قوات حفظ سلام أممية "يا ناس يا عالم احمونا"

28 يوليو 2024
الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة 23 /9 /2023 (سبنسر بلات/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الدعوات لحماية الفلسطينيين وتدخل القوات الدولية**: تزايدت الدعوات لإرسال قوات دولية لحماية الفلسطينيين من الاعتداءات والانتهاكات، لضمان أمنهم وسلامتهم، وتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية، ومراقبة الانتهاكات وتوثيقها.

- **مواقف القادة العرب ومطالبات محمود عباس**: طالب محمود عباس بالحماية الدولية للفلسطينيين في الأمم المتحدة والجامعة العربية، ودعا "إعلان المنامة" لنشر قوات حفظ سلام دولية في الأراضي الفلسطينية حتى تنفيذ "حل الدولتين".

- **تاريخ قوات حفظ السلام الدولية وفشلها في حماية المدنيين**: تاريخ قوات حفظ السلام مليء بالفشل في حماية المدنيين، كما في رواندا 1994، سربرنيتسا 1995، وقانا 1996، مما يظهر جهل القادة العرب بتاريخ هذه القوات وطبيعة الاحتلال الصهيوني.

تزايدت الدعوات إلى إرسال قوّاتٍ دوليةٍ لحماية الفلسطينيين من الاعتداءات والانتهاكات، مع تفاقم الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. قد يعتقد بعضهم ذلك خطوةً ضروريةً وملحةً لضمان أمن الفلسطينيين وسلامتهم، الذين يعانون منذ أكثر من 76 عامًا الانتهاكات المتكررة، والجرائم الممنهجة، الإبادة الجماعية، والفصل العنصري بهدف التهجير القسري والتطهير العرقي لكامل الشعب الفلسطيني عن كامل الأرض الفلسطينية. ومن ثمّ، يحدّ تدخل قوّاتٍ دوليةٍ من هذه الانتهاكات، ويضمن حماية المدنيين العزّل.

كذلك قد تساعد القوّات الدولية في توفير الخدمات الأساسية، وتسهل وصول المساعدات الإنسانية الضرورية إلى المناطق المحتاجة، فالوجود الدولي قد يضمن تدفق المواد الغذائية، والمستلزمات الطبية، والخدمات الأساسية الأخرى، ما يحسن من ظروف السكان المعيشية.

أيضًا ربّما تساعد القوّات الدولية في مراقبة الانتهاكات وتوثيقها، وضمان محاسبة المسؤولين عنها، ما يساهم في تحقيق العدالة للضحايا، ويحد من تكرار الانتهاكات مستقبلًا. والذي بدوره سيفتح المجال أمام محاسبة الاحتلال دوليًا عن جرائمه الموثقة من هيئاتٍ دوليةٍ مختصةٍ وذات قبولٍ لدى المحاكم الدولية.

يبدو أنّ قادة الأنظمة العربية الـ22 يجهلون أو يتجاهلون ليس التاريخ فحسب، بل طبيعة الاحتلال الصهيوني كذلك

لهذه الأسباب، أو ربّما لغيرها، طالب رئيس "السلطة الوطنية الفلسطينية"، محمود عباس، في خطابه أمام الجمعية العامّة للأمم المتّحدة، في ذكرى النكبة الفلسطينية الـ 75، بالحماية الدولية للفلسطينيين، بل استخدم لهذا الغرض أسلوبًا مهينًا، إذ وصل به الأمر إلى حدّ تشبيه الشعب الفلسطيني بالحيوانات "بناكل قتل كل يوم وبنندبح كل يوم، يا ناس يا عالم احمونا، ليش ما بتحمونا!، لو كان عندك حيوان ما بتحميه؟". تشبيه استعاره بعد أشهرٍ وزير دفاع الاحتلال، يوآف غالانت، رغم الاختلاف في المقصد بين الاثنين، ليشبه الفلسطينيين بـ"الحيوانات البشرية"، ليبرير وزير الاحتلال ارتكاب جنوده للإبادة الجماعية، فمن يُقتل من الفلسطينيين، وفقًا له، ليسوا بشرًا!

كما كرر عباس المطالبة ذاتها في ذكرى النكبة الـ76 أمام الجامعة العربية، لتتبناها الأنظمة العربية الـ22، سواءً المتواطئة منها مع الاحتلال، أو العاجزة/غير راغبة في أيّ فعلٍ يدعم الحقّ الفلسطيني. نص إعلان القمة العربية في البحرين "إعلان المنامة" على الدعوة إلى نشر قوّات حمايةٍ وحفظ سلامٍ دوليةٍ تابعةٍ للأمم المتّحدة في الأراضي الفلسطينية إلى حين تنفيذ "حلّ الدولتين"، جنبًا إلى جنب مع دعوة المجتمع الدولي للقيام بمسؤولياته في متابعة جهود دفع عملية السلام، وصولا إلى تحقيق السلام العادل والشامل على أساس "حلّ الدولتين"، الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967، لـ"تعيش بأمنٍ وسلامٍ إلى جانب إسرائيل، وفق قرارات الشرعية الدولية والمرجعيات المعتمدة، بما فيها مبادرة السلام العربية". يظهر "إعلان المنامة" جهل هذه الأنظمة؛ بما فيها السلطة الفلسطينية، بتاريخ قوّات حفظ السلام الدولية، وبأساسيات (بألف باء) القانون الدولي.

يتجلى جهل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، وأقرانه من الأنظمة العربية بتاريخ قوّات حفظ السلام في العالم، إذ بنوا تخيلاً ورديًا لبعثات حفظ السلام الدولية، متناسين تاريخها الحافل بمراقبةٍ صامتةٍ لعمليات الإبادة الجماعية، من دون أيّ ردة فعلٍ، وأحيانًا كان هناك اتهاماتٌ بالتواطؤ مع عمليات الإبادة هذه.

هنا لا بد من تسليط الضوء على بعض الأمثلة: مثل مذبحة رواندا 1994، خلال الحرب الأهلية الرواندية، فقد قتل ما يقرب من 800 ألفٍ من التوتسي والمعارضين الهوتو، في فترةٍ قصيرةٍ جدًا. فعلى الرغم من وجود قوّاتٍ دوليةٍ تابعة للأمم المتّحدة في رواندا، لم يكن عددها، وفق الأمم المتّحدة، كافيًا، وكان تفويضها محدودًا، لذلك لم تستطع منع المجزرة، أو حتّى حماية المدنيين، الذين لجأوا إليها بحثًا عن الأمن والأمان.

وكذلك مذبحة سربرنيتسا في البوسنة عام 1995، التي تعتبر واحدةً من أكثر الحوادث المروعة في تاريخ عمليات قوّات حفظ السلام. إذ قتل أكثر من 8000 رجلٍ وصبيٍ بوسنيٍ مسلمٍ على أيدي القوّات الصربية البوسنية، رغم وجود قوّات حفظ السلام التابعة للأمم المتّحدة في المنطقة. كما اغتصبت الآلاف من النساء، على مرأى قوّات الأمم المتّحدة، التي بقيت متفرجةً على المذبحة، ورغم تصنيف منطقة المذبحة كـ"منطقةٍ آمنةٍ" من طرف الأمم المتّحدة.

ربّما تساعد القوّات الدولية في مراقبة الانتهاكات وتوثيقها، وضمان محاسبة المسؤولين عنها، ما يساهم في تحقيق العدالة للضحايا

مذبحة قانا في لبنان 1996، التي تمت في مركز قيادة فيجي، التابع لقوّات اليونيفيل (قوّات حفظ السلام في لبنان)، في قرية قانا جنوب لبنان، حيث قصفت قوّات الاحتلال الإسرائيلي المقر بعد لجوء المدنيين إليه هربًا من عملية "عناقيد الغضب"، التي شنتها إسرائيل على لبنان، حينها أدى قصف المقر إلى استشهاد 106 لبنانيٍ مدنيٍ وإصابة عديدين غيرهم. لم تستهدف مذبحة قانا اللبنانيين فحسب، إنّما استهدفت قوّات حفظ السلام الدولية أيضًا، التي عجزت عن حماية نفسها فضلاً عن حماية المدنيين، كما لم يحاسب الاحتلال على هذه الجريمة، كما لم يحاسب عن غيرها.

وعليه يبدو أنّ قادة الأنظمة العربية الـ22 يجهلون أو يتجاهلون ليس التاريخ فحسب، بل طبيعة الاحتلال الصهيوني كذلك، الذي لا يتردد باستهداف الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية، وشعوب العالم، كما في جنوب أفريقيا وكولومبيا، فضلًا عن استهداف البعثات الأممية والدولية المختلفة. إذ أظهر تحقيقٌ لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، نشر في 26/4/2024، بشأن حرب الإبادة الدائرة حاليًا ضدّ الفلسطينيين في قطاع غزّة، تعرض عمليات ست مجموعاتٍ إغاثيةٍ دوليةٍ، أو ملاجئها للنيران الإسرائيلية، رغم استخدامها نظام منع الاشتباك، التابع للجيش الإسرائيلي، لإخطار الجيش بمواقعها وتجنب أيّ استهدافٍ عسكريٍ لها.

