تتسارع الخطى والاجتماعات واللقاءات الليبية، استعدادا لوضع سياسي جديد، خاصة في ملفي الانتخابات والأزمة الحكومية، فيما يتوقع أن يكون هناك اجتماع دولي قريب بشأن ليبيا تنشط فيه عديد العواصم الغربية، بالتنسيق مع البعثة الأممية.
والجمعة الماضية، أنهى المبعوث الأممي في ليبيا، عبد الله باتيلي، سلسلة من اللقاءات استهدفت جميع القادة في المشهد قبيل تقديمه إحاطته إلى مجلس الأمن الخميس، والتي من المحتمل أن يعلن فيها عن لجنة رفيعة المستوى وعن أعضائها وأعمالها، وتتركز مهمتها خصوصاً في حل الأزمة الحكومية وتقديم الدعم لحكومة موحدة لإجراء الانتخابات.
وخلال الأسبوع الماضي، التقى باتيلي رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، بالإضافة إلى رئيس المفوضية العليا للانتخابات عماد السائح.
وركزت لقاءات باتيلي على الحاجة إلى الوصول إلى الصيغة النهائية للإطار القانوني للانتخابات ومعالجة القضايا الخلافية في القوانين الانتخابية، من خلال "حوار شامل بروح التوافق، للمضي قدما نحو الانتخابات واستعادة الشرعية الشعبية لجميع المؤسسات"، وكذلك ضرورة وجود حكومة موحدة تدعمها جميع الأطراف الرئيسية في البلاد.
وجاءت هذه اللقاءات قبيل أيام من إحاطة جديدة سيقدمها باتيلي إلى أعضاء مجلس الأمن، الخميس المقبل، يليها اجتماع في اليوم التالي في واشنطن لممثلي مجموعة الاتصال الدولية بشأن ليبيا، المنبثقة عن اتفاق برلين، المكونة من فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.
دمج الحكومتين
وتعكس معلومات متطابقة أدلت بها مصادر ليبية لـ"العربي الجديد"، أهمية الاجتماعات التي ستحتضنها واشنطن الجمعة المقبلة، وإمكانية أن تدعم اتجاها لتنشيط العملية السياسية في ليبيا.
وكشفت المصادر، التي فضّلت عدم ذكر اسمها، عن تلقّي القادة الليبيين اتصالات من مسؤولين تابعين لمجموعة الاتصال الدولية طالبتهم بتقديم مزيد من التنازلات للوصول إلى تفاهمات لحل الأزمة الحكومية في البلاد، من خلال سيناريو دمج الحكومتين (حكومة الوحدة الوطنية وحكومة مجلس النواب) في حكومة واحدة والمضي نحو الترتيبات اللاحقة لإجراء الانتخابات.
وأشارت المصادر إلى أن الاتصالات تضمنت تلميحا بشأن إمكانية تسمية الجهات والشخصيات الليبية المعرقلة لإجراء انتخابات في البلاد، كخطوة أولى قبل تطبيق عقوبات عليها.
وتأتي هذه الاتصالات بالتزامن مع معلومات أخرى كشفت عنها المصادر ذاتها بشأن إبلاغ باتيلي عددا من القادة الليبيين الذين التقاهم الأسبوع الماضي عن عزمه تشكيل لجنة رفيعة المستوى، وأنه ماض في المشاورات بشأن تحديد عضويتها وتركيز صلاحياتها في حل الأزمة الحكومية وتقديم الدعم لحكومة موحدة لإجراء الانتخابات، وربما إضافة مهام إدخال تعديلات على القوانين الانتخابية لتكون قابلة للتنفيذ إذا فشل مجلسا النواب والدولة في ذلك.
وأرجع أحد المصادر، وهو مستشار سياسي مقرّب من مكتب رئاسة مجلس النواب، رجوع نشاط باتيلي في خطته الهادفة إلى توسيع دائرة المشاركة في الحوار السياسي حول استحقاقات المرحلة القادمة في ملف الانتخابات، إلى نشاط مسؤولي مجموعة الاتصال الدولية في ملف الانتخابات وحل الأزمة الحكومية.
