظمة المنظمة حتى وفاته، وهو أمر أسهل من بقائه في ظل السلطة الفلسطينية".

في الواقع، يتم التخلص من السلطة بشكل تدريجي، عبر خطوات بدأت بحل المجلس التشريعي ثم نقل صلاحياته إلى المجلس الوطني، وإلغاء المجلس الوطني وتفويض أعماله للمجلس المركزي، ثم تهميش اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واعتبار اجتماعاتها للمشاورات فقط، والرئيس يقرر ما يريد، وإن كان هناك لقاءات تكون شكلية فقط، وفق الشقاقي.

وأضاف: "هذا هو الأخطر في ما يقوم به الرئيس حالياً، نتيجة المعضلة التي وجد نفسه فيها لأنه لا يريد إجراء انتخابات، وبذات الوقت معني بالبقاء في منصبه، ما يعني أن كل ما يقوم به حالياً هو لتسهيل بقائه في منصبه، وليس لترتيب أمور الخلافة".

ترتيبات بطلب إسرائيلي؟

وفي تعليقه حول تقسيم المهام في منظمة التحرير، قال رئيس الملتقى الديمقراطي الوطني ناصر القدوة، لـ"العربي الجديد" إن "هذه الترتيبات ليس لها تأثير، ولن يكتب لها الاستمرار، وفي اللحظة التي يختفي فيها محمود عباس عن المشهد السياسي، أعتقد أن الطريق يصبح واضحاً؛ إما التزام بالقانون، وإما توافق وطني، وكلاهما يجب أن يقود إلى انتخابات، وغير ذلك لا يوجد أي خيار".

وتابع القدوة: "هناك طرف أو أطراف خارجية تحاول أن تفرض وضعاً معيناً، لكن هذا كله غير مستقر، وليس مستمراً، وسيسبب المشاكل". وحول ما يقصده بطرف خارجي، اعتبر أن هناك "احتمالا كبيرا أن هذه الترتيبات تكون بمطلب إسرائيلي؛ سواء مباشر أو غير مباشر، لأن إسرائيل هي من تدير المنطقة".


لم يتم نقاش موضوع أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في اجتماع 25 يونيو

ولعل اللافت أيضاً أن العادة جرت أن يكون اجتماع اللجنة المركزية لحركة "فتح" قبل اجتماع "تنفيذية المنظمة"، إذ يتم التوافق على أي قرار داخل "فتح" وبعدها يتم الإعلان عنه لأعضاء "تنفيذية المنظمة" أو في اجتماع القيادة الموسع، لكن ما جرى هذه المرة هو العكس تماماً، ما يُفهم على أنه تهميش لـ"مركزية فتح".

وحسب المعلومات التي وصلت إلى "العربي الجديد"، لم يتم نقاش موضوع أمانة سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في اجتماع اللجنة المركزية لـ"فتح" الذي عقد يوم 25 يونيو.

وأشارت مصادر لـ"العربي الجديد" إلى أن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد المدني طلب من عباس إعفاءه من مهامه في مفوضية التعبئة والتنظيم، وهي المفوضية التي تم تحميلها مسؤولية هزيمة الذراع الطلابية لـ"فتح" في انتخابات جامعة بيرزيت في شهر مايو/أيار الماضي، إضافة لإعفائه من مسؤولية لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي. لكن عباس رفض ذلك قائلاً: "أنا أثق بك، وستبقى على رأس مهامك".

وليس من الواضح بعد ما هو مصير استقالة عضو اللجنة المركزية توفيق الطيراوي من مهمته من مفوضية "النقابات والمنظمات الشعبية" وما يتردد حول "خلاف الطيراوي مع رئيس الحكومة وعضو مركزية فتح محمد اشتية حول ميزانية المنظمات والنقابات من جهة، وحول تدخّل أعضاء آخرين في اللجنة المركزية بانتخابات النقابات التي خسرتها فتح، مثل نقابة المهندسين والأطباء بالضفة الغربية، والصيادلة في قطاع غزة التي لم تشارك فيها فتح، فضلاً عن نقابة المحامين التي لم تحقق فيها فتح اكتساحاً كما جرت العادة".

المساهمون