كواليس إنهاء عمل بعثة التحقيق بجرائم "داعش" في العراق

26 مارس 2024
ريتشر في بغداد، نوفمبر 2022 (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بعد سبع سنوات من العمل، تواجه بعثة يونيتاد للأمم المتحدة في العراق نهاية مهمتها في سبتمبر وسط توترات واتهامات بالفساد والبطء في التحقيقات، مما يؤثر على ضحايا داعش.
- تعرضت البعثة لانتقادات من مسؤولين عراقيين بسبب التأخر في التحقيقات وقلة التعاون من بعض المؤسسات الأمنية والقضائية، ما يشير إلى تحديات في العلاقة بين الأمم المتحدة والعراق.
- بينما يرحب بعض الأطراف بإنهاء عمل يونيتاد، يخشى آخرون من تراجع الجهود لمحاسبة أعضاء داعش، مع تحول في العلاقة بين الأمم المتحدة والعراق وتحديات في تحقيق العدالة.

بعد 7 سنوات على تشكيلها، وتمديد مهمتها عاماً إضافياً في سبتمبر/ أيلول الماضي، سينتهي عمل بعثة "فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش" (يونيتاد) في العراق في سبتمبر المقبل قبل استكمال التحقيقات، وذلك إثر توترات بين إدارة البعثة ومسؤوليها مع أطراف من الحكومة العراقية، من بينها جهات "قضائية"، في مقابل توجيه اتهامات للبعثة مرتبطة بالفساد المالي وإهدار الوقت بسبب البطء في التوصل لنتائج بعض التحقيقات.

ونقلت وكالة "رويترز"، الأربعاء الماضي، عن رئيس البعثة كريستيان ريتشر قوله: "هل جرى إنجاز العمل؟ ليس بعد، وهذا واضح تماماً"، مشدّداً على الحاجة "إلى مزيد من الوقت. وإذا حددنا موعداً نهائياً في سبتمبر 2024، فلن نكون قد أكملنا سير التحقيقات، ولا مشروعات أخرى، مثل عمل أرشيف مركزي لملايين الأدلة".

ومن شأن إلغاء عمل "يونيتاد"، التي شُكّلت في عام 2017، أن يؤثر بالسلب على ضحايا التنظيم الذين ينتظرون العدالة، رغم أن الحكومة العراقية لم تعر قرار الإلغاء أهمية كبيرة.

وكشفت ثلاثة مصادر مقرّبة من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لـ"العربي الجديد"، أن بعثة التحقيق بجرائم "داعش" لم تكن "مرتاحة ميدانياً منذ انطلاق أعمالها في العراق عام 2017، كما أنها شكت لأكثر من مرة قلة التعاون من قبل بعض المؤسسات الأمنية والقضائية العراقية".

ووفقاً للمصادر ذاتها، تكررت اتهامات من مسؤولين عراقيين لـ"يونيتاد" باستهلاك وقت طويل والتدخل بملفات أمنية وعسكرية، بالإضافة إلى التأخر في التوصل إلى نتائج ملموسة في تحقيقاتها، ناهيك عن إهدار المال.

انعدام الحاجة إلى بعثة التحقيق بجرائم "داعش"

وقال أحد المصادر الثلاثة إن "لجوء السلطات العراقية إلى الحكم بالإعدام على كثيرين ممن كانوا ضالعين في العمليات الإرهابية ضد المدنيين والدوائر الحكومية وارتكابهم جرائم حرب، كان مصدر قلق بالنسبة للمسؤولين في الأمم المتحدة، بسبب عدم توافر القرائن الكاملة للإدانة، وإصدار حكم الإعدام على أعداد كبيرة من المتهمين بالانتماء لداعش".

وأوضح أن "السلطات العراقية تعتقد بأنه لم يعد هناك حاجة لفريق التحقيق الأممي، والتعاون بين الجانبين (بغداد والأمم المتحدة) لم يكن بالمستوى المطلوب، كما أن يونيتاد رفضت مشاركة نتائج بعض تحقيقاتها مع الحكومة العراقية، وهذا تمرد على الاتفاقات".


مصادر مقرّبة من السوداني: يونيتاد لم تكن مرتاحة ميدانياً

بدوره، ذكر عضو في البرلمان العراقي، طلب عدم الكشف عن هويته، أن "اعتبار جميع المقابر الجماعية من صنع داعش، كان محل اعتراض كبير من قبل يونيتاد، التي ترى أن عدداً من المقابر الجماعية من مسؤولية فصائل مسلحة وقوات نظامية، أقدمت على تنفيذ إعدامات ميدانية في مناطق عدة بالعراق".

وأكد في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "التعاون في ما يتعلق بمناطق سيطرة الحشد الشعبي ضعيف جداً مع اللجنة الأممية ولم تقدم حكومة السوداني مساعدة في هذا الأمر". وذكر أن إنهاء عمل اللجنة "كان مرحباً به من قبل الإطار التنسيقي".