وأوضح أن باتيلي أبلغ عقيلة صالح بتعديل في خطته التي يصرّ على إطلاقها، ويتمثل التعديل في ترك حق إصدار القوانين الانتخابية لمجلس النواب، شرط إجراء التعديلات اللازمة عليها لتكون قابلة للتنفيذ وتسمح لكل الأطراف بحق الترشح للانتخابات، فيما يحتفظ بحق حل الأزمة الحكومية من خلال اللجنة رفيعة المستوى التي سيشكلها.
ومنذ فبراير/شباط الماضي، أعلن باتيلي عزمه تشكيل لجنة رفيعة المستوى تتولى حلحلة القضايا الخلافية في ملف الانتخابات، إلا أن إحاطاته اللاحقة شهدت فتورا في الإعلان عن تفاصيل خطته بشأن اللجنة.
منذ فبراير الماضي أعلن باتيلي عزمه تشكيل لجنة رفيعة المستوى تتولى حلحلة القضايا الخلافية في ملف الانتخابات
وعلى الرغم من استمرار حضور الحديث عنها في تلك الإحاطات، إلا أن إحاطته الأخيرة، في 22 أغسطس/آب الماضي، شهدت تراجعا كليا عنها، بعد أن فاجأه إصدار المجلس الرئاسي بياناً موقعاً منه بالاشتراك مع عقيلة صالح وخليفة حفتر، قبيل موعد الإحاطة، يؤكد على "الملكية الوطنية لأي عمل سياسي وحوار وطني وعدم المشاركة في أي لجان إلا بالإطار الوطني الداخلي دون غيره"، ويدعوه إلى "عدم اتخاذ أي خطوات منفردة في المسار السياسي".
وساد الغموض بشأن مقصد باتيلي من قوله، أثناء إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، بضرورة "تشكيل حكومة موحدة يتفق عليها الفاعلون الرئيسيون، وأن ذلك أمر ضروري لقيادة ليبيا إلى مرحلة إجراء الانتخابات"، حيث ذهبت أوساط ليبية إلى أنه إعلان عن موافقة أممية دولية لتشكيل حكومة جديدة.
إلا أن باتيلي عاد في اليوم التالي لينفي ذلك، وعلق بالقول، في تصريحات لموقع أخبار الأمم المتحدة: "عندما أتحدث عن حكومة موحدة، فهي ليست حكومة مؤقتة أخرى، فالبلاد لا تحتاج ولا تستطيع حتى أن تتحمل حكومة مؤقتة أخرى. نحن بحاجة إلى حكومة موحدة من شأنها أن تهيئ الظروف المناسبة لخلق بيئة سياسية مواتية لإجراء الانتخابات"، في إشارة واضحة إلى أن رؤيته بشأن الأزمة الحكومية تتضمن توحيد حكومتي البلاد.
ويخالف تأكيد عقيلة صالح على أحقية مجلس النواب في تشكيل الحكومات بالتنسيق مع مجلس الدولة، الرغبة الأممية والعواصم الغربية، في ظل رفضه الكامل لاستمرار وجود رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، وضرورة استبعاده من المشهد، حيث أكد عقيلة لباتيلي، أثناء لقائه به مطلع الأسبوع الماضي، على ضرورة تشكيل حكومة جديدة، إلا أن باتيلي رد بمطالبته بـ"بذل مزيد من الجهود والمشاورات، لإنجاز الاستحقاق الانتخابي، تلبيةً لرغبة الشعب الليبي"، في إشارة إلى ضرورة إصدار القوانين الانتخابية قبل المضي في حل الأزمة الحكومية.
وأثناء لقاءات باتيلي بالقادة الليبيين، الأسبوع الماضي، عقد المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند مع المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى ليبيا بول سولير، اجتماعا، انتهى إلى التأكيد على دعم واشنطن وباريس لجهود باتيلي في "إنشاء حكومة تكنوقراط موحدة" لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية لدعم استقرار ليبيا.
ولقاء هذا الحراك الأممي، بالإضافة إلى حراك من جانب عواصم غربية، تجري في كواليس القادة الليبيين العديد من الاتصالات، من بينها مشاورات يجريها عقيلة صالح في العاصمة المصرية القاهرة، واتصالات أخرى أجراها الدبيبة مع مسؤولين في أنقرة.
