قطع الطرقات في لبنان مستمرّ... وجدل حول موقف الجيش

بيروت
ريتا الجمّال (العربي الجديد)
ريتا الجمّال
صحافية لبنانية. مراسلة العربي الجديد في بيروت.
09 مارس 2021
+ الخط -

يرفض المحتجون في لبنان الخروج من الشارع ويصرّون على البقاء في السّاحات لمواجهة الطبقة الحاكمة التي قرّرت، أمس الإثنين، على حدِّ قولهم، بعد الاجتماع في قصر بعبدا، مقرّ رئاسة الجمهورية، الضغط من أجل فتح الطرقات بالقوّة وإحداث معركة بين المعتصمين والأجهزة الأمنية والعسكرية.

وتؤكد مجموعة من المعتصمين أنّ التحرّكات مستمرّة اليوم، الثلاثاء، وسيكون لبنان أمام أسبوع غضب في ظلّ فوضى سعر صرف الدولار الذي يراوح بين 10400 و10600 ليرة لبنانية، وتفاقم الأزمات على مختلف المستويات.

ودعت مجموعات مدنية جميع اللبنانيين للنزول بكثافة إلى الشارع دعماً للتحركات الشعبية المحقة، والوقوف بوجه القرارات الصادرة عن اجتماع بعبدا، وهو ما تعتبره بمثابة انقلاب أمني على مطالب الناس ودفع مؤسسات الدولة وأجهزتها لقمع المواطنين.

كذلك، أعلنت بعض المجموعات عن تحركات يوم الجمعة المقبل، تنطلق من وزارة الداخلية في بيروت إلى مجلس النواب.

وقد دعا رئيس البرلمان نبيه بري إلى عقد جلسة عامة، يوم الجمعة، في قصر الأونيسكو في بيروت، لدراسة وإقرار مشاريع واقتراحات القوانين المدرجة على جدول الأعمال.

وما زالت معظم الطرقات الرئيسة في مختلف المناطق اللبنانية مقطوعة بالمستوعبات والحواجز الإسمنتية والإطارات المشتعلة، على الرغم من طلب الرئيس اللبناني ميشال عون، أمس الإثنين، من "الأجهزة الأمنية والعسكرية أن تقوم بواجباتها كاملة وتطبيق القوانين من دون تردد"، مشدداً على أنّ "قطع الطريق مرفوض، والأمر بات يتجاوز مجرّد التعبير عن الرأي إلى عمل تخريبي منظّم يهدف إلى ضرب الاستقرار".

وقالت أوساط بقيادة الجيش اللبناني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجيش يرفض الوقوف بوجه الناس ومطالبهم المحقة، خصوصاً أنّ هناك طرقاً فرعية غير مقفلة أمام حركة السيارات ويمكن اللجوء إليها".

وأضافت الأوساط ذاتها، التي اشترطت عدم ذكر اسمها، أنّ "المسألة ليست مواجهة مع قرارات اجتماع بعبدا، أو تمرّداً، فالجيش سيتحرك عند تعرّضه لاعتداء، أو لحظة حصول أعمال شغب في الشارع تطاول ممتلكات عامة وخاصة، وغير ذلك فإنّ الناس تملك حرية التعبير بكافة الوسائل الديمقراطية".

وكان قائد الجيش اللبناني العماد جوزاف عون، قد شدد، أمس الإثنين، بعد اجتماع مع أركان القيادة وقادة الوحدات الكبرى، على أنّ "العسكريين يعانون ويجوعون مثل الشعب"، متوجهاً إلى المسؤولين بالسؤال: "إلى أين نحن ذاهبون، ماذا تنوون أن تفعلوا، لقد حذرنا أكثر من مرة من خطورة الوضع وإمكان انفجاره".

وأكد عون أن "الجيش مع حرية التعبير السلمي التي يرعاها الدستور والمواثيق الدولية لكن دون التعدي على الأملاك العامة والخاصة"، مشدداً على أنّ "الجيش لن يسمح بالمس بالاستقرار والسلم الأهلي".

