في عام 2010 كان الحاكم الفعلي لكازاخستان، نور سلطان نزارباييف، يلتقي بعلماء جامعة أستانة، الذين قابلوه بدعوات طول العمر، كما العادة عند أنظمة التصفيق وتمجيد "الزعيم"، حيث لم يكن يعرف الشعب منذ 1984 في هرم السلطة وجهاً آخر غيره، حتى طالبهم بتسريع اختراع "إكسير" خلود الحياة.
فبعد تفكك الاتحاد السوفييتي في 1991 بقي نزارباييف أحد أهم الدائرين في فلك موسكو، وبعلاقات متشعبة، سواء الأمنية، ومشاركة مخابراته في جولات اغتيال معارضين لموسكو في أوروبا، أو بإكسير بقاء آخر بارتباطه بشبكة المصالح الأوليغارشية.
كازاخستان ليست بلداً فقيراً، بل كبير ومتنوع الثروات. الحكم التسلطي فيه بقي مهووساً بديمومة منظومته، الشبيهة بالتي جابهتها شوارع عربية انتفضت ضد القهر والفساد.
ولا خلاف على أن كازاخستان أهم "حديقة خلفية" لموسكو في آسيا الوسطى وقزوين. لكن، حتى بالمعايير الروسية التجميلية، عن التنوع والتعددية الحزبية والسياسية، لم تجلب وعود نزارباييف "الأبوية" لشعبه، عن التحول إلى نموذج كوري جنوبي، سوى ما يشبه بعض أنظمتنا، وبالأخص الفوز بـ80 و90 في المائة، تحت لافتة "الأب القائد... المؤسس... الخالد".
وعليه، ليس غريباً هذا التشابه بين بعض الأنظمة العربية ونظام كازاخستان. فموضة رمي الشعوب بـ"المؤامرة" تظل أهم عناوين شرعنة قمع الإنسان والتضييق عليه، "حماية له" منها، وإن باستدعاء "الحلفاء"، ولو حولوهم إلى مجرد خيال مآتة، كما يفعل الكرملين في سورية.
إذاً، الاحتجاج على غلاء لقمة العيش وأسعار الوقود، بل على انقطاعه في بعض الدول، ليس إلا "مؤامرة غربية". ولعل التفصيل الذي ينساه القائمون على التسلط ومريدوهم من مصدقي نظرية "المؤامرة"، إن لدينا أو لديهم، أنه إلى ذات الغرب تُهرب منهوبات الفساد، وإليه يحج "الزعماء" وتوابعهم، استجماماً واستشفاء وطلب جنسيات لـ"القوم"، حتى الحفيد السادس عشر.
وإذا ما استبدل عربي سنوات انتفاضة شوارعه، في مثل هذه الأيام من 2011، كازاخستان باسم بلده، وأنصت جيداً لما دار خلال الأيام الماضية، من قمع وقطع إنترنت واستدعاء قوة الخارج، فبالتأكيد سيكون أمام عملية استرجاع (فلاش باك) إجبارية.
على كل، إن سلمنا جدلاً أن حياتنا مسيرة وفق مخططات "المؤامرة"، فمن يا ترى يسهلها؟ الباحث عن رغيف خبز وكرامة وحرية آدمية، أم الطغمة التي تحيل البلاد إلى مزارع نهب وفساد؟