غير أن الرافضين لقرار العراق بإنهاء عمل بعثة التحقيق بجرائم "داعش" يخشون من تراجع الجهود الرامية لمحاسبة مزيد من أعضاء التنظيم، بعدما ساهم فريق التحقيق في الوصول إلى حقائق وأدلة مختلفة، أبرزها جرائم الإبادة بحق العراقيين الأيزيديين، وجرائم قتل جماعية في تكريت ونينوى، وكذلك جرائم تدمير الآثار.

في المقابل، فإن أطرافاً أخرى، من ضمنها سياسية ومن المنظمات المحلية العراقية، لا يعفون بعثة "يونامي" في بغداد من مسؤولية التماهي مع المسؤولين في العراق عن انتهاكات واسعة وتضييق على الحريات العامة لصالح أحزاب السلطة.

وحول ذلك، أشارت الباحثة في شؤون العراق بمنظمة العفو الدولية رازاو صاليي إلى عيوب في منظومة القضاء العراقي، مبينة في تصريحات صحافية، الأسبوع الماضي، أن "العدالة العراقية التي أدخلت الآلاف من الرجال والصبية في طابور الإعدام، بعد اعترافات انتُزعت تحت التعذيب والإكراه وأنواع أخرى من سوء المعاملة".

وشدّدت على أنه "يتعين على العراق إصلاح المنظومة القضائية وإصدار قانون بشأن الجرائم الدولية، وأن الإرادة السياسية قد تكون غائبة لدى الائتلاف الحاكم الذي يضم فصائل مسلحة".

بدوره، رأى النائب عن الطائفة الأيزيدية في البرلمان العراقي محما خليل أن من أسباب إنهاء عمل بعثة التحقيق بجرائم "داعش" قبل "إكمال تحقيقاته أو فتح شيفرات الدواعش والمتعاونين معهم، كان بسبب توتر العلاقة بين العراق والأمم المتحدة".

وأضاف في بيان أن "إنهاء عمل الفريق غير صحيح، لأنه يمتلك بنكاً متكاملاً من المعلومات، وأن تمديد عمله سيزيد غزارة المعلومات والوثائق حول جرائم داعش، وسيتيح للحكومة أن تكون هذه الوثائق والمعلومات بيدها، واستخدامها في المحاكم الدولية ضد الدول والمنظمات والأطراف التي أتت بالدواعش".


علي الحجيمي: انعدمت الثقة بين بغداد ويونيتاد

من جانبه، رأى الناشط السياسي علي الحجيمي أن أبرز أسباب إنهاء عمل بعثة التحقيق بجرائم "داعش" هو "انعدام الثقة المتبادل بين الأمم المتحدة والسلطات في بغداد، بالإضافة إلى التخوين والشيطنة لعمل البعثة في البلاد من قبل جماعات مسلحة وأحزاب دينية، رغم أن استكمال التحقيق هو مطلب ثابت من قبل الجهات والمنظمات الحقوقية".

وأكد الحجيمي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الحراك المدني العراقي كان يأمل بأن يكون دور الأمم المتحدة هو كشف الحقيقة والوقوف إلى جانب الشرائح المتضررة، لكن للأسف تحولت هذه المنظمة الأممية إلى ظهير للأطراف السياسية، مستفزة العراقيين من خلال العلاقات الوطيدة مع أطراف السلطة والسلاح".

الاستعداد لإنهاء مهمة "يونامي"

في موازاة ذلك، أبلغ فولكر بيرتس، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس فريق المراجعة الاستراتيجية لعمل "بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق" (يونامي)، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في لقاء على هامش مؤتمر ميونخ للأمن في ألمانيا في فبراير/ شباط الماضي، بالاستعداد لإنهاء عمل البعثة تدريجياً، من دون الإدلاء بتفاصيل أخرى.

غير أن المكتب الإعلامي للسوداني أصدر بياناً جاء فيه أن "التقدم الحاصل في بسط الأمن والاستقرار الداخلي، هو ما جعل بالإمكان إنهاء الدور السياسي لبعثة يونامي، وأن النشاطات والبرامج المشتركة للمنظمة الأممية يمكن أن تستمر عبر نقل نشاطها إلى المنظمات المختصة".

في السياق، أبدى القيادي في "الإطار التنسيقي" همام حمودي، في 20 فبراير الماضي، ترحيبه بتقديم طلب حكومي لإنهاء دور "يونامي" في العراق، ووصفها بـ"المبادرة الجريئة". وأضاف في بيان أن "إنهاء الدور السياسي لبعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) مبادرة جريئة ومسؤولة تقدم بها السوداني لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة خلال لقائهما في ميونخ".

واعتبر أن "المبادرة تؤكد ثقة العراقيين وقواهم الوطنية بأنفسهم وبقدرتهم على إدارة شؤون البلاد من دون تدخل طرف خارجي، ومستوى نضج تجاربهم السياسية والديمقراطية، في ظل ما تحقق من أمن واستقرار".