قراءة في جولات التفاوض الراهنة ومساراتها

28 يوليو 2024
مدرسة الأونروا في النصيرات بعد قصفها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي (مجدي فتحي/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **العملية التفاوضية وأبرز التحديات:** بدأت المفاوضات غير المباشرة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية، ونجحت في الوصول إلى اتفاق تبادل الأسرى وهدنة إنسانية، لكن إسرائيل أفشلت الهدنة باستئناف القصف. رفض نتنياهو خطة وقف إطلاق النار الأمريكية، مما أدى إلى تقديم المقاومة تعديلات.

- **أبرز النقاط في التعديلات والمفاوضات:** تضمنت تعديلات المقاومة رفع الحصار عن غزة، رفض الفيتو الإسرائيلي على الأسرى، الانسحاب من محور فيلادلفيا ومعبر رفح، وإصرارها على دور "أونروا" في إدارة المساعدات، مع إضافة ضامنين جدد مثل روسيا والصين وتركيا.

- **نجاحات وإخفاقات المقاومة:** نجحت المقاومة في تعرية الموقف الإسرائيلي وزيادة الفجوة بين المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي، وإضافة ضامنين جدد. الإخفاقات تشمل المشاركة المنفردة في بعض اللقاءات وعدم الدفع بالمقاربة السياسية المستندة إلى الحقوق الوطنية المشروعة.

لم تتوقف العملية التفاوضية غير المباشرة بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال عبر الوسيط القطري والمصري منذ شهورٍ عدّة، وأحدثت اختراقاتٍ كبيرةً للوصول إلى وقف إطلاق نارٍ يوقف جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، حيث تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين 38 ألف شهيدٍ جلهم من المدنيين، لا سيّما من النساء والأطفال.

يجيب المقال على تساؤل: أين وصلت العملية التفاوضية، وما أبرز المعيقات والتحديات أمامها؟ وأين نجحت المقاومة وأين أخفقت؟

أولاً: العملية التفاوضية وأبرز التحديات

بدأت العملية التفاوضية بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال الإسرائيلي في 24/11/2023، حين نجحت الوساطة القطرية المصرية الأميركية في الوصول إلى اتّفاق تبادل الأسرى، وهدنةٍ إنسانيةٍ، ووقفٍ للحرب وإطلاق النار استمر سبعة أيّامٍ، بموجبها أفرجت المقاومة عن عشراتٍ من الأسرى المدنيين من النساء والأطفال، مقابل كلّ واحدٍ منهم أفرج الاحتلال عن ثلاثة أسرى فلسطينيين من النساء والأطفال. كما سُمح بدخول بعض المساعدات الإنسانية، إلّا أنّ أفشل الاحتلال الإسرائيلي الهدنة عبر استئناف القصف في اليوم السابع.

ضغط المجتمع الدولي على إسرائيل لوقف إطلاق النار، والتحولات في المواقف الدولية من الحرب

منذ ذلك الوقت لم تتوقف الجهود الدولية للتوصل إلى صفقةٍ، إذ شهدت باريس حراكًا سياسيًا للوصول إلى مقاربةٍ تنهي الحرب، وتصل إلى صفقة تبادلٍ، لكن المراوغ الوحيد المفشل للجهود كان بنيامين نتنياهو، عبر تقويض صلاحيات الوفد الإسرائيلي، ودفعه للاستماع فقط، من دون إبداء المواقف، في المقابل كثف نتنياهو من التسريبات والتصريحات التي تفشل تلك الجهود.

في 6/5/2024؛ أعلنت الخارجية القطرية عن تلقيها ردًا من حركة حماس، وصفته قطر بالرد الإيجابي على الورقة المصرية، ليتبعه إعلان إسرائيل، التي فاجأها رد حماس، أنّ الورقة المصرية، التي وافقت عليها حماس، تختلف عن الورقة التي وافقت عليها تل أبيب.

ثم في 31/5/2024؛ طرح الرئيس الأميركي جو بايدن خطةً لوقف إطلاق النار في قطاع غزّة، قال عنها في مؤتمره الصحافي إنّها خطةٌ إسرائيليةٌ تبنّتها الإدارة الأميركية، رحبت حركة حماس بالمبادئ التي تلاها بايدن فورًا، وأهمها: الوقف الدائم لإطلاق النار، والانسحاب من قطاع غزّة، وعودة الرهائن، وإعادة الإعمار. في حين سرب نتنياهو من جديدٍ أقواله في الجلسات المغلقة، مفادها أنّه لا يوافق على إنهاء الحرب ضمن الإطار الذي قدمه الرئيس بايدن.

بعد تسلم حركة حماس ورقة بايدن، عبرت الحركة عن صدمتها من أنّ ما تلاه بايدن في مؤتمره الصحافي يختلف عما استلمته، وعليه قدمت المقاومة الفلسطينية ورقة تعديلاتٍ على ورقة بايدن، وصفت ورقة/ رد حماس من قبل فرق التفاوض الإسرائيلية بأنّها "أفضل إجابة تتلقاها من حركة حماس منذ بدء المفاوضات"، لكن ورغم ذلك أصدر مكتب نتنياهو ردًا منسوبًا لمسؤولٍ أمنيٍ كبيرٍ جاء فيه "إنّ حماس لا تزال تصر على بندٍ أساسيٍ في الإطار، وهناك المزيد من الثغرات التي لم يتم سدها، وستواصل إسرائيل المفاوضات ومواصلة الضغط العسكري في الوقت نفسه".

أما إضافة كلمة "مترابطة"، فكان الغرض منها إغلاق الطريق على نتنياهو لمنعه من التهرب من استحقاقات الاتّفاق بعد انتهاء المرحلة الأولى

لم تتوقف المفاوضات، وعمل الوسطاء بكلّ قوّةٍ من أجل إحداث اختراقٍ، حتّى فهم نتنياهو أنّ مرونة المقاومة تعبر عن حالة ضعفٍ، نتيجة الأعمال العسكرية، التي ينفذها جيش الاحتلال الصهيوني، ويرتكب عبرها هولوكوست جديدًا ضدّ الشعب الفلسطيني.

هنا لا بