قلق قبلي في شرق ليبيا من تزايد نفوذ خليفة حفتر.. مخاوف من الاستغلال والترتيبات الغامضة

26 يونيو 2024
خليفة حفتر خلال خطاب في بنغازي، 24 ديسمبر 2022 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تزايد قلق الأوساط القبلية في شرق ليبيا بسبب توسع نفوذ خليفة حفتر وسيطرة مليشياته، مع تعبير قبيلة المنفه عن مواقف غاضبة تجاه المشاريع الغامضة على الحدود مع مصر ومطالبتهم بالمساواة والشفافية في المشاريع التنموية.
- استيلاء فرق حفتر على أراضي لضمها لمشاريع التنمية وتجاهل مطالب القبائل، مع استخدام العنف ضد القبائل المعارضة وتعزيز سيطرته بتعيين أولاده في مناصب قيادية.
- إقصاء حفتر للقبائل الأخرى وتثير استياءها، مع تشجيع قبيلة المنفه لقبائل أخرى على بناء توازنات جديدة في المنطقة، والقلق المصري من إنشاء قاعدة عسكرية روسية في طبرق.

تبدي الأوساط القبلية في شرق ليبيا قلقاً متزايداً، دفعها للتعبير عن مواقف غاضبة، من توسع نفوذ اللواء المتقاعد خليفة حفتر وسيطرة مليشياته، مطالبة أبناءها بـ"المساواة"، خاصة مع سعي الأخير الى إعادة هيكلة بناء قيادته من عناصر موالية له تنتمي لقبيلة الفرجان التي يتحدر منها. وفي آخر تلك المواقف مطالبة قبيلة المنفه بطبرق، خلال اجتماع ضم قياداتها مساء الاثنين الماضي، قيادة حفتر بتوضيح ما وصفته بـ"المشاريع الغامضة" في المنطقة الحدودية الشرقية مع مصر حيث يعيش أبناء المنفه. وتزامن إطلاق تلك المشاريع مع أنباء عن إنشاء قاعدة عسكرية بالمنطقة، ما أثار مخاوفهم من ارتباط تلك المشاريع بأهداف سياسية خارجية وليس بقصد التنمية.

وعبر المجتمعون، بحسب فيديو أظهر جزءاً مما جرى التداول بشأنه خلال الاجتماع، عن رفضهم لإجراءات حجز مليشيات حفتر لمساحات واسعة من أراضيهم وضمها لمشاريع ترفع "شعار التنمية" دون استشارتهم وإشراكهم فيها، بالإضافة لنشر عدد من النقط والحواجز الأمنية في المنطقة، معتبرين ذلك إهانة لهم. وفيما لم يصدر أي رد من جانب قيادة حفتر على الفور، خرج عدد من النشطاء الموالين لحفتر من مدينة طبرق عبر وسائل إعلام محلية للتأكيد على ولاء طبرق للواء المتقاعد وقيادته. لكن الناشط عقيلة الأطرش، المطلع على تفاصيل الاجتماع، أكد أن هدفه كان للتشاور حول موقف القبيلة وأهل طبرق من تصرفات وممارسات الفرق الأمنية التابعة للكتيبة 106 التابعة لنجل حفتر، خالد، والمكلفة بتأمين طبرق.

صلاحيات مطلقة لفرق حفتر الأمنية

أوضح الأطرش في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه منذ أن افتتح خالد معسكراً لكتيبته في طبرق نهاية عام 2022 "باتت سيطرة فرقه الأمنية تتزايد، وتمارس صلاحيات مطلقة دون الرجوع للمجلس البلدي أو مديرية أمن طبرق، وآخرها الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي في المنطقة بحجة ضمها لمشاريع التنمية والبناء التي يقودها نجل حفتر الآخر بلقاسم الذي يترأس صندوق الإعمار بالمنطقة الشرقية".

واستبعد الأطرش أن يقدم حفتر على اعتقال مشاركين في الاجتماع القبلي في طبرق، مرجحاً أنه سيلجأ لسياسة التجاهل، في الوقت الذي سيحاول فيه تحريك أنصاره في المنطقة لإظهار الولاء له. ولفت المتحدث ذاته إلى أنه إجراء سبق أن تعامل به حفتر مع قبيلة الدرسة التي نظمت اجتماعات علنية للمطالبة بالكشف عن مصير ابنها عضو مجلس النواب إبراهيم الدرسي الذي اختفى في بنغازي منذ منتصف مايو/ أيار الماضي. واستدرك الأطرش بالإشارة إلى أنه إذا شكلت تحركات أي قبيلة خطراً مباشراً عليه فيستخدم العنف كما هو الحال مع قبيلة البراغثة التي اعتقل العشرات من أبنائها وأغلق بنغازي لأسبوع كامل إثر أحداث اعتقال وزير الدفاع السابق المهدي البرغثي في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قبل أن تتبلغ قبيلته بمقتله.

