قراءة في نتائج الانتخابات الألمانية: ترهّل حزب ميركل

27 سبتمبر 2021
سينحصر الصراع على منصب المستشار بين أولاف شولتز وأرمين لاشيت (Getty)
+ الخط -

مع إعلان النتائج شبه النهائية، غير الرسمية، لانتخابات البوندستاغ، تتكرّس عودة الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" إلى صدارة المشهد السياسي، بعد سنوات من الضمور النسبي للحزب العريق، وهو الذي لم تمنحه استطلاعات الرأي حتى أسابيع قليلة قبل الانتخابات العامة أكثر من 16% من الأصوات، ليتقدم في فترة قياسية أكثر من 9%، مع تراجع "الاتحاد المسيحي" إلى ما نسبته 24%، متخلياً عن الصدارة لـ"الاشتراكي"، الذي حلّ أول بسنبة 25.7%، رغم خسارته 320 ألف ناخب لصالح "الخضر"، فيما كسب 590 ألف ناخب آخر من حزب "اليسار"، ما رفع نسبته 5.2% عن انتخابات العام 2017، وبذلك سيكون له 206 نواب في البوندستاغ.

علاوة على ذلك، حقق "الاشتراكي"، أمس الأحد، فوزاً مريحاً في الانتخابات التشريعية في كل من ولايتي ماكلنبورغ فوربومرن وبرلين، ما سيمكنه من قيادة حكومتي الولايتين في الفترة المقبلة.

في المقابل، تلقى "الاتحاد المسيحي"، الذي يضم حزب المستشارة ميركل، "المسيحي الديمقراطي" والحزب البافاري "الاجتماعي المسيحي"، خسارة تاريخية، مع تراجعه بنسبة 8.8% عن انتخابات العام 2017، التي حاز فيها 32.9% من الأصوات، حتى إن بعض القياديين في "المسيحي الديمقراطي" خسروا في التصويت المباشر (الصوت الأول) لصالح مرشحي "الاشتراكي". 

وفي السياق، خسر وزير الاقتصاد الاتحادي المنتمي لـ"المسيحي الديمقراطي"، بيتر ألتماير، أمام وزير الخارجية، هايكو ماس. في حين لم تتمكن الزعيمة السابقة للحزب ووزيرة الدفاع أنغريت كرامب كارنبور من الفوز في التصويت المباشر مقابل مرشح "الاشتراكي"، إلا أنها تمكّنت من الكسب في الأصوات الثانية، وحصدت مقعداً في البوندستاغ المقبل. أما الرئيس السابق للاستخبارات الداخلية، هانس غيورغ ماسن، فخسر أمام منافسه "الاشتراكي" أيضاً.

وسيكون للاتحاد المسيحي 196 نائباً، بخسارة 50 نائباً عن الدورة الماضية، بعد أن نزح عنه مليون وثلاثة مئة وستون ناخباً لصالح "الاشتراكي".

أما حزب "الخضر"، فعلى الرغم من الخيبة بشكل عام، إذ كان يأمل بتحقيق قفزة أكبر في الأرقام؛ فإنه يعد من أكثر الأحزاب المستفيدة، وحصل على زيادة بالأصوات نسبتها 5.9%، مقارنة بانتخابات العام 2017، ونال 14.8%، وسيمثل "الخضر" 118 نائباً في البوندستاغ (67 نائباً حالياً).

وسيكون لجمعية ناخبي جنوبي ولاية شليسفيغ هولشتاين مقعد واحد في البوندستاغ الجديد، بعد أن كانت الأصوات الثانية كافية لحصد المقعد، حيث سيكون ممثلاً بنائب في برلين.

يشار إلى أن البوندستاغ المقبل سيضم عدداً أكبر من الأعضاء أكثر من أي وقت مضى، وسيبلغ عدد النواب 735 نائباً، متجاوزاً الرقم القياسي السابق البالغ 709 نواب في انتخابات العام 2017. وبذلك ستكون الأغلبية المطلقة من أعضاء البرلمان 568 نائباً.

