استمع إلى الملخص
- **تعقيدات العدوان ومساعي التهدئة:** يسعى السنوار لعقد صفقة تبادل لوقف العدوان وتبادل الأسرى، بينما يحاول نتنياهو إطالة أمد العدوان لتحقيق مكاسب سياسية، مما يعقد الأمور ويزيد من فرص اتساع دائرة الحرب.
- **المصالحة الوطنية وتوسيع جبهات المقاومة:** شهدت العلاقة مع الفصائل تطوراً نوعياً منذ تسلم السنوار القيادة، وتسعى حماس لتوسيع المعركة الجغرافية وتشكيل كتلة إقليمية لمواجهة الكيان، مع أمل في قبول صفقة تضمن إنهاء العدوان.
بدايةً؛ لا بدّ من التأكيد على فرضية أنّ استقرار الأوضاع التنظيمية والقيادية لحركة حماس، بعد تسلم يحيى السنوار لأعلى منصب قيادي في الحركة، هي موضع شكٍّ في ظلّ ضبابية المشهد الفلسطيني كلّه، والتعقيدات الأمنية والعسكرية الصهيونية، إذ لم يتردد الاحتلال، في السر والعلن، في وضع السنوار على رأس قائمة التصفيات، محملاً إياه مسؤولية "طوفان الأقصى"، ولدوره الكبير في إدارة المعركة الميدانية والسياسية الحالية، فمسألة تصفيته، غير خاضعةٍ للنقاش الصهيوني، بل هي مسألة وقتٍ فقط، وفق ما يطرأ أو يستجد من معطياتٍ استخباريةٍ، كذلك لا بدّ من استحضار فكرةٍ أساسيةٍ أخرى، تتمثّل في غياب السنوار عن السياق الفلسطيني العام، بسب التهديدات الصهيونية، حتى بعد نهاية العدوان، بمعنى أنّه وفي حال ممارسته صلاحياته قائداً للحركة فإنّه سيبقى مختفياً عن الأنظار في الأمد المنظور، سواء بقي في القطاع، أو انتقل بحكم منصبه الجديد إلى خارج الوطن.
على هذه الأرضية التأسيسية يمكن التكهن بأنّ ثقل السنوار القيادي سيبقى في قطاع غزّة في حال بقائه فيه، مع تأثيرٍ محدودٍ في الحركة بالخارج، وكذا الأمر في حالة انتقاله إلى الخارج، ولعل ملف عدوان الإبادة، وإنهاء العدوان هو الأكثر الحاحاً وتعقيداً في هذه المرحلة المصيرية بالنسبة للحركة عامةً، والسنوار خاصّةً، إذ يسعى السنوار إلى عقد صفقة تبادلٍ معقولةٍ، في أقرب فرصةٍ ممكنةٍ، تضمن وقف العدوان نهائياً، وانسحاب الاحتلال من كامل قطاع غزّة، وتبادلاً للأسرى، وشروعاً في عملية إعادة إعمارٍ واسعةٍ، ولكن الأمر لا يتعلق بموقف حركة حماس، أو السنوار، بقدر ما يتعلق ببنيامين نتنياهو وشركائه في الائتلاف الحكومي، الذين وظفوا العدوان أداةً للحفاظ على مصالح نتنياهو الشخصية، وضمان استقرار ائتلافه الفاشي، لذا يسعى نتنياهو إلى إطالة أمد العدوان لأطول فترةٍ ممكنةٍ، بما يمكنه من تحقيق إنجازاتٍ كبرى على صعيد الحرب (اغتيال السنوار، وما تبقى من القيادة العسكرية والسياسية لحركة حماس في القطاع، أو إعلان الحركة الاستسلام؛ بقبولها شروط نتنياهو لإنهاء العدوان تحت ضغط آلة جيش الاحتلال العسكرية)، والوضع في المدينة المقدسة والضفّة الغربية، وبما يضمن صعود أسهمه الشعبية، وصولاً إلى الفوز في الانتخابات القادمة.
في "طوفان الأقصى"؛ اعتبرت قيادة حماس، السياسية والعسكرية، المرحلة الحالية مناسبةً للشروع في عملية التحرير، وإنقاذ المسجد الأقصى
لذلك لن يشذ موقف الحركة الحالي عن مواقفها طيلة أشهر العدوان السابقة من مسألة إنهاء العدوان، وعليه فإن السنوار وبقية صانعي القرار لن يقبلوا بصفقةٍ مشوهةٍ لا تنهي العدوان وامتداداتها، ما يعني استمرار العدوان بصيغٍ ووتائر مختلفةٍ، على الأقلّ حتى نهاية العام.
