قالت مصادر مصرية، مهتمة بملف الأزمة الليبية، وأخرى غربية، إن اللجنة المصرية المسؤولة عن إدارة هذا الملف، سعت بقوة، ولا تزال تسعى، للتوافق أكثر مع الموقف الإيطالي من الأزمة في ليبيا، بطرق عدة، في مقدمها ضمان حشد أكبر تأييد ممكن للتحالفات المصرية الإقليمية والدولية، بما ينعكس على دعم وتقوية نفوذها في الدولة الجارة.
وأوضحت المصادر المصرية، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، أن الدائرة المقربة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، تجد في التقارب مع إيطاليا بشأن الملف الليبي فرصة لتخفيف أي ضغوط محتملة عليها في ملف اتهام ضبّاط مصريين بقتل الطالب جوليو ريجيني، بعد تعذيبه، في عام 2016.
وتدرك القاهرة أن هذا الملف، يمثل رأس الحربة في الانتقادات الأوروبية والأميركية، للسجل السيئ لمصر في مجال حقوق الإنسان. ويأتي ذلك خصوصاً أن لدى هذه الدائرة اقتناعاً تاماً، بأن ملف ريجيني، مهما خبا الاهتمام العالمي به في فترات معينة، فإنه سيبقى مهدّداً للنظام المصري في لحظة ما يقرّرها الأوربيون، وفق حساباتهم ومصالحهم.
دبلوماسي مصري سابق: المسألة القانونية المرتبطة بوفاة ريجيني ربما ستستمر لسنوات
وكان ريجيني يجري أبحاثاً عن النقابات العمالية المصرية، وهي قضية سياسية حسّاسة، وتمّ خطفه في يناير/ كانون الثاني 2016 من قبل مجهولين، وعُثر على جثته المشوهة التي تحمل آثار تعذيب شديد بعد أيام في ضواحي العاصمة المصرية. وأدت هذه القضية، التي لم تطوَ بعد، إلى تسميم العلاقات بين القاهرة وروما واتهمت إيطاليا السلطات المصرية بانتظام، بعدم التعاون والتضليل. والضباط الأربعة المتهمون بالقضية هم: اللواء طارق صابر، والعقيدان آسر كامل محمد إبراهيم وحسام حلمي، والرائد إبراهيم عبد العال شريف المتهم بتنفيذ عملية القتل.
وقال دبلوماسي مصري سابق، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "قضية جوليو ريجيني تعتبر أصدق تعبير عن المستوى المتدني الذي وصلت إليه السياسة الدولية، والتي تضع المصلحة فوق أي اعتبار أخلاقي". وأوضح المصدر أن "المصالح (الاستراتيجية) التي تربط روما والقاهرة، تجعل من فاجعة قتل الشاب الإيطالي بالتعذيب، قضية هامشية، لا تستحق أن تفسد العلاقات بين البلدين بسببها، لا سيما في ظل تصاعد أصوات اليمين في إيطاليا، وفي أوروبا بشكل عام، والتي تنادي بإعلاء المصلحة الوطنية على القضايا الإنسانية".
ولفت المصدر إلى أن "صفقات السلاح التي تبيعها روما إلى القاهرة، إضافة إلى المصالح المشتركة بين الطرفين، في ما يتعلق بالقضايا الإقليمية، مثل ليبيا، والبحر المتوسط، والطاقة، تجعل من الصعب أن تفكر الحكومة الإيطالية في تصعيد القضية والاستمرار في محاكمة الضباط المصريين واستفزاز النظام المصري".
ورأى المصدر أن "المسألة القانونية المرتبطة بوفاة جوليو ريجيني، ربما ستستمر لسنوات لمعرفة المسار الدقيق للأحداث، وهي إثبات للحاجة الملحة للعدالة في جميع أنحاء العالم".
وقال الدبلوماسي المصري السابق، إن القاهرة "تراهن على أصوات اليمين الإيطالي، التي تؤكد أهمية بناء علاقات قوية مع النظام المصري، حتى لو كان يرتكب انتهاكات بملف حقوق الإنسان بشكل عام، وحتى لو رفض التعاون في قضية ريجيني بشكل خاص".
وأضاف المصدر أنه "على الرغم من رفض نظام السيسي القاطع، البدء في إجراءات قضائية للتحقيق مع الضباط المسؤولين عن مقتل ريجيني، إلا أن العلاقات بين إيطاليا والغرب عموماً، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، من جهة، وبين مصر من جهة أخرى، تستند إلى مصالح ممتدة، ترتكز على النظرة إلى مصر باعتبارها لاعباً مهماً في جزء كبير من الملفات الإقليمية".
ولا تزال قضية قتل وتعذيب طالب الدكتوراه الإيطالي الذي اختطف وقتل في مصر عام 2016، جوليو ريجيني، تراوح مكانها، بعد مرور أكثر من 4 أشهر على صدور التقرير النهائي للجنة البرلمانية الإيطالية الخاصة حول مقتل ريجيني بعد عامين من التحقيقات، فيما عُلّقت المحاكمة الغيابية لأربعة ضباط شرطة مصريين متهمين بقتل الطالب الإيطالي إلى أجل غير مسمى فور افتتاحها في 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي في روما.