أما "الليبرالي الحر"، والذي استطاع تحقيق تقدم بسيط بالأرقام، 11.5% مقابل 10.7% في انتخابات 2017؛ فسيمثله في البوندستاغ المقبل 92 نائباً، أي بزيادة 12 نائباً عن انتخابات العام 2017، والأهم من ذلك أن "الليبرالي" فرض نفسه مبدئياً شريكاً ثابتاً في أي تحالف حكومي مقبل، وذلك بعدما بين الفرز أن تحالف "الاشتراكي" و"الخضر" و"اليسار" لن يكون كافياً لتشكيل ائتلاف حكومي اتحادي.

من جهته، تمكّن الحزب اليميني الشعبوي "البديل من أجل ألمانيا" من الحفاظ على حضوره في البوندستاغ، وبقيت أرقامه صامدة فوق 10%، على الرغم من كل الخلافات الداخلية التي عصفت بين قيادييه خلال الأربع سنوات الماضية، وهو الذي يتّكل بشكل عام على حضوره في الولايات الشرقية، وتراجع من المركز الثالث إلى الخامس، مع تقدم "الخضر" و"الليبرالي الحر"، وهو الذي خسر 210 آلاف ناخب لصالح "الاشتراكي"، بحسب "إنفراتست ديماب" لأبحاث الراي.

في حين أن حزب "اليسار"، ورغم أنه لم يحقق سوى 4.9% من الأصوات، والتي تقصيه مع الفائزين من حزبه عن التمثيل في البوندستاغ المقبل؛ فإنه استطاع الفوز بثلاث دوائر انتخابية في التصويت المباشر، وبما يسمى "التفويض الأساسي"، ما يعني أن "اليسار" سينتقل بعدد نوابه الفائزين، والبالغين 39 نائباً، إلى مقاعد برلمان العام 2021. وذلك بعدما خسر 590 ألف ناخب لصالح "الاشتراكي".

ومع تقلص أرقام بعض الأحزاب، فستكون هناك ثلاثة خيارات حول التحالف الحكومي الاتحادي؛ الأول "تحالف إشارات المرور"، أي بين "الاشتراكي الديمقراطي" و"الخضر" و"الليبرالي الحر"، ويمثله ما مجموعه 416 نائباً، والثاني "ائتلاف جاميكا"، ويضم "الاتحاد المسيحي" و"الخضر" و"الليبرالي الحر"، ويضم 406 نواب في البوندستاغ. والثالث "تحالف ألمانيا"، بين "الاتحاد المسيحي" و"الاشتراكي الديمقراطي" و"الليبرالي الحر".

وسيغيب الحديث عن أي ائتلاف بين "الاشتراكي" و"الخضر" و"اليسار"، مع التراجع الكبير للأخير، حيث لا يمكن لهذا التحالف أن يضمن سوى ما مجموعه 363 نائباً في البوندستاغ، وهو أقل من الأغلبية المطلوبة لتمرير أي مشروع قانون.

وسينحصر الصراع على منصب المستشار بين مرشح "الاشتراكي" أولاف شولتز (63 عاماً)، ومرشح "الاتحاد المسيحي" أرمين لاشيت (60 عاماً)، الذي أعلن أيضاً، ورغم خسارة حزبه بفارق 1.6% من الأصوات أمام "الاشتراكي"، نيته تشكيل ائتلاف حكومي يضمه إلى جانب "الخضر" و"الليبرالي الحر".

وفي المحصلة، ستعيش برلين خلال الفترة المقبلة مرحلة من الترقّب، مع بدء المفاوضات المتعلقة بتشكيل الحكومة المقبلة، وانتظار معرفة من سيكون المستشار المقبل لألمانيا خلفاً للمستشارة أنجيلا ميركل، التي ستستمر في تصريف الأعمال خلال الفترة المقبلة وحتى ما بعد انعقاد الجلسة الأولى للبوندستاغ المنتخب حديثاً، والمقررة يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

ومع مغادرة ميركل الحياة السياسية، ستنال حوالي 15 ألف يورو شهرياً معاشاً تقاعدياً، عن 31 عاماً كانت فيها نائبة في البوندستاغ ومستشارة لألمانيا لأربع ولايات. ولها أن تستفيد من مكتب ومدير مكتب وكاتب واثنين من المساعدين وسائق، تتكفل بمصاريفهم الدولة.

المساهمون