قمة "الناتو" في فيلنيوس.. قضايا خلافية وتزايد خيبة أوكرانيا

10 يوليو 2023
ينس ستولتنبرغ والرئيس الليتواني جيتاناس ناوسيدا (بيتراس مالوكاس/فرانس برس)
+ الخط -

على بعد نحو 40 كم من حدود بيلاروسيا وجيب كالينينغراد الروسي، تتزين شوارع العاصمة الليتوانية فيلنيوس برايات حلف شمال الأطلسي (ناتو) وأعلام البلد وأوكرانيا استعداداً لقمة قادة الحلف يومي الثلاثاء والأربعاء القادمين، الذين تنتظرهم قضايا خلافية لم تحسم خلف الأبواب المغلقة في بروكسل.

الشيء الأكيد في هذه القمة أن الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ سيستمر في منصبه حتى خريف العام القادم، لكن أيضاً ستكون هناك نقطة خلافية على من سيخلفه وخصوصاً أن الحلف لا يريد أن يظهر متزعزعاً.

أوكرانيا... خلافات وحلول وسط

 ومن بين أهم ما سيتعين على قمة فيلنيوس التوافق عليه هو قضية عضوية أوكرانيا في الناتو؛ فكييف، التي تواجه الغزو الروسي لأراضيها منذ 24 فبراير/شباط 2022، تسعى لتسريع ربطها بالحلف وبقاء مدها بالسلاح.

وتحدث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الجمعة الماضي، عن رغبته في تقديم قمة الأطلسي "إشارة واضحة للغاية ومفهومة" حيال عضوية بلده في الناتو بعد الحرب. وفي ثنايا حديث زيلينسكي بعض "الخيبة" التي يشعر بها، وبصورة مباشرة قال الرجل: "نحن بحاجة إلى الصدق في علاقاتنا".

وكشفت مصادر صحافية غربية، قبل القمة الحالية بيومين، أن زيلينسكي ربما لن يحضر القمة شخصياً، إذا لم تكن هناك إشارات واضحة أو "قرارات شجاعة"، وربما يكتفي بالتحدث عبر الفيديو كمؤشر على وجود خيبة الأمل.

وتسارعت في الساعات الأخيرة مساع دبلوماسية لتليين الموقف الأميركي على وجه الخصوص بشأن مستقبل علاقة كييف بالأطلسي، ففي تفاصيل الخلافات، تتمسك واشنطن وبرلين بموقف سلبي من تقديم إجابات واضحة، معتبرين أن ذلك يمكن أن يستفز الكرملين، الذي يعتبرونه في موقف حرج لا يمكن التنبؤ الآن بردود أفعاله.

الموقف الأوكراني على هامش هذه القمة يلقى دعماً من أطراف أوروبية مهمة لانتشار ووجود حلف شمال الأطلسي على تخوم روسيا، فدول البلطيق، ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا، ودول اسكندنافية وبولندا وغيرها تدعم كييف، وتريد موقفا أميركياً لا يتغير بعودة محتملة للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وخصوصاً أن موقفه سلبي من دعم أوكرانيا والعلاقة عبر الأطلسي بصورة عامة.

ويتسلح داعمو ذلك الموقف بأن قمة بوخارست الأطلسية، في 2008، جرى فيها إبلاغ أوكرانيا وجورجيا بأنهما ستكونان قادرتان على الانضمام "على المدى الطويل"، وبرأيهم، فإن هذا الأمر يجب أن يُحسم.

إلى ذلك، تطالب كييف بدعم من بولندا، وبإسناد بريطاني وفرنسي مستجد، وبضمانات أمنية مستقبلية تشبه الحماية، وإن كانت من دون انخراط علني للحلف في وقف الغزو الروسي. ويقصد بذلك مواصلة عمليات تسليم ضخمة للأسلحة والمعدات العسكرية والدعم المالي الذي يجب أن يبقي الدولة الأوكرانية تعمل، ويساعدها في إعادة بناء البلاد على المدى الطويل، برغم تزايد الخلاف الأوروبي الأميركي بشأن دعم كييف بقنابل عنقودية.

