فتحت أحداث وزارة الصحة الأخيرة، يوم الثلاثاء الماضي، وتفجّر قضية حصول رشوة في مكتب الوزيرة هالة زايد، الطريق أمام احتمالات إجراء تعديل وزاري في مصر، بعد إرجائه في يوليو/تموز الماضي بسبب تعذر حسم مصير وزير الخارجية سامح شكري. وعاد نواب الأحزاب الموالية للمخابرات العامة والمسؤولون الحكوميون في دواوين بعض الوزارات للحديث عن إجراء فحوص رقابية واسعة على عدد من مساعدي الوزراء الحاليين، تحديداً الصحة والشباب والرياضة والبترول والكهرباء والاتصالات، لاختيار قائمة نهائية من المرشحين للمناصب الوزارية، في ظل تكتم شديد من مجلس الوزراء.
هذا الاتجاه دعمته بعض الإجراءات غير المعتادة، التي طرأت على الأداء الحكومي منذ التحقيق مع سكرتير مكتب وزيرة الصحة المعرّف عنه بحرفي "أ. س." ومدير العلاج الحر وأربعة من مساعديه في الوزارة، ثم دخول الوزيرة زايد المستشفى مريضة في ظروف غامضة. وصدرت بيانات وزارة الصحة في اليومين الماضيين من دون ذكر اسم الوزيرة، كما تمت إحالة بعض مشاريع القوانين من مجلس الوزراء إلى البرلمان من دون عقد جلسة مجلس الوزراء يوم الأربعاء الماضي، نظراً لإرجائها بسبب رحلة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى باريس. وأخيراً حرص جميع الوزراء على المكوث في مكاتبهم طوال اليوم تقريباً، بحسب مصادر حكومية مطلعة، قالت إن تعليمات رئاسية صدرت لهم بهذا الشأن، فضلاً عن إلغاء جميع الفعاليات الخارجية التي كانت مخططة لهم خلال الأيام الأربعة الماضية، مما ترتب عليه إلغاء معظم المؤتمرات والندوات التي كانت وسائل الإعلام مدعوة لتغطيتها. وفجر أمس الجمعة، أصدر مدبولي قراراً بتكليف وزير التعليم العالي خالد عبد الغفار بأعمال وزارة الصحة لحين شفاء زايد. وكشف القرار الذي نشر في الجريدة الرسمية، عن تقدّم زايد بإجازة طبية مؤقتة.
لا صلاحيات لوزيرة الصحة حالياً في انتظار تحديد مصيرها من قبل السيسي
ويتطابق هذا التطور مع ما ذكرته مصادر حكومية مصرية لـ"العربي الجديد" في وقت سابق، من أنه قد تم سحب جميع الملفات التي تديرها زايد وإسنادها لاثنين من مساعديها وشخصيتين رقابيتين، بما في ذلك ملف متابعة الحالة الوبائية لفيروس كورونا، في انتظار ما ستنتهي إليه التحقيقات التي تباشرها النيابة العامة في قضية الرشوة التي فُجرت هذا الأسبوع في مكتبها.
وأضافت المصادر أن لا صلاحيات لزايد حالياً في انتظار تحديد مصيرها من قبل رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، بناء على ما ستثبته التحقيقات من علمها أو جهلها أو تراخيها إزاء تفاصيل قضية الفساد المضبوطة. وكشفت المصادر أن القضية لا تقتصر على المتهمين الذين ألقي القبض عليهم "وربما تمتد لتشمل شخصيات مقربة من هالة زايد من خارج الوزارة".
يذكر أن آخر تعديل على حكومة مدبولي كان في ديسمبر/كانون الأول 2019، وشمل تغيير حقائب الطيران المدني، والتضامن الاجتماعي، والسياحة والآثار، والتجارة والصناعة، والزراعة، والإعلام، والتعاون الدولي، بعد فصل الأخيرة عن وزارة الاستثمار، ونقل صلاحيات وزارة الاستثمار إلى رئيس الوزراء. وبحسب المصادر، فإن الرقابة الإدارية أصبحت معتادة على إجراء استعلامات عن الوزراء المختلفين وتحديث قائمة المرشحين لخلافتهم في كل أزمة تواجه وزارة معينة، تحسباً لتعليمات الرئاسة بإجراء تعديل وزاري سريع. وأضافت المصادر أن الرقابة تعتمد في جمع المعلومات على ضباط الاتصال التابعين لها في كل دواوين الوزارات، وعلى مديري مكاتب الوزراء ومعظمهم من ضباط الشرطة والرقابة الإدارية السابقين.