كما أنّ جهل الجامعة العربية بالقانون الدولي واضحٌ، إذ لا ترسل الأمم المتّحدة قوّات حفظ سلامٍ دوليةٍ إلّا بعد موافقة الأطراف كلّها، إضافةً إلى صدور تفويضٍ من مجلس الأمن الدولي، يحدد طبيعة القوّات وعددها ومهامها وصلاحياتها.

ملحق فلسطين
التحديثات الحية

طبعًا لن يوافق الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتّحدة إلّا على قرار يتضمن خططهم لما يسمى "اليوم التالي للحرب"، أيّ قوّاتٍ دوليةٍ من خارج نطاق الأمم المتّحدة، عمادها الأساسي أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية، شرط عدم خضوعها للسلطة، إضافةً إلى قوّاتٍ من دولٍ عربيةٍ، على أن تكون تحت إشراف الولايات المتّحدة وتدريبها، أي أن أميركا هي المرجعية الأولى والأخيرة لها. ومن غير الضروري إعادة شرح ما يعرفه الجميع، بأنّ الولايات المتّحدة ليست داعمًا للكيان الصهيوني فقط، إنّما هي طرفٌ مباشرٌ في الجرائم المرتكبة بحقّ شعب فلسطين، شأنها شأن الكيان ذاته.

وفقًا لذلك، سيكون الدور الرئيسي لهذه القوّات حماية أمن إسرائيل، من خلال مطاردة المقاومة الفلسطينية واستهدافها ونزع سلاحها، بعد عجز الاحتلال عن القضاء على المقاومة، التي ما زالت تتصدى لقوّاته، وتوقع الخسائر بصفوفه يوميًا، رغم استخدام الاحتلال نهجَ حرب إبادةٍ جماعيةٍ وحضاريةٍ، واعتماده سياسة الأرض المحروقة، وتفجيره المربعات السكنية الواحد تلو الآخر، من خلال أسلوب الأحزمة النارية. وعليه تأتي المبادرة الإسرائيلية الأميركية لإخراج الاحتلال من المستنقع الغزاوي، واستبداله بقوّاتٍ فلسطينيةٍ وعربيةٍ، لتصبح الخسائر بالأرواح عربيةً- عربيةً. هذا ما دفع المقاومة الفلسطينية إلى رفض وجود أيّ قوّاتٍ أجنبيةٍ وفقًا لهذه المبادرة، وإعلانها أنّها ستتعامل معها على اعتبارها قوّات احتلالٍ.

أخيرًا، نأمل أنّ إصدار "إعلان المنامة" لم يكن تماشيًا مع خطة الاحتلال، إنّما صادرٌ عن جهل القادة الـ 22 بالتاريخ والقانون الدولي، فهم يطالبون بإرسال قوّات حفظ سلامٍ دوليةٍ، رغم أنّ أقدم وأول بعثةٍ دوليةٍ لقوّات حفظ السلام على الإطلاق كانت وما زالت في فلسطين "يونتسو"، ومقرها في مدينة القدس، وذلك منذ عام 1948. إذ استمر تواجد المراقبين العسكريين للبعثة في الشرق الأوسط بهدف "مراقبة وقف إطلاق النار منذ ذلك الحين، بغرض الإشراف على اتّفاقيات الهدنة، ومنع الحوادث المنفردة من التصاعد، ومساعدة عمليات حفظ السلام الأخرى، التابعة للأمم المتّحدة، في المنطقة لتنفيذ مهمتهم". إلّا أنّ هذه البعثة، لم تستطع تنفيذ أيّة مهمةٍ من مهماتها، واكتفت بأن تكون شاهدةً على احتلال إسرائيل للضفة الغربية، وقطاع غزة، وسيناء، والجولان، وما رافق هذا الاحتلال من مجازرٍ، كما كانت موجودةً خلال ارتكاب الفظائع بحقّ الشعب الفلسطيني في الانتفاضتين الأولى والثانية، وها هي تشاهد اليوم بصمتٍ، حالها حال الكثيرين من المشاهدين حول العالم، أفظع إبادةٍ جماعيةٍ بحقّ الفلسطينيين منذ النكبة الفلسطينية.

المساهمون