قلق مصري من التقارب التركي الإماراتي الإسرائيلي

19 فبراير 2022
بن زايد مرحباً بأردوغان خلال زيارة الأخير للإمارات (Getty)
+ الخط -

وسط أنباء عن تعثّر المفاوضات بين المخابرات المصرية ونظيرتها التركية، بسبب بعض الملفات، مثل رفض أنقرة تسليم معارضين مصريين يعيشون على أراضيها، وتمسّك تركيا بالبقاء في ليبيا، وفي ظل التقارب الظاهر أخيراً بين أنقرة من جهة، وأبوظبي وتل أبيب من جهة أخرى، تجد القاهرة نفسها في موقف تراه مقلقاً على المستوى الإقليمي والدولي، بحسب ما أكده مسؤول سابق في وزارة الخارجية المصرية في حديث خاص لـ"العربي الجديد".

ملفا ليبيا والمعارضين يعيقان استعادة علاقات مصر وتركيا

وقال المسؤول، الذي تحفظ على نشر اسمه، إن "كلاً من مصر وتركيا تعلمان جيداً أن هناك مصالح مشتركة تجمعهما، ولذلك هناك محاولات متواصلة لاستعادة العلاقات الطبيعية بينهما من أجل تحقيق تلك المصالح، ولكن في طريق ذلك تقف عقبات كبرى لا تزال تعيق الأمر، أهمها الملف الليبي، يليه بنسبة أقل كثيراً ملف المعارضين المصريين".

وأوضح المصدر أن "مفاوضات التقارب السرية بين القاهرة وأنقرة، والتي يقودها مدير المخابرات العامة المصرية اللواء عباس كامل، مع رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان، هدفها إيجاد أرضية مشتركة تسمح لمصر بلعب دور فعّال في المنطقة وتحقيق مصالحها".

وأضاف المصدر أن "رغبة القاهرة في تسلّم بعض المعارضين الذين يعيشون في تركيا، وهي رغبة شخصية للرئيس عبد الفتاح السيسي، في ظلّ رفض الأتراك ذلك، لا سيما وقد مُنح معظمهم أخيراً الجنسية التركية، تُعتبر مسألة هامشية يجب أن تتنازل عنها القاهرة لتحقيق مصالح استراتيجية أكبر، وخصوصاً على مستوى الأزمة الليبية، أو في البحر المتوسط، لما يمثله ذلك من أهمية اقتصادية وجيوسياسية كبرى بالنسبة إلى مصر، وذلك لن يتحقق إلا بتجاوز القاهرة للملفات الصغرى".

خسارة مصر مركزها في ليبيا، لا سيما في شرقي البلاد، سمح بتدخل تركيا كبديل لملء الفراغ

وقال المصدر إن "خسارة مصر مركزها في ليبيا، لا سيما في شرقي البلاد، سمح بتدخل تركيا كبديل لملء الفراغ، وخصوصاً في ظلّ الأنباء التي تؤكد تنظيم جهاز المخابرات التركي سلسلة زيارات لرجال الأعمال الأتراك المهتمين بقطاع البناء وأعمال كبرى أخرى إلى بنغازي".

وأشار إلى أن ذلك "يهدد بسحب عقود إعادة الإعمار المربحة من الشركات المصرية". كما لفت المصدر إلى "التواصل التركي مع اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حليف مصر".

محاولة الإمارات أخذ دور مصر

وأشار المصدر إلى أنه في ظل ذلك التعثر في المباحثات بين القاهرة وأنقرة، "تجد الإمارات لنفسها مساحة جديدة للوجود كلاعب إقليمي رئيسي بديل عن مصر، التي تنازلت، سواء بإرادتها أو بغير إدارتها، عن دورها الإقليمي كلاعب رئيس في المنطقة، وأصبحت تحاول احتكار العلاقة مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي".

ولفت المصدر إلى أنه "منذ العام 2013، كانت الإمارات تقف بقوة خلف السياسة المصرية، التي كان يتم وضعها بالأساس بالتفاهم مع أبوظبي. فعلى سبيل المثال، كانت الخطة التي اتبعتها مصر في شرق ليبيا والمتمثلة في دعم حفتر بالطيران القتالي والمسيّر، تتم بواسطة الأموال الإماراتية".

وأضاف "مع تطور الأحداث، وفشل ذلك المخطط وتمدد الوجود التركي في ليبيا وتثبيته هناك، بدأت أبوظبي في الانسحاب تدريجياً من اتفاقها مع مصر، وأصبحت تبحث عن دور قيادي بديل عن القاهرة، فأصبحت تسعى لتوسعة علاقاتها الإقليمية وخصوصاً مع إسرائيل وتركيا".

وتوقع المصدر أن يصل التعاون والتنسيق بين الإمارات وتركيا في ليبيا إلى "آفاق أوسع"، وخصوصاً بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإمارات أخيراً، حيث التقى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.