تسمية وزير الخارجية ستخضع لمشاورات بين مدبولي والسيسي
وعلى الرغم من أن هذا التنظيم الذي كان يبدو متماسكاً ومسيطراً على مجريات العمل داخل الوزارات، يتعرض للحرج بسبب استمرار وجود مؤشرات على قضايا فساد مالي وإداري ضخمة، إلا أن الرقابة الإدارية لن تبرح موقعها كجهة آمرة ناهية لها أولوية على الجميع، سواء في المتابعة الاعتيادية أو طرح أسماء المرشحين للحقائب. وأوضحت المصادر أن النظام اتّبع في المشاورات السابقة خلال شهر يوليو الماضي، منهجاً جديداً في المشاورات الأخيرة للتعديل، فبعدما كان معتاداً ألا يتم إبلاغ رئيس الحكومة ونواب البرلمان إلا بعد التوافق الكامل على الشخصيات المختارة بين جميع أجهزة النظام، ثم عقد لقاءات بينهم وبين رئيس الحكومة لتسجيل الملاحظات الأخيرة، منح السيسي هذه المرة صلاحيات أوسع للمخابرات العامة للاختيار والتفاهم مع رئيس الحكومة على الحقائب والمرشحين مع عرض القائمة النهائية على السيسي قبل إحالتها رسمياً للبرلمان.
وتسبّبت هذه الطريقة الجديدة في إثارة بعض الحساسيات بين المخابرات العامة والرقابة الإدارية والأمن الوطني، باعتبارهما الجهازين المكلفين بإعداد التقارير عن الوزراء لجهة الكفاءة والأداء والسيرة والاتصالات والعلاقات الداخلية. كما تسبّب هذا في تسريب بعض المعلومات عن التعديل قبل إتمامه، إلى نواب حزب "مستقبل وطن"، الموالين للأمن الوطني وبعض الإعلاميين القريبين من الجهاز نفسه، بعدة صور، مما أثار غضب الرئاسة والمخابرات، لا سيما بعد تداول بعض المعلومات غير الدقيقة عن وزراء يحظون بثقة السيسي بالفعل، ترغب بعض الأجهزة في إبعادهم أو إثارة الشكوك حولهم، أو مرشحين لم يكونوا قد أُقرّوا نهائياً لتولي الوزارة. وسعياً لعدم تكرار هذا الأمر، التزمت جميع الجهات الصمت هذه المرة، حتى بعدم الإفصاح عما جرى تماماً في قضية وزارة الصحة.
وأوضحت المصادر أن التعديل في وزارتي الصحة والرياضة يُعتبر الأسهل لجهة اختيار البدائل حالياً، إذا ارتأى السيسي ضرورة ذلك، معتبراً أن قضية الصحة تعود لتراخي الوزيرة في أداء مهامها، إلا أن الحقائب الثلاث التي تمثل مصدراً للخلاف وصعوبة إيجاد البديل هي الخارجية، والكهرباء، والاتصالات. فالمخابرات العامة تسعى لإبعاد سامح شكري والدفع بوزير جديد شاب أكثر حيوية، وعلى الرغم من كل ما قدمه شكري من خدمات للنظام، فإن هناك بعض الملاحظات على أدائه، وهناك من يلح على أن تغيير الوزير الآن سيكون له أثر إيجابي في مهمة إعادة بناء صورة النظام خارجياً، والتي كان إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وإلغاء حالة الطوارئ حلقتين أساسيتين منها.
أما الكهرباء، فيبقى السيسي غير متحمس للاستغناء عن خدمات الوزير محمد شاكر، الذي تقدم سابقاً بأكثر من اعتذار، قبل إيجاد بديل كفء له يكون على دراية بمختلف المشاريع التي تتشارك فيها الدولة في قطاع الكهرباء والطاقة مع المستثمرين الأساسيين من ألمانيا وروسيا والولايات المتحدة.
الأمر نفسه تقريباً يتكرر مع وزير الاتصالات عمرو طلعت، الذي سبق واعتذر عن عدم استكمال المهمة، ومن المقرر أن يقدم للرئاسة خلال العام الحالي نواة متماسكة لمشروع الربط الرقمي بين كل أجهزة الدولة وبدء استخدام الذكاء الاصطناعي في الحوكمة الإدارية. وهو مشروع يهتم به السيسي شخصياً في إطار تنفيذ خطته لخفض أعداد موظفي الجهاز الإداري، وإحكام السيطرة على البيانات الشخصية للمواطنين والشركات والأنشطة.