وتعد هذه القبائل من أكبر قبائل شرق البلاد، بالإضافة لقبيلة العبيدات، حيث تتقاسم النفوذ كل في رقعة انتشارها وتعتبرها وفق التقليد الموروث "أمراً مقدساً ومرتبطاً بتاريخها"، بحسب تعبير الأطرش، الذي يرى أن حفتر أصبح هو الآخر يهتم بهذا الأمر "مدركاً خطورته، فمنذ أشهر وهو يصدر القرارات لإقصاء الشخصيات التي تتحدر من قبائل قد تشكل له قلقاً ويعين بديلاً عنها شخصيات من قبيلته (قبيلة الفرجان) في مراكز قيادته العليا والحساسة، ومنها تعيين أولاده قادة لأقوى مليشياته كصدام قائد القوات البرية وخالد قائد القوات الأمنية".

حفتر يحيط نفسه بأقرب الموالين

وبعد سنوات من قيادته لمليشيات "اللواء طارق بن زياد" ثم تكليفه "آمراً لعمليات القوات البرية"، أعلنت قيادة حفتر تسلم صدام حفتر رئاسة "أركان القوات البرية" مطلع يونيو/ حزيران الجاري، وتم ضم كل المليشيات المنتشرة في وسط وجنوب البلاد لأمرته. ونهاية العام الماضي أصدر حفتر قراراً بإنشاء رئاسة جديدة أطلق عليها "رئاسة أركان الوحدات الأمنية" وعيّن نجله الآخر آمراً لها وضم كتيبتي "خالد بن الوليد" و"106" المنتشرتين في أغلب مناطق الشرق الليبي إلى رئاسته. وفي آخر إجراءات حفتر الهادفة لإحاطة نفسه بشخصيات من قبيلته، عيّن زوج ابنته أيوب الفرجاني سكرتيراً خاصاً لديه، بديلاً من اللواء خيري التميمي، بالإضافة لابن عمه أيوب الفرجاني قائد "الكتيبة 166" آمراً لحرسه الخاص.

ولفت الأطرش إلى أن إجراءات حفتر الأخيرة تعني في الثقافة القبلية إقصاء لها، مشيراً إلى أن "الوضع الحالي مرتبط بأسباب أخرى سابقة جعلت تلك القبائل تنظر لحفتر كخائن استخدم أبناءها وقوداً لحروبه ليصل إلى مكانته الحالية من دون أن يشركها في الحكم، وهو ما قالته قيادات في قبيلة البراغثة عندما استخدمها في بنغازي وأقصاها، وكذلك قبيلة المغاربة في أجدابيا عندما استخدمهم في السيطرة على الهلال النفطي واستبعدهم، ولذا الآن الشراكة في المشاريع التنموية هو عنوان المطالب".

في المقابل، اعتبر الأكاديمي أحمد العويب أن اجتماع قبيلة المنفه "مختلف عند قراءة توقيته ومكانه، وربما يكون فاتحة نحو تشجع غيرها لبناء توازنات جديدة في المنطقة"، موضحاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أن ذلك يعزى إلى تركيز المجتمعين في طبرق في حديثهم حول المشاريع الواقعة على الحدود المشتركة مع مصر ووصفها بالغامضة، وكذلك ربطها بالأحداث المتعلقة ببناء قاعدة عسكرية. وقال "هم يقصدون بلا شك القاعدة العسكرية الروسية في طبرق وإعلان حفتر عن زيارات قطع روسية بحرية هو ما أثار المخاوف أكثر، وعلينا أن نتساءل الآن هل يكون وراء هذا الاجتماع ظل مصري، قد يعكس قلقاً من القاهرة ومخاوف من إنشاء قاعدة على بعد خطوات من حدودها التي تستولي مليشيات حفتر على مساحات واسعة من الأراضي على تخومها بحجة التنمية".

وأشار العويب الى أن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي (يتحدر من قبيلة المنفه) "شخصية قيادية بارزة لها صلات وقرب من السياسات المصرية"، مضيفاً أن "المنفه قبيلة لها احترامها الخاص في الوسط الاجتماعي شرق البلاد، فعمر المختار أبرز رموزها التاريخية، وربما تحمل هذه الشخصية وجهادها ضد المستعمر في التاريخ رسالة ما للروس وحفتر على حد سواء، فالإرث الجهادي مكون أساسي من مكونات النفوذ والمكانة التي تحرص القبائل على التمسك والحفاظ عليها، ويمثل أساساً في الكثير من الأحيان لقرارتها".

المساهمون