إذاً، قبل القمة، تزايدت الضغوط الأوروبية على الحليف الأميركي لتقديم ضمانات أمنية غربية لأوكرانيا على طريق ضمها إلى "الأطلسي"، ومفاوضات الأطراف في بروكسل، التي سبقت القمة الحالية، سارت على طريق شائك، يتجنب من خلاله بعض الغربيون ما يسمونه "عدم رفع مستوى الصراع"، أو "استفزاز روسيا".

ومع ذلك، يبدو أن واشنطن، المهمة جداً في ديناميكيات دعم أوكرانيا، تجد نفسها مضطرة للتراجع عن حذرها، وعدم انخراطها في مسائل خلافية على الجبهة الأوروبية للحلف، تحت ضغط الحلفاء في القارة العجوز.

وربما الأكيد وسط حالة الحرب إبقاء الأوروبيين ضغطهم على حليفهم الأميركي للاستمرار في دعم أوكرانيا بصورة لا تجعل شرر الحرب يتطاير نحو بقية القارة.

الحل الوسط المطروح على الطاولة يتمثل بما يسمى معاملة تفضيلية لأوكرانيا، وإطلاق يد الدول الأعضاء لعقد اتفاقيات ثنائية معها، إلى جانب إمكانية تشكيل ما يسمى "مجلس الناتو وأوكرانيا".

قضايا خلافية أخرى

وإلى جانب السؤال الأوكراني، هناك نقطة خلافية أخرى على طاولة الحلف، تتعلق بتوسيع عديد قوات "رد الفعل الأوروبية"، من 40 ألفاً إلى 300 ألف، يتوجب أن يكونوا في حالة تأهب قصوى.

السجال ليس على نشر تلك القوات على حدود دول القارة القريبة من روسيا وبيلاروسيا، حيث بالفعل زاد انتشار الناتو في دول البلطيق وبولندا ورومانيا. بل إن ما يُختلف عليه في أروقة الناتو يتعلق بالمال، وبحجم الفاتورة التي يتكلفها تسليح 300 ألف جندي يتمركزون بعيداً عن بلادهم، وإلى جانب أن في ذلك إشارة واضحة إلى عودة القارة إلى أجواء حرب باردة أكثر سخونة، ثمة خشية في بعض دول أوروبا من ارتفاع الميزانيات العسكرية أكثر بكثير مما كانت عليه خلال العقود الثلاثة الماضية.

وبرغم أن عواصم كثيرة يزدهر فيها اقتصاد العسكرة والاستثمار بالتسلح، وعودة المصانع والشركات العسكرية إلى كامل طاقتها الإنتاجية، إلا أن أخرى غير مستعدة لتحمل فاتورة العسكرة، ونشر مئات آلاف الجنود على حساب مجتمعاتهم، حتى ألمانيا التي وعدت ليتوانيا بإرسال نحو 4 آلاف جندي، في سياق "أطلسي"، لا تزال تتلكأ في تطبيق وعودها.

أضف إلى ذلك أن القمة تواجه معضلة استكمال عضوية السويد، بسبب موقفي تركيا والمجر المعترضتين، وفي الأيام الأخيرة تزايد الانخراط الأميركي، بعد فترة من انتقاد أوروبي بسبب الوقوف على الحياد، في النقاشات مع تركيا بشأن عرقلتها العضوية في الحلف الغربي.

يعتقد المراقبون أن المفاوضات بين واشنطن وأنقرة ربما تثمر عن "صفقات" تؤدي في نهاية المطاف إلى تلبية الأولى بعض المطالب التركية، ومنها الإفراج عن صفقات تسلح وطائرات أف 16.

على كل، ما هو أكيد في قمة حلف شمال الأطلسي في فيلنيوس هو أن الحلف مستمر، رغم الخلافات، في تطبيق استراتيجية "الدفاع المتقدم"، التي تقضي بتقوية وجود الحلف في دول البلطيق وفي الجناح الشرقي الأوروبي، وفق ما تبنته قمة مدريد في العام الماضي 2023.

والأهداف المحددة في مدريد تكمن في جعل الروس يفكرون مرات عدة قبل اختراق حدود ليتوانيا وغستونيا ولاتفيا، وغيرها من الدول الصغيرة في القارة، بتعزيز انتشار قوات الناتو"للردع" في تلك الدول، مع الزيادة الملحوظة لانتشار أميركي موسع في مناطق أوروبية يعتبرها "الأطلسي" حيوية.