وكشفت المصادر أيضاً أن المخابرات تبحث مع الرقابة الإدارية ورئيس الوزراء ومعاونيه القانونيين والتنفيذيين بعض التغييرات التي وجّه السيسي بدراسة إجرائها على هيكل الحكومة، مثل عودة وزارة الاستثمار بعد إشراف رئيس الوزراء شخصياً عليها لنحو عامين ونصف، وذلك لخلق آلية متابعة أكثر دقة للعلاقات مع المستثمرين العرب والأجانب، والمشاكل التي تطرأ معهم وتحركاتهم داخلياً وخارجياً إزاءها. وبحسب المصادر فهذا التصور مرتبط بشكاوى قدمها بعض رجال الأعمال للرئاسة خلال الأشهر القليلة الماضية، تفيد بافتقار هذا الملف للمرونة والتفرغ من قبل وزير مدرك جيداً لأبعاد عملهم.
ومن المتوقع إسناد هذه الحقيبة في حال الاستقرار على عودتها إلى مسؤول بارز في وزارة المالية، بترشيح خاص من رئيس الوزراء ووزير المالية محمد معيط، فيكون تسيير الملف مرتبطاً بأعمال المالية وعلى ضوء احتياجاتها المتغيرة، فضلاً عن الإشراف المشترك على لجان تسوية المنازعات.
وتتجه المقترحات إلى العكس بالنسبة لوزارة قطاع الأعمال العام، الذي يرى البعض في الرئاسة ودائرة السيسي أن اختصاصاتها ما زالت غير منتجة، في ظل تداخلها مع اختصاصات وزارات أخرى، كالتخطيط والاستثمار والصناعة وإمكانية دمجها في أحدها، وضعف مردود جميع الوزراء الذين أداروها بسبب الخلافات مع مسؤولي الشركات القابضة، وصعوبة تنفيذ المهام المسندة إليهم لتحديث هذا القطاع وتغيير سياساته الجامدة.
وتنص المادة 129 من لائحة مجلس النواب على التصويت على التعديل الوزاري "جملةً واحدة"، فيما تنص المادة 147 من الدستور على أن "لرئيس الجمهورية إعفاء الحكومة من أداء عملها بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، أو إجراء تعديل وزاري بعد التشاور مع رئيس الوزراء، وموافقة المجلس بالأغلبية المطلقة للحاضرين؛ وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس"، مما يعني أنها أغلبية خاصة تتطلب حضور أكبر قدر من نواب الأغلبية.
الحقائب الثلاث التي تمثل مصدراً للخلاف وصعوبة إيجاد البديل هي الخارجية، والكهرباء، والاتصالات
ورجحت مصادر مطلعة في مجلس النواب تصويت المجلس على تعديل وزاري محدود في حكومة مدبولي قبل انتهاء العام الحالي، يشمل حقائب أبرزها الخارجية والصحة والثقافة والإعلام والبترول والتعليم العالي وقطاع الأعمال العام. وأفادت المصادر لـ"العربي الجديد"، بأن اعتقال عدد من مسؤولي وزارة الصحة على خلفية قضية فساد مالي، ووضع زايد في مستشفى تابع للمخابرات العامة، قد يعجلان من إجراءات التعديل الوزاري، وعرضه على مجلس النواب للتصويت النهائي خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
وأوضحت المصادر أن تسمية وزير الخارجية ستخضع لمشاورات بين مدبولي والسيسي، استناداً إلى المادة 147 من الدستور التي منحت رئيس الجمهورية حق إعفاء الحكومة من أداء عملها، بشرط موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، أو إجراء تعديل وزاري بعد التشاور مع رئيس الوزراء، وموافقة المجلس بالأغلبية المطلقة للحاضرين، وبما لا يقل عن ثلث أعضائه. في المقابل، استبعدت المصادر شمول التغيير وزراء في المجموعة الاقتصادية، باستثناء وزير قطاع الأعمال العام، أو في حقائب مثل النقل، والتربية والتعليم، والأوقاف، على الرغم من انتقادات نواب البرلمان المستمرة لأداء هؤلاء الوزراء، لما يتمتعون به من دعم مباشر من رئيس الجمهورية.
وفي 25 إبريل/نيسان الماضي، أعلنت الحكومة استقالة وزير الدولة للإعلام، أسامة هيكل، من منصبه لـ"ظروف خاصة"، بعدما تعرض على مدار عام تقريباً لهجوم مستمر من الأغلبية البرلمانية التابعة لحزب "مستقبل وطن"، ووسائل الإعلام الموالية، استجابة لتعليمات الضابط النافذ في المخابرات العامة أحمد شعبان، الحاكم الفعلي لمنظومتي البرلمان والإعلام في مصر. وبدأ الهجوم على وزير الإعلام السابق إثر تصريحات انتقد فيها طريقة تسيير وسائل الإعلام، وعجزها عن المنافسة بسبب ضعف المحتوى المقدم في الصحف والقنوات المصرية، وهو ما فسر من الدائرة المخابراتية القائمة على هذا الملف، بأنها محاولة منه لانتزاع السيطرة على تلك الوسائل.