قطع الطريق على باتيلي
وحول مشاورات عقيلة في القاهرة، أوضح المصدر البرلماني أن لجوء رئيس البرلمان الليبي إلى مصر جاء لفك خناق وضغوط الاتصالات الغربية عليه بشأن ضرورة قبوله بحل الخلاف الحكومي من خلال دمج حكومتي البلاد، موضحا أن عقيلة يسعى في القاهرة لقطع الطريق مرة أخرى على مساعي باتيلي لإعادة الحياة لخطته الرامية لفرض واقع حكومي جديد يخالف مصالحه.
وقال المصدر ذاته: "عقيلة صالح طلب من القاهرة دعما لخياره المتجه لقطع الطريق أمام لجنة باتيلي الهادفة إلى توسيع دائرة المشاركين في الحوار السياسي في ملف الانتخابات، من خلال وساطة مصرية جديدة لاستئناف لقاءات مباشرة بينه وبين محمد تكالة (رئيس المجلس الأعلى للدولة)، عنوانها بحث مزيد من التوافقات في القوانين الانتخابية، على غرار الواسطات المصرية السابقة بينه وبين المشري (رئيس المجلس الأعلى للدولة السابق)".
وأشار إلى أن الهدف الأساسي لعقيلة صالح هو "الإبقاء على صلاحية تشكيل الحكومات بيد مجلس النواب شراكة مع مجلس الدولة". كما لفت إلى أن عقيلة يحاول استثمار ورقة التحكم في مصير لجنة (6+6) من خلال رئيس الوفد الممثل لمجلس النواب في اللجنة، جلال الشهويدي، حيث لا يزال الأخير يرفض إصدار القوانين بحجة عدم التوافق حولها مع مجلس الدولة، معتبرا أنها ورقة قوية بيد عقيلة، حيث يمكن أن يقايض إصدار القوانين الانتخابية بمنحه حق تشكيل الحكومة الجديدة.
ويشير المصدر ذاته إلى اختلاف في وجهات النظر في حلف عقيلة صالح، والذي قد يهدد ورقة السيطرة على قرار لجنة (6+6)، موضحا أن "حفتر غير واضح تماما في دعمه لعقيلة صالح، فهو يدعمه في خيار استبعاد الدبيبة من المشهد، لكنه في ذات الوقت لا يعترض على توحيد الحكومتين إذا لم يكن للدبيبة فيها موقع أساسي، كما أنه يختلف مع صالح في إصدار القوانين الانتخابية، حتى بعد أن أبلغه رئيس البرلمان بأنها ستصدر مضمنة ثغرات ومعايب قانونية ستجعل من تطبيقها أمرا صعبا".
وأوضح أن "رؤية حفتر تركز على المقاربة العسكرية من خلال زيادة نفوذه العسكري على الأرض وفرض نفسه من خلالها كرقم في أي معادلة مقبلة للحل السياسي، ولذا فهو منصرف منذ فترة لتعزيز تحالفه مع الجانب الروسي وتمتين وجوده العسكري في مناطق جنوب البلاد".
الدبيبة نحو تمتين العلاقة مع تركيا
وتقابل مساعي عقيلة صالح اتصالات أخرى أجراها الدبيبة مع أنقرة، وفقا لمصادر حكومية من طرابلس أشارت إلى أنها تمحورت حول تمتين علاقته بشكل أكبر مع أنقرة للحفاظ على موقعه، مشيرة إلى أن "الدبيبة لا يعلم حتى الآن حقيقة وضعه في ظل الحكومة الموحدة التي تسعى الأمم المتحدة بالشراكة مع عواصم غربية لدعمها كخيار لحل الأزمة الحكومية في البلاد".
والثلاثاء الماضي، تحدث باتيلي إلى الدبيبة، خلال لقائه به في طرابلس، بشأن ضرورة إشراف حكومة موحدة "تحظى بدعم مختلف الأطراف الرئيسية" في البلاد على إجراء الانتخابات، إلا أن بيان مكتب الدبيبة الإعلامي قال إن اللقاء كان لاطلاع المبعوث الأممي رئيس حكومة الوحدة على "نتائج لقاءاته مع الأطراف السياسية المختلفة خلال جولته الأخيرة"، دون أي إشارة لمسألة الحكومة الموحدة وتوافق كافة الأطراف الرئيسية عليها.