قيس سعيّد بين الضغط الخارجي والتلويح بـ "ثورة جياع"

08 اغسطس 2022
استخف سعيّد باعتراضات الحكومات الغربية (أنيس ملي/فرانس برس)
+ الخط -

يسعى الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى إتمام خطته، عبر وضع قانون انتخابي جديد. وهو إذ "نجح" في تمرير دستور على المقاس مكّنه من احتكار جميع السلطات، فإن الخطوة التالية تتمثل في وضع الآليات الكفيلة بتأليف برلمان و"مجلس للجهات والأقاليم" يحدان من دور الأحزاب ويعززان وحدة القيادة السياسية.

لهذا السبب بالذات صعّدت الحكومات الغربية، وفي طليعتها أميركا، من لهجتها النقدية ضد الرئيس التونسي، وطالبته باعتماد "قانون انتخابي شامل، يسهّل مشاركة أوسع في الانتخابات المقرر إجراؤها في ديسمبر/كانون الأول المقبل"، كما جاء على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن. فهل تتمكن هذه الدول من تحقيق ما تريد، أم قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان؟

سعيّد نفذ ما أراده رغم الاعتراضات الغربية

نفّذ سعيّد كل ما أراده، على الرغم من اعتراضات الحكومات الغربية التي استخف ببياناتها، ولم يهتم بالوفود التي أرسلتها إلى تونس للضغط والاحتجاج.

سيناريو إطاحة أميركا وحلفائها سعيّد غير وارد بالنسبة للحالة التونسية

وعلى الرغم من أن رد فعل هذه الأطراف كان قوياً نسبياً، بعد اطلاعها على الدستور، والإعلان عن نتائج الاستفتاء، وأن الجزء الأكبر من خطة الرئيس أصبح مكشوفاً، فإن هذه الحكومات لا يزال يراودها شيء من الأمل، وإن كان ضعيفاً، في أن يحافظ سعيّد على ما تبقى من الفضاء الديمقراطي في تونس.

المؤشرات المتوفرة تنذر بخلاف ذلك. فالخلفية السياسية التي ستوجّه المرحلة المقبلة، وتكمل تنفيذ بقية الخطة، تفرض مزيداً من التضييق على الأحزاب السياسية من دون إصدار قرار بإلغائها، وذلك من خلال القانون الانتخابي الذي سيضع الرئيس مفاصله الأساسية.

وسيتعلق أحد أبواب القانون بمن يحق له الترشّح للانتخابات المقبلة. ومن بين هذه الشروط التي يدفع نحوها أنصار الرئيس شرط يتعلق بمنع مشاركة الأحزاب والأفراد الذين تلقوا دعماً خارجياً، سواء مالياً أو سياسياً، عبر ما يعرف بـ"اللوبينغ" المعمول به في أميركا.

وسيكون هذا الشرط بمثابة المقصلة التي قد تُعتَمد لحرمان حركة "النهضة" من المشاركة في الانتخابات، وذلك تمهيداً لحلها. عندها ما الذي يمكن أن تقوم به الحكومات الغربية تجاه هذه الخطوة الحاسمة في إقصاء أبرز الخصوم السياسيين للنظام القائم في هذه المرحلة الدقيقة؟

وسائل غربية للضغط على سعيّد

لا شك في أن هذه الحكومات لها وسائل عديدة للضغط على سعيّد وإجباره على التراجع عن سياسته الحالية لو أرادت؛ إذ في هذا السياق تندرج رغبة الحكومة الكندية في تأجيل عقد القمة الفرنكوفونية في تونس للمرة الثانية، بحجة أن الوضع "لا يزال مقلقاً في تونس". 

وإذا نجح رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في إقناع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال اجتماعهما في سبتمبر/أيلول المقبل، بذلك، فستُشكل تلك ضربة موجعة للسلطات التونسية التي راهنت كثيراً على إقامة هذه القمة.

هناك من يعتقد بأن أميركا وحلفاءها قد يذهبون إلى حد الإطاحة بسعيّد. وقد سبق أن فعلوا ذلك في أكثر من مرة بدول عديدة. لكن هذا السيناريو غير وارد بالنسبة للحالة التونسية. ولا يوجد ما يؤشر على وجود نية للتشجيع على خوض مثل هذه المغامرة ذات التداعيات السيئة.

ورقة الضغط المالي

لكن في المقابل، هناك ورقة الضغط المالي التي استُعملت منذ أشهر، وقد تتواصل خلال المرحلة القصيرة القادمة. لكن حتى هذه الورقة، التي يُستبعد أن تدفع الرئيس التونسي إلى مراجعة أسلوبه في الحكم، لن يتم استعمالها بطريقة مؤذية، خصوصاً أنه لا يوجد اتفاق بين هذه الدول حول هذا السيناريو.

كما أن الرئاسة الفرنسية لا تزال تدافع بقوة عن سعيّد، وتكتفي بتقديم النصح له بشكل محتشم. وما قرار صندوق النقد الدولي، الذي اتخذه أخيراً، إلا دليلاً على رغبة الدول الغربية في إسعاف الاقتصاد التونسي والحيلولة دون حصول انهيار مالي على الطريقة اللبنانية، ستنعكس تداعياته السلبية على الأمن القومي الأوروبي، خصوصاً في ظل ظروف الحرب الروسية على أوكرانيا وانعكاساتها الخطيرة على القارة العجوز.

سعيّد يستفيد من التطورات الإقليمية والدولية

وعلى الرغم من أن سعيّد لا يملك أي خلفية دبلوماسية، باعتباره وافداً جديداً على السلطة وعلى الفضاء الدولي، فإن الحظ ساعده كثيراً ومكّنه من أن يناور ويربح كثيراً من الوقت لصالحه. وهو ما جعله يستفيد من التطورات الإقليمية والدولية التي ساعدته على الصمود أمام محاولات تطويعه وكسر إرادته والحد من عناده.

يحاول سعيّد أن يستفيد من لعبة الدفاع عن السيادة الوطنية
 

يحاول سعيّد في إدارته هذه المعركة، حتى يضمن نجاح مغامرته الشخصية، أن يستفيد من لعبة الدفاع عن السيادة الوطنية. فالتونسيون عموماً لا يقبلون التدخل في شؤون بلدهم الصغير، حتى لو صدر ذلك من دولة عظمى مثل أميركا. لكنهم في الوقت نفسه يتوجسون من كل سياسة مرتجلة قد تضعهم في مأزق لا يُحسدون عليه. لهذا فضّلوا دائماً انتهاج المرونة والتعاون مع مختلف اللاعبين الدوليين، مع الاحتفاظ بعلاقة قوية مع الولايات المتحدة وحلفائها.

تلويح بـ "ثورة جياع"

من المؤكد أن العلاقات الخارجية لسعيّد ستؤثر بالضرورة على وضعه الداخلي والدولي. فهو محكوم بقدرته على إدارة الشأن الاقتصادي الذي يبقى طوق النجاة له ولنظامه الذي يسعى إلى بنائه وترسيخه. فنسبة التضخم تتجاوز عتبة 8.2 في المائة، وأسعار المواد الأساسية والألبسة تقفز قفزات جنونية، والبطالة لم تتراجع عن معدلاتها المعهودة. 

والجميع ينتظرون انقضاء العطلة الصيفية، ما جعل الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي يهدد باحتمال حصول "ثورة جياع"، ولم يكن من باب المبالغة إدراج صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تونس ضمن 20 دولة في العالم مهددة بمصير سريلانكا.