أصدرت محكمة الجنايات السويسرية، يوم الجمعة الماضي، حكمها الابتدائي على الشيخ أحمد الفهد الصباح، رئيس المجلس الأولمبي الآسيوي (استقال منه يوم الجمعة الماضي)، الوزير الكويتي السابق وأحد أفراد الأسرة الحاكمة، وذلك بعد إدانته بتزوير قرار تحكيم سويسري مرتبط بـ"مؤامرة انقلابية وهمية"، حاول الفهد الترويج لها للقضاء على خصميه السياسيين داخل الكويت، وهما رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد الصباح، ورئيس مجلس الأمة (البرلمان) السابق الراحل جاسم الخرافي حسبما أفادت وكالة "رويترز".
أعلن الفهد أنه سيستأنف القرار خلال 10 أيام من صدوره
وحكمت المحكمة السويسرية بالسجن على الفهد ومساعده حمد الهارون، وهو نجل مسؤول سابق في الدولة، 30 شهراً سجناً على أن يكون 15 منها مع وقف التنفيذ. في المقابل، حكمت على محامٍ إنكليزي متخصص في التحكيم الدولي بالسجن لمدة 36 شهراً، بينها 18 شهراً نافذاً، والمنع من ممارسة مهنة المحاماة في سويسرا لمدة 5 سنوات. كما حكمت على محاميين آخرين، بلغاري وأوكراني، بالسجن 15 و18 شهراً على التوالي مع وقف التنفيذ، لدوريهما في تزوير قرار التحكيم. وفي أول رد فعل له على القرار، قال الفهد للصحافيين الذين تابعوا الجلسة: "واثق من براءتي"، مشيراً إلى أنه سيستأنف الحكم خلال 10 أيام.
وتأتي هذه القضية التي عرفت في الكويت باسم "بلاغ الكويت" بالنسبة لمعسكر الشيخ أحمد الفهد، أو "بلاغ الفتنة" بالنسبة لمعسكر الشيخ ناصر المحمد وجاسم الخرافي، لتكون آخر الفصول من الصراع الحاد داخل الأسرة الحاكمة في الكويت. وهو صراع عصف بالبلاد خلال السنوات الماضية، رغم الإجراءات التي اتخذها أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح لرأب الصدع بين المتخاصمين من دون أي نتيجة تذكر.
وبدأت فصول الصراع حين استقال الفهد من مناصبه الحكومية في مايو/أيار 2011، بصفته نائباً أول لرئيس مجلس الوزراء، ووزيراً للإسكان والتنمية، عقب استجواب تقدم به نواب "كتلة العمل الوطني" التي كان رئيس مجلس الأمة الحالي مرزوق الغانم (ابن أخت جاسم الخرافي) ينتمي لها. وأحجمت الحكومة التي كان رئيسها الشيخ ناصر المحمد الصباح عن الوقوف بصف الفهد، إذ قام نواب مقربون من رئيس مجلس الوزراء بالوقوف إلى جانب المستجوبين. كما أحجم رئيس مجلس الأمة آنذاك جاسم الخرافي عن حماية الوزير.
وبعد أشهر قليلة استقال رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح في أواخر شهر نوفمبر / تشرين الثاني 2011 على خلفية اقتحام المعارضة لمجلس الأمة، بعد تسريب بيانات بأسماء نواب يشتبه بأنهم تلقوا مبالغ مالية من رئيس مجلس الوزراء. وحامت الشبهات حول أحمد الفهد، الذي سربها كجزء من انتقامه من رئيس الوزراء، وحلّ أمير البلاد البرلمان، داعياً لإجراء انتخابات جديدة.
واستطاعت المعارضة الحصول على أغلبية كاسحة في الانتخابات التشريعية في فبراير/ شباط 2012، لكن المحكمة الدستورية فجرت مفاجأة بإعلان قرار إبطال المجلس المنتخب حديثاً في يونيو/ حزيران 2012، بسبب أخطاء إجرائية في حل مجلس الأمة السابق.
وأصدر أمير البلاد مرسوماً بتعديل النظام الانتخابي وتحويله إلى نظام "الصوت الواحد" بدلاً من نظام "الأصوات الأربعة" (أي يحق للناخب انتخاب مرشح واحد، بينما كان سابقاً ينتخب أربعة مرشحين). وهو ما أدى إلى موجة احتجاجية ومسيرات وتظاهرات في أنحاء البلاد، أدت إلى اعتقال الكثير من النواب والنشطاء السابقين. وقرر الشيخ أحمد الفهد الصباح العودة من جديد إلى المشهد السياسي بقوة أواخر عام 2013، حين نوّه إلى وجود "شريط فيديو" يثبت فيه وجود تآمر من قبل شخصيات نافذة ومسؤولة على القيادة السياسية وعلى نظام الحكم. وأشار إلى أن هذه الشخصيات قامت "برشوة القضاة والتخابر مع إسرائيل"، ناشراً هذه الأخبار عبر إعلاميين محسوبين عليه في وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى الأثر تقدم الشيخ ناصر المحمد وجاسم الخرافي بشكوى لدى النيابة العامة بحق أحمد الفهد بسبب هذه الاتهامات، ليرد الأخير بتقديم الشريط وقرار تحكيم سويسري وآخر بريطاني مبني على التحكيم السويسري، ضمن "بلاغ الكويت" إلى النيابة العامة. واستمرت قضية الشريط خلال عام 2014، مؤججاً الخلافات الداخلية، ما دفع أمير الكويت إلى إصدار بيان في يونيو من العام نفسه طالب فيه "بالتوقف عن الخوض في الأشرطة وعدم نشر الفتنة".
حُكم على الفهد و4 معاونين بالسجن بمددٍ متفاوتة
لكن الشيخ أحمد الفهد قرر الإلقاء بكافة أوراقه السياسية حين سرّب أوراقاً قال إنها "تحويلات مصرفية" صدرت من قبل المتهمين للقضاة والمستشارين في الدولة، وأن هذه التحويلات قد جرى الحديث عنها في الشريط، وذلك في منتصف عام 2014. ثم عاد وسرّب الشريط في أواخر العام نفسه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعُرضت لقطات قيل إنها لمسؤولين كبار يقومون بدفع الرشاوى للقضاة.
بعدها، قررت النيابة العامة في شهر مارس/ آذار 2015 حفظ "بلاغ الكويت" نظراً لعدم صحة الشريط، بعد أن توصلت اللجنة الفنية إلى هذا الرأي، الذي عضدته شركات تقنية وبحث وتقصٍ أميركية وبريطانية. وكانت المفاجأة أن الشيخ أحمد الفهد الصباح قدم بيان اعتذار على التلفزيون الرسمي بعد حفظ البلاغ بأيام، اعتذر فيه لأمير البلاد ولولي العهد ولرئيس مجلس الوزراء السابق ورئيس مجلس الأمة السابق وللقضاة بسبب "ما بدر منه من مساس وإساءة وتجريح بقصد أو غير قصد خلال الفترة الماضية، نتيجة المعلومات والمستندات التي وصلته والتي تتعلق بمصالح الوطن ظناً منه أنها صحيحة وذات مصداقية".
لكن القضية لم تنته إذ قرر الشيخ ناصر المحمد وورثة الراحل جاسم الخرافي، الذي توفي عام في مايو 2015 تقديم بلاغ لدى النائب العام في سويسرا بسبب وجود شبهة تزوير في قرار التحكيم السويسري، وهو ما توصلت إليه المحكمة يوم الجمعة الماضي. وبحسب الحكم الصادر أخيراً، قام محامو الفهد بالتنازل عن حقوق الفيديو لشركة تريكل في ديلاوير الأميركية. وتريكل هي شركة وهمية سيطر عليها المتهمون بحسب المحكمة، وقد رفعت دعوى قضائية زاعمة ان الفيديوهات مزيّفة ما أوصل إلى إقامة تحكيم زائف. وفي قضية التحكيم، تولى أحد المحامين المقيمين في جنيف دور المحكّم ووقع حكماً ينصّ بصحة الفيديوهات وتلقى في المقابل مبلغاً قدره 10 آلاف فرنك سويسري.
وقالت المحكمة إن قرار التحكيم السويسري كان مزوراً ومن تدبير الشيخ أحمد الفهد الصباح ومساعده حمد الهارون، إضافة إلى ثلاثة محامين آخرين. واضطر الشيخ أحمد الفهد إلى الاستقالة من منصبه كرئيس للمجلس الأولمبي الآسيوي بصفة مؤقتة، مع العلم أنه يتبوأ المركز منذ عام 1991، وذلك لحين البت في قرار الاستئناف. في المقابل، يرى مراقبون سياسيون أن حكم المحكمة السويسرية قضى على مستقبل أحمد الفهد السياسي بشكل نهائي داخل الكويت، وأن عودته إلى المشهد السياسي الذي خرج منه عام 2011 باتت مستحيلة.