ووُضِعَت تصرّفات الجيش في أكثر من خانة، أبرزها عدم نيته الدخول في الصراع السياسي والوقوف بوجه المعتصمين، واستعادة دوره ومكانته عند اللبنانيين، بعدما تزعزعت ثقة الناس به نتيجة أسلوبه الذي يوصف بالقمعي من قبل المتظاهرين والناشطين، وأخرى وضعتها في إطار المعركة الرئاسية التي دائماً ما تتجه الأنظار فيها إلى قيادة الجيش، في حين رأى البعض أنّ قائد الجيش جوزاف عون وجه أيضاً رسائل إلى كلّ من يحاول التحكّم بالتشكيلات العسكرية من الأفرقاء السياسيين.

تعليقاً على ذلك، قال رئيس "المركز اللبناني لحقوق الإنسان" وديع الأسمر، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجيش يفترض أن يكون ضمانة لأمن وسلامة المواطنين، ورغم عدم فتحه الطرقات حتى الساعة، إلّا أنه مع قوى الأمن الداخلي، لا يقومان بدورهما لناحية منع حصول احتكاك بين المتظاهرين والمواطنين العاجزين عن التنقل، والغاضبين من قطع حركة المرور عليهم".

واعتبر الأسمر أنّ الجيش اللبناني يلعب دوراً ملتبساً "إذ هناك في المقابل قمعٌ يمارس من قبله، والدليل الأحكام التي تصدر عن المحكمة العسكرية، وهي لسان حال قيادة الجيش، وإلّا فلتعلن براءتها مما يصدر عنها، وآخرها اتهامات الإرهاب على صعيد أحداث طرابلس، شمالي لبنان، الأخيرة، والتي تعدّ بمثابة تجريم للتحركات الاحتجاجية، ومحاولة سحب المشروعية من المنتفضين".

ويرى رئيس "المركز اللبناني لحقوق الإنسان" أنّ "خطاب قائد الجيش خطيرٌ من ناحية تصوير الجيش والعسكريين على أنهم ضحايا الأزمة الحالية، وهو تبرير لإمكانية استخدام قمع إضافي، علماً أنه في مراحل كثيرة ماضية، لم يتدخل الجيش سريعاً لفتح الطرقات، بل انتظر لوقتٍ معيّن أو ظروف ما قبل أن يتحرّك، منها ازدياد الاشتباكات بين المتظاهرين والمواطنين المارّة، وهو ما تنتظره مختلف الأجهزة الأمنية التي أحياناً تزج بمثيري شغب كتبرير لفضها الاعتصامات وتوقيف أشخاص وفتح الطرقات، وسبق أن كشف ذلك علناً وزير الداخلية السابق مروان شربل".

وبحسب اعتقاد الأسمر، فإن "الجيش يلعب اللعبة السياسية أيضاً لتحويل الضغط بين المواطنين أنفسهم في محاولة لإيجاد مشروعية للانقضاض على من يقفل الطرقات"، مشيراً إلى أنّ "الحلّ لن يكون أبداً بتحريك الأجهزة الأمنية والعسكرية، إنما يجب معالجة أسباب الأزمة، والمفتاح بيد السياسيين العاجزين حتى الساعة عن إيجاد حلول تحول دون نزول الناس إلى الشارع، وتقضي على خطاب المؤامرة والفتن الذي تتذرع به".

من ناحية ثانية، توقف الأسمر "عند شعارات تدعو إلى انقلاب عسكري، وتجعل من شخصيات عسكرية أو مرجعيات دينية الخلاص للوطن، في حين أنها جزء من المشكلة"، معتبراً أنّ "عدد المشاركين في التحركات ليس معياراً، ومحاولة استغلال أحزاب تقليدية للتحركات ووجع الناس لمكاسب سياسية شعبوية مزعجة جداً، لكن ذلك لا يتحمّل مسؤوليته الناس الموجودون في الساحات الذين يعانون من الأزمات المعيشية والنقدية وفقدوا الأمل على كافة المستويات".