لكن هل تبقى الحرب محصورةً في قطاع غزّة، وفي جبهة الإسناد الرئيسية في جنوب لبنان حتى نهاية العام؟ يشير الواقع الميداني إلى أنّ فرص اتساع دائرة الحرب الجغرافية، خصوصاً من جبهة لبنان، تتصاعد في ضوء عجز الآلة العسكرية الصهيونية عن الحسم مع حزب الله، وعدم قدرة الكيان على تحمل استمرار تفاعل جبهة الإسناد من الشمال، واستمرار نزوح عشرات الآلاف إلى وسط فلسطين المحتلة وجنوبها، وهو سيناريو معقولٌ لكن من الصعب التنبؤ بمآلاته.
فلسطينياً؛ يختلف السنوار نسبياً عن بقية قيادات الحركة، خصوصاً في ملف المصالحة وإنهاء الانقسام، والعلاقة بين الحركة وفصائل العمل الوطني، خاصّةً حركة الجهاد الإسلامي، فبعد تسلمه قيادة الحركة في قطاع غزّة عام 2016 شهدت العلاقة مع الفصائل تطوراً نوعياً، توجَ بتشكيل غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة، بما ينسجم مع توجهه برفع وتيرة التنسيق والتشاور مع مركبات العمل الوطني في القطاع، وتوحيد روافد العمل المقاوم، بما ينسجم مع الإستراتيجية العامة للعمل المقاوم، المتفق عليها بحيثياتها الرئيسة، كما تجسدت روح العمل الجماعي في أجلى صورها في مسيرات العودة على الحدود الشرقية للقطاع عامي 2017 و2018.
أما على صعيد المصالحة وإنهاء الانقسام؛ فقد سارت حركة حماس، بدفعٍ من السنوار، خطواتٍ متقدمةٍ لأنهاء الانقسام عام 2017، بموافقتها على تشكيل حكومةٍ واحدةٍ للضفّة الغربية وقطاع غزّة، حينها أبدى السنوار مواقف علنيةً تصب في هذا الاتجاه، لكن بقيت مسألة مستقبل الموظفين، التي عينتهم حكومة غزّة، العقبة الرئيسية، إضافةً إلى الفيتو الصهيوني، الذي أفشل مشاريع المصالحة كلّها.
في "طوفان الأقصى"؛ اعتبرت قيادة حماس، السياسية والعسكرية، المرحلة الحالية مناسبةً للشروع في عملية التحرير، وإنقاذ المسجد الأقصى، أو على الأقلّ تهيئة الظروف لذلك، على أرضية توسيع مساحات المعركة الجغرافية إلى جبهاتٍ أخرى، وتشكيل كتلةٍ إقليميةٍ لمواجهة الكيان، وإطلاق موجةٍ للدعم والإسناد من العالمين العربي والإسلامي، واستجلاب كلّ التأييد الممكن من الرأي العام الدولي، ومن كلّ الأحرار والمتضامين مع الحقّ الفلسطيني. اليوم وعلى الرغم من تعقيدات الأوضاع الإقليمية والدولية، ومن صعوبة تشكيل محورٍ إقليميٍ شاملٍ لمواجهة الكيان، ومن استنفار الولايات المتّحدة، والدول الأوروبية الرئيسية لدعم دولة الكيان، إلّا أنّ قيادة الحركة، والسنوار تحديداً، لا تزال يأمل في توسع ساحة المعركة، وانضمام جبهاتٍ أخرى. لكن إذ عرض على الحركة صفقةً جديةً، تضمن إنهاء العدوان، وانسحاب الاحتلال من قطاع غزّة كاملاً، واتّفاقاً معقولاً لتبادل للأسرى، فلن يتردد السنوار وقيادة الحركة عن قبولها.
بالمحصلة، وفي حال استمرار قيادة السنوار لحماس، فإن أوضاع الحركة، ومنظومة علاقاتها وتفاعلاتها مع الأطراف الأخرى، ومستقبل حرب الإبادة، لن يطرأ عليهم تغيراتٌ جوهريةٌ، أو تحولاتٌ نوعيةٌ غير مألوفةٍ. في حين ستنشغل الحركة بإعادة بناء وتمتين صفها الداخلي بعد نهاية العدوان، وكذلك في تهيئة الأجواء لعملية إعادة إعمارٍ شاملةٍ وطويلةٍ، ضمن اتّفاق هدنةٍ، أو وقف إطلاق نارٍ يمتد لعقدٍ أو عقدين، مع التركيز على جبهة الضفّة الغربية، وإبقاء حالة المواجهة والالتحام وتصعيدها إن أمكن.