من المتوقع أن يعلن الرئيس الأميركي جو بايدن ترشحه، اليوم الثلاثاء، عبر الفيديو لانتخابات الرئاسة في 2024، وهو اليوم نفسه الذي أعلن فيه ترشحه الأول قبل أربع سنوات.
الرغبة في تجديد الولاية متوفرة أصلاً كما كانت لدى غيره، وقد أخذت زخماً بعد الانتخابات النصفية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد فشل الحزب الجمهوري، خلافاً للتوقعات، في كسب الأكثرية في مجلس الشيوخ واقتصار فوزه بمجلس النواب على أغلبية ضئيلة، وجرت قراءة هذه النتيجة على أنها تأييد لرئاسته، ومن هناك بدا التحضير لخوضه المعركة القادمة.
ثم جاء تزايد هبوط وضع ترامب بعد توالي انكشافاته، وصدور قرار اتهامي بحقه في واحدة من التحقيقات القضائية الجارية ضده، ليعزز هذا التوجه. وصبّ في هذا المجرى أن الاقتصاد الأميركي ما زال حتى الآن في حالة تعاف، ولو أنه مهدد بركود لاحق، فضلاً عن تدني البطالة وبداية تراجع معدلات التضخم ولو بقدر ضئيل (0.5%)، وبما ساهم في خفض مؤشر "عدم الرضا" عن رئاسة بايدن من 56% في مارس/آذار الماضي إلى 54% الأسبوع الماضي.
هذه المعطيات معطوفة على حزمة إنجازات تحققت في أول سنتين من ولايته (شملت مشاريع من العيار الوازن، مثل تجديد البنية التحتية وبعض التحسينات الضريبية والصحية وتحقيق خفض جزئي في عجز الموازنة وغيرها)، سوف تشكل ركيزة خطاب بايدن الانتخابي، لكن مراهنته الأساسية على ما يبدو تقوم على أمرين رئيسيين يصبان حتما في مصلحته: أن ترامب مرشح معطوب وسيتفاقم إعطابه مع صدور المزيد من قرارات الاتهام ضده في أربع قضايا أخرى ما زالت تحت التحقيق وبعضها اقترب أمر البت بشأنه، وبالتالي صار رصيده محكوما بالمزيد من الضمور.
ثانياً، أن الحزب الجمهوري ليس لديه مرشح ينافس ترامب على الفوز بترشيح الحزب، الذي يبدو أنه مضمون له في ضوء وضع منافسيه الجمهوريين الستة حتى الآن. الواعد من بينهم حاكم ولاية فلوريدا رون ديسنتوس سرعان ما فقَدَ بريقه وهبط بفارق 15 نقطة (31% مقابل 46%) لصالح ترامب. الباقون، ومنهم نائب ترامب السابق مايك بانس، لم يغادر تأييده 6% حسب آخر استطلاع، أما الآخرون فما زالوا عند 3%. طبعاً هذه الأرقام غير ثابتة، وتتغير مع اقتراب موسم الحملة الانتخابية المرجح أن يدخلها آخرون.
هذه الحسابات متماسكة ويصح البناء عليها، لكنها قد لا تكفي لسد ما يمكن تسميته بالعجزأو بالعطب الكبير في ترشيح الرئيس ترامب والمتمثل في تقدمه في السنّ، فالناخب يعرف أن بايدن إذا فاز سيبدأ ولايته الثانية في الـ82 من العمر والتي تنتهي في الـ86، وهذا رقم غير مسبوق في تاريخ الرئاسة الأميركية.
وبالتالي، فإنه لا بد أن تثار تساؤلات حول قدرات بايدن الجسمانية والعقلية، وهو يمارس مهام منصب مسؤولياته بثقل الجبال، وليس هناك من لا يعرف أن رئيسا في هذا السن عرضة للانتكاسة الصحية أو الذهنية، ولو أن بايدن حتى الآن يبدو في حالة جيدة، لكن وضعه يثير السؤال، وربما الشك، وهذا احتمال يثير مخاوف شرائح واسعة من الديمقراطيين، خاصة إذا برز فجأة مرشح جمهوري غير ترامب في حال أغرقت هذا الأخير مشاكله القضائية خلال الحملة الانتخابية.
44% من الديمقراطيين، حسب استطلاع جامعة مونموث، يفضلون عدم ترشح بايدن، والنسبة تصل إلى 70% من عموم الناخبين، حسب استطلاع شبكة أن بي سي، غير المؤيدين لترشيحه، أما ترمب فنسبة عدم دعم ترشيحه تصل إلى 60% من الأميركيين، والسن وراء هذا الرفض في معظمه، والذي يتخوف منه البعض أن يتعثر بايدن في نقطة ما من الحملة بحيث تصبح نائبته كامالا هاريس المرشح البديل، وبما يؤدي إلى خسارة مضمونة للمعركة.
ومثل هذا السيناريو وغيره، يدفع ببعض الأسماء من الديمقراطي لمنافسة بايدن على الترشيح الحزبي، مثل روبرت كينيدي (ابن روبرت كينيدي الذي اغتاله سرحان سرحان)، ولو أنه غير معروف على الساحة السياسية، لكنه يحمل اسم عائلة شهيرة في عالم الرئاسة الأميركية، وربما دخل غيره إلى الحلبة، ولو أن ذلك مستبعد وفق التقاليد، إذ لا ينافس الرئيس أحد من حزبه على الترشيح.
الخطر الآخر الذي يخشاه الديمقراطيون أن يدخل المعركة أحد المستقلين، ويغتنم فرصة وجود مرشحين جمهوري وديمقراطي معطوبين، ومع أن لا سوابق لفوز مستقل في انتخابات الرئاسة، لكن في الوقت ذاته ليس هناك سابقة صدف أن كان أحد المرشحين ثمانينيا والثاني على أبواب الثمانين وغارق بالاتهامات والادانات القضائية.
بهذا المعنى، هي انتخابات لا مثيل لها ومن المبكر الحديث عن الترجيحات فيها وكذلك من السابق لأوانه الافتراض أن سن بايدن يهدد معركته، وإن كان ذلك لا يخلو من المجازفة التي قد تثبت أنها كانت غير محسوبة، لكن ما يخشاه العديد من المراقبين هو أن انتخابات 2024 ستكون على الأرجح نسخة ربما أخطر بنزاعاتها من انتخابات 2020، لو رست المواجهة على الثنائي ذاته: بايدن – ترامب.