مسؤول مصري: أتوقع أن يصل التعاون بين الإمارات وتركيا في ليبيا إلى آفاق أوسع

وقال المصدر إن "الإمارات التي لطالما كانت الحليف الأقرب لنظام السيسي، تزداد قرباً يوماً بعد يوم من كل الخصوم السياسيين لمصر، وتدعم مشاريعهم التي تهدد الأمن القومي المصري على أصعدة مختلفة".

وأشار إلى أن "الإمارات التي عبّرت عن غضبها في بداية التقارب المصري التركي وبدء عقد الجلسات الاستكشافية بين وزارة الخارجية المصرية ونظيرتها التركية، وأنَّبت القاهرة على ذلك الأمر، هي نفسها التي تستقبل اليوم أردوغان استقبال الأباطرة والملوك".

وتابع المصدر "آن الأوان أن تراعي مصر مصالحها الاستراتيجية، بعيداً عن إرادة حلفائها الخليجيين، الذين لطالما استخدموا ورقة الدعم المادي للضغط على مصر وتوجيه سياستها بما يخدم مصالحهم، كما حدث عندما تورطت مصر في حروب بالوكالة ضد أعداء الدول الخليجية التقليديين من الإسلاميين في مصر وليبيا ومناطق أخرى".

وأضاف "هذه الحروب لا تعود على مصر بأي فائدة، بل على العكس أدت إلى خسارتها مكانتها الإقليمية كلاعب أساسي في المنطقة".

التقارب التركي الإماراتي الإسرائيلي ومصلحة مصر

من جهة أخرى، قال دبلوماسي مصري بارز لـ"العربي الجديد"، إنه "على عكس ما يراه البعض من أن هناك خطورة على مكانة مصر في مواجهة التحالف التركي الإماراتي الإسرائيلي، فإن ذلك التحالف يمكن أن يصب في مصلحة القاهرة".

الإمارات تزداد قرباً يوماً بعد يوم من كل الخصوم السياسيين لمصر

وأشار المصدر إلى أن أردوغان "تحدث عن تصحيح العلاقات مع دول الجوار، مشيراً إلى مصر وإسرائيل معاً، من دون ذكر دول أخرى، وهو ما يعني أن ملف المصالحة مع مصر يعني الكثير بالنسبة إلى تركيا".

كما أن "الانفتاح بين تركيا والإمارات ربما يكون مدخلاً لتحسين العلاقات بين أنقرة والقاهرة على الرغم من التباينات في المواقف، هذا بالإضافة إلى علاقات مصر الجيدة مع إسرائيل والتي قد تساعد على بناء شراكة حقيقية بين القاهرة وأنقرة"، وفق المصدر نفسه.

حديث المصدر تشابه مع ما روّج له أخيراً الإعلامي المصري عمرو أديب، المحسوب على كل من النظام المصري والنظامين السعودي والإماراتي، في برنامجه على قناة "أم بي سي مصر" السعودية، إذ لمّح أديب إلى أن "مصر والإمارات والسعودية حلفاء، ويجب أن يتم التعامل من قبلهم مع أردوغان ككيان واحد".

وبينما غابت زيارة الرئيس التركي إلى الإمارات عن أخبار معظم وسائل الإعلام المصرية التي تديرها المخابرات العامة، تحدث أديب بشكل شبه منفرد عن الزيارة.

وقال "أردوغان لما يجي يتعامل، ها يبقى عارف أن في تحالف بين مصر والإمارات والسعودية، وأردوغان شاف المصلحة فين لأن في مصلحة مع السعودية والإمارات، وعايز يكلم مصر بخصوص ليبيا، فالتحالف بين مصر والسعودية والإمارات يعتبر جامعة عربية لوحده، والتغيرات كثيرة وهذه الدول لن تسمح بأن تكون دولها دول لاجئين".

دبلوماسي مصري: الانفتاح بين تركيا والإمارات ربما يكون مدخلاً لتحسين العلاقات بين أنقرة والقاهرة

وأضاف: "كل طوبة في أبوظبي والرياض والقاهرة حكام هذه الدول يحموها صباحاً ومساءً، ويوماً بعد يوم. الأمر ليس سهلاً وأرجو إن الناس ما تاخدش الأمر بكثير من الشعبوية. زيارة أردوغان للإمارات هي جزء من تغيّر كبير موجود في المنطقة، الحكاية مش علم تركيا على برج خليفة ولا حسين الجسمي عمل أغنية للشعب التركي".

وأشار أديب إلى أن "الدول ترتب أولوياتها وفقاً لمصلحتها في المقام الأول"، لافتاً إلى أن "إقامة علاقات مع دولة الإمارات فرصة تجارية وسياسية؛ لأنها مركز قوي في المنطقة".

وتابع "لماذا نمانع الأمر؟ الدنيا تتغيّر ومماثلة للعبة الشطرنج كل دولة تجري خطوتها فيها، يجب أن نفهم هذا الأمر، وطالما أنّ الدولة لا تفرّط في سيادتها والعلاقات قائمة على المصلحة وعدم التدخل في الشأن الداخلي، فأهلاً وسهلاً".

المساهمون