أعلنت الرئيسة التنفيذية لهونغ كونغ كاري لام أنها لن تسعى للترشح لولاية ثانية، في السباق الانتخابي المقرر في الثامن من مايو/أيار المقبل.
وأوضحت لام، في مؤتمر صحافي أمس الأول الإثنين، أن قرارها لا علاقة له بتقييم أدائها أو أداء حكومتها، وأنه يرتبط بصورة مباشرة برغباتها وتطلعاتها الشخصية ومراعاتها لأسرتها.
وكشفت لام أنها أبلغت الحكومة المركزية في بكين، منذ مارس/آذار 2021 خلال الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، اعتزامها عدم الترشح للانتخابات، لكنها لم تتمكن من الإعلان عن قرارها في ذلك الوقت، لأنها لم تبلّغ في حينه مجلس الوزراء في المستعمرة البريطانية السابقة.
تحديات غير مسبوقة لهونغ كونغ
وقالت لام إن حكومتها واجهت تحديات غير مسبوقة، وأوضاعاً صعبة لا مثيل لها مقارنة بالإدارات السابقة. وأعربت عن ثقتها في أن قرارها لن يؤثر على الجهود المبذولة لمكافحة وباء كورونا في المدينة. وأكدت أن سياسات الحكومة في هذا الشأن مستمرة، وأنها تحظى بدعم الشعب، وأن الإدارة المقبلة ستستمر في نفس النهج.
شهدت هونغ كونغ خلال فترة حكم كاري لام اضطرابات غير مسبوقة
ومن المقرر أن تنتهي ولاية الإدارة الحالية في 30 يونيو/حزيران المقبل. وقالت لام إنها ستركز حتى ذلك الحين على أربعة مجالات عمل، وهي انتخاب الرئيس التنفيذي، ومحاربة الموجة الخامسة من الوباء، والتخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لاستعادة هونغ كونغ من بريطانيا، والعمل لضمان انتقال سلس بين الإدارتين.
وكان من المقرر انتخاب الرئيس التنفيذي للجزيرة في 27 مارس/آذار الماضي، ولكن بسبب انتشار كورونا، تم تأجيل ذلك حتى 8 مايو المقبل. ولم يُكشف بعد عن أي مرشح بديل لكاري لام، فيما أشارت وسائل الإعلام المحلية إلى أن نائب المسؤولة التنفيذية جون لي، وهو عضو سابق في جهاز الاستخبارات، مرشح محتمل. ومن الأسماء المطروحة أيضاً وزير المالية بول تشان.
اضطرابات غير مسبوقة
وشهدت هونغ كونغ خلال فترة كاري لام (64 سنة) اضطرابات غير مسبوقة، سواء على مستوى الاحتجاجات الشعبية، أو السياسات الحكومية، التي أفضت إلى إحكام بكين قبضتها الأمنية على الجزيرة التي تتمتع بحكم شبه ذاتي بموجب صيغة "دولة واحدة ونظامان".
وقد وُصفت السنوات الخمس الماضية من قبل مراقبين، بأنها الأسوأ في تاريخ الجزيرة. ووصف هؤلاء لام بأنها الرئيسة التنفيذية الأكثر خضوعاً للصين، وذلك بالنظر إلى القرارات المثيرة للجدل التي اتخذتها خلال فترة حكمها، مثل محاكمة وسجن نشطاء، واستبعاد العديد من المرشحين المؤيدين للديمقراطية، بالإضافة إلى تجريم حزب "هونغ كونغ الوطني" المؤيد للاستقلال، وهي قرارات تسببت في تجريد المدينة من طابعها الديمقراطي، وتآكل قدرتها التنافسية باعتبارها مركزاً مالياً مستقلاً.
وُلدت كاري لام، في 13 مايو 1957 في هونغ كونغ، وحصلت على البكالوريوس في العلوم الاجتماعية في العام 1980. وبعد تخرجها انضمت إلى مكتب الخدمة المدنية البريطانية في الجزيرة، وعملت في العديد من الإدارات الحكومية. وفي 1982 مولت حكومة هونغ كونغ دراساتها العليا في جامعة كامبريدج، وهناك التقت بزوجها عالم الرياضيات الصيني لام سيو بور. وبعد عودتها إلى الجزيرة شغلت عدة مناصب، بينها مديرة الرعاية الاجتماعية، وتدرجت في الوظائف إلى أن تم تعيينها في العام 2007 وزيرة للتنمية.
محادثات مع قادة طلاب المعارضة
وفي العام 2012 أصبحت السكرتير الأول للشؤون الإدارية في إدارة الرئيس التنفيذي السابق ساي ليانغ. وفي 2014 ترأست اللجنة الدستورية المكلفة إصلاح نظام الانتخابات، وأجرت محادثات مع قادة طلاب المعارضة خلال التظاهرات الشعبية الواسعة التي شهدتها الجزيرة، احتجاجاً على تدخل بكين في النظام الانتخابي آنذاك.
ترشحت كاري لام في 2017 لانتخابات الرئيس التنفيذي لهونغ كونغ، وحصلت على 777 صوتاً من لجنة الانتخابات المكونة من 1194 عضواً (معظمهم من الموالين للصين)، باعتبارها المرشحة المفضلة لبكين. وأصبحت بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب، ورابع رئيس تنفيذي منذ عودة الجزيرة إلى الصين في العام 1997.
وبالرغم من وعودها بمعالجة الانقسامات السياسية في المدينة بسبب تدخلات الصين المستمرة، فإن أول قرار صدر بعهدها مثل ضربة قوية للمعارضة. ففي يوليو/تموز 2018، أصدرت الشرطة مرسوماً يحظر أي أنشطة لحزب "هونغ كونغ الوطني" المؤيد للاستقلال، لأسباب تتعلق بالأمن ووحدة أراضي الصين.
اقتراح تسليم المجرمين للصين
وفي فبراير/شباط 2019، اتخذت الأوضاع منعطفاً حاداً، عندما اقترحت إدارة لام مشروع قانون مثيرا للجدل، يتيح للحكومة المحلية تسليم المجرمين للصين لمحاكمتهم في البر الرئيسي. وقد اعتبر معارضون هذا الأمر انتهاكا لسيادة الجزيرة، وتهديداً للنشطاء المؤيدين للديمقراطية، الأمر الذي تسبب في احتجاجات شعبية عارمة استمرت عدة شهور.
وطالب المحتجون آنذاك بسحب مشروع القانون، واستقالة كاري لام من منصبها، وإجراء تحقيق مستقل في سلوك الشرطة التي قمعت المتظاهرين واعتقلت الآلاف منهم، بالإضافة إلى إجراء اقتراع عام للمجلس التشريعي وانتخاب الرئيس التنفيذي.
مُني معسكر لام، المؤيد لبكين، بأكبر هزيمة في الانتخابات البلدية بتاريخ هونغ كونغ
غير أن لام لم تستجب للمطالب، واكتفت بتعليق مشروع القانون في يونيو من نفس العام. ولكن مع ضغط الاحتجاجات الشعبية وخروجها عن نطاق السيطرة، أعلنت في سبتمبر/أيلول 2019 سحب مشروع القانون بصورة نهائية.
قانون أميركي لدعم محتجي هونغ كونغ
وفي أعقاب ذلك، وقع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، على قانون حقوق الإنسان والديمقراطية لدعم المحتجين في هونغ كونغ، والذي تم تمريره بأغلبية ساحقة في الكونغرس.
وينص القانون على إجراء مراجعة سنوية، للتحقق مما إذا كانت الجزيرة تتمتع بقدر من الحكم الذاتي يؤهلها للاحتفاظ بالوضع الخاص في العلاقات مع الولايات المتحدة. وتعليقاً على ذلك، أعلنت لام أنها أصيبت بخيبة أمل بسبب إقرار القانون الأميركي، مؤكدة أن هونغ كونغ لا تزال تتمتع بالحرية والديمقراطية.
وفي الثاني من سبتمبر 2019 نشرت وكالة "رويترز" تسجيلاً مسرباً لكلمة نُسبت لكاري لام، أمام رجال أعمال أواخر أغسطس/آب، اعترفت فيه أن إدارتها تسببت من خلال طرح مشروع قانون تسليم المجرمين للصين، في الدمار الهائل الذي لحق بالجزيرة، وأن ذلك أمر لا يغتفر، وأنه إذا كان لديها خيار فإن أول شيء ستفعله هو الاستقالة.
هزيمة بلدية تاريخية لمعسكر لام
وفي انتخابات المجالس البلدية، التي جرت في نوفمبر 2019، والتي اعتبرت استفتاء شعبياً على الاحتجاجات، مني معسكر لام، المؤيد لبكين، بأكبر هزيمة انتخابية في تاريخ هونغ كونغ. وحصد المؤيدون للديمقراطية أكثر من 240 مقعداً، أي أكثر من 80 في المائة من المقاعد المتاحة، وسيطروا على 17 من أصل 18 مجلسا بلديا.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، قدم 25 مشرعاً، مؤيداً للديمقراطية، طلباً إلى البرلمان لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، لفحص الادعاءات القائلة بأن سلوك الرئيسة التنفيذية يشكل انتهاكاً خطيراً للقانون وتقصيراً في أداء الواجب. غير أن الطلب لم يمر، بعد رفض الاقتراح بفارق عشرة أصوات.
وفي ضوء تلك الأحداث، تراجعت شعبية لام إلى أدنى مستوياتها. كما شعرت بكين بالقلق حيال عدم قدرة الرئيسة التنفيذية على فرض نفوذها في الجزيرة، ما دفعها منتصف العام 2020 إلى فرض قانون الأمن القومي الخاص بهونغ كونغ.
ويقضي القانون بإنشاء مكتب للأمن في الجزيرة، تشرف عليه الحكومة المركزية، وتعزز الصين من خلاله قبضتها الأمنية وقدرتها على ملاحقة المعارضين والنشطاء المؤيدين للديمقراطية. وكان لافتاً أن تمرير وصياغة القانون الجديد تمّا مباشرة من قبل السلطات الصينية، في تجاوز واضح للهيئات التشريعية في هونغ كونغ. وحتى أن كاري لام نفسها تورطت، بعد أن اتضح، خلال تعليقها على الأمر لوسائل الإعلام، بأنها لم تكن مطلعة على مسودة القانون قبل إقراره.
عقوبات أميركية على لام
وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول 2020، عاقبت وزارة الخزانة الأميركية لام وعشرة مسؤولين آخرين ساهموا في فشل بكين في الوفاء بالتزاماتها، بموجب الإعلان الصيني البريطاني المشترك وقانون هونغ كونغ الأساسي. وبموجب العقوبات فقدت لام كل سبل الوصول إلى الخدمات المصرفية مثل نظام "سويفت"، وباتت تتقاضى راتبها نقداً، نظراً لأن البنوك الصينية المملوكة للدولة ممنوعة من التعامل مع الأفراد الخاضعين للعقوبات.
اعتبرت لام أن قانون الأمن القومي الذي فرضته الصين على الجزيرة فعال بشكل ملحوظ
وفي نوفمبر 2020، قالت لام إن قانون الأمن القومي فعال بشكل ملحوظ، وإنه بعد عام من الاضطرابات الاجتماعية، والخوف على السلامة الشخصية، يمكن لأهالي هونغ كونغ التمتع مرة أخرى بحقوقهم وحرياتهم الأساسية وفقاً للقانون.
وفي مارس/آذار 2021 أعلنت لام عن "إصلاحات" جديدة، يُمنع بموجبها غير الوطنيين من الترشح للانتخابات والعمل بالدوائر الحكومية. لكنها أشارت إلى أن أولئك الذين لديهم معتقدات سياسية مختلفة سيبقون قادرين على الترشح للانتخابات، طالما أنهم وطنيون ويلتزمون بقانون الأمن القومي.
وفي ديسمبر من العام الماضي، جرت انتخابات المجلس التشريعي في هونغ كونغ، وسط انتقادات دولية حادة، باعتبارها أول انتخابات في ظل قانون الأمن القومي الذي فرضته الصين. وقلصت بكين عدد الأعضاء المنتخبين بالاقتراع المباشر إلى 20 من أصل 90، وجعلت الترشح مقتصراً على موالين لها، ما يعني إلغاء أي حظوظ للمعارضة. وقد حمّل نشطاء ومعارضون كاري لام مسؤولية تأكل الديمقراطية في الجزيرة، باعتبارها الأداة التنفيذية لسياسات الحكومة المركزية في بكين.
وفي وصف كاري لام، قال الناشط الحقوقي جيانغ براون، في حديث لـ"العربي الجديد": سوف تتذكر الأجيال المقبلة الحماقات التي ارتكبتها الرئيسة التنفيذية، وفي مقدمتها سوء إدارة الأزمة السياسية، التي أدت إلى فرض قانون الأمن القومي بصورة تعسفية. وأشار إلى أن القانون قوّض بطبيعة الحال الحكم المدني والاستقلال القضائي للجزيرة، كما أفقدها أحدى أهم سماتها، باعتبارها مركزاً مالياً دولياً، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على ازدهار المدينة لعقود مقبلة.