ويوم الجمعة الماضي، قالت باولا ريجيني، والدة جوليو ريجيني، خلال منتدى البيت المشترك في مؤسسة فيلترينيلي في ميلانو، إن "القرارات الأوروبية مثل فقاعات الصابون... لا شيء يحدث على الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط". وأضافت أنه "في الواقع، لقد رأينا خيبة أمل كبيرة في كيفية استقبال الاتحاد الأوروبي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على السجادة الحمراء للحديث عن مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي عام 2021".
تسعى اللجنة المصرية المسؤولة عن إدارة الملف الليبي، للتوافق أكثر مع الموقف الإيطالي
وبحسب باولا ريجيني، فإن هذا بالنسبة للسيسي "وسيلة للقاء أوروبا والأمم المتحدة وجميع الرؤساء المختلفين". واعتبرت أنه "لهذا السبب، فقد حان الوقت للسياسة لاتخاذ قرارات تجاه حقوق الإنسان... لم تعد القرارات كافية". وأضافت: "على أي حال، نحن هنا الليلة... لأن ابننا، وهو شاب إيطالي يعتبر نفسه أوروبياً، قد تمّ التجسس عليه، وأسره وتعذيبه وقتله في مصر"، مشدّدة على "أننا كنا نبحث عن الحقيقة والعدالة لجوليو لمدة 6 سنوات... وعلى أي حال، فإن العثور على الحقيقة يمكن أن يساعد العديد من الأشخاص الآخرين".
وكانت اللجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، قد عقدت في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اجتماعاً لاستعراض تطورات ملف حقوق الإنسان في مصر، وبصفة خاصة عدم التعاون مع إيطاليا في قضية ريجيني.
واستعرض الاجتماع ظروف الاحتجاز، ومعاملة النشطاء الحقوقيين والسياسيين، مثل علاء عبد الفتاح وباتريك جورج ومحمد الباقر، ومتابعة قرار البرلمان الأوروبي، الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2020، بشأن تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر، والإحاطة بمستجدات قضية أعضاء المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
وبعيداً عن ملف الطوارئ وأهدافه، شهدت جلسة اللجنة إشارات عدة إلى خطورة الوضع في قضية ريجيني. وأكد عدد من المتحدثين ضرورة وقوف البرلمان الأوروبي إلى جانب أسرة المجني عليه في مطالبتها بكشف الحقيقة، والضغط لتقديم الجناة إلى المحاكمة في إيطاليا.
وكان التقرير النهائي للجنة الخاصة في البرلمان الإيطالي حول مقتل جوليو ريجيني قد كشف أن "المسؤولية عن خطف وتعذيب وقتل جوليو ريجيني تقع مباشرة على جهاز الأمن في جمهورية مصر العربية، وعلى وجه الخصوص على عناصر الأمن الوطني، كما أظهر بدقة التحقيق الذي أجرته النيابة العامة في روما".
ونشرت هذه الاستنتاجات بعد أسابيع فقط من تعليق المحاكمة الغيابية للضباط المصريين الأربعة. ووجدت المحكمة أنه من المستحيل المقاضاة بموجب القانون، من دون أن يكون الرجال الأربعة قد أُبلغوا رسمياً بالإجراءات المتخذة ضدهم. ولطالما رفضت مصر كشف عناوين الضباط للقضاء الإيطالي، الأمر الذي لا يمكن أن يقدم دليلاً على أن الضباط تهربوا طواعية من واجبهم بالمثول أمام القضاء.
وأرسلت روما طلب مساعدة قضائية جديداً إلى القاهرة، يركز على طلب إرسال عناوين المتهمين الأربعة المطلوبين، بهدف إعلامهم رسمياً بتحريك الدعوى ضدهم، مع الإشارة إلى حصول روما أخيراً على عدد من البيانات الخاصة بهم من "مصادر خاصة"، كصورهم وتواريخ ميلادهم.
وكانت هذه المطالبة القضائية رقم 68 إلى النيابة العامة المصرية لمساعدتها في إبلاغ المتهمين. وسبق أن أعلن الادعاء الإيطالي أنه وجّه 67 مطالبة قضائية من دون جدوى، بشأن أمور مختلفة منذ بدء التعاون القضائي المأزوم بين البلدين عقب مقتل ريجيني.
وبحسب القانون الإيطالي يمكن للمتهمين جميعاً مخاطبة الادعاء العام لنفي الوقائع. كما يمكنهم المطالبة بالمثول أمام الادعاء للإدلاء بأقوالهم. لكن مجرد تسلم تلك الإعلانات بأي صورة، يعني العلم المحقق بالقضية، وبالتالي عدم إمكانية إلغائها وضرورة استمرار المحاكمة، وهو ما تتحاشى مصر حدوثه.
وبحسب تقرير اللجنة البرلمانية، فإن المحققين تعرفوا على خمسة مشتبه بهم في عام 2018، جميعهم أعضاء في أجهزة المخابرات المصرية. وبحسب المحققين الإيطاليين، فإن عملاء الاستخبارات المصرية "عذبوا (الطالب) لأيام عدة بإحراقه وركله ولكمه واستخدام السلاح الأبيض والعصي" قبل قتله. وهذه الفرضية رفضتها القاهرة بشدة. وترى النيابة العامة الإيطالية التي أغلقت ملف أحد المتهمين الخمسة، أن الطالب توفي نتيجة مشاكل في التنفس بسبب الضربات التي وجهها إليه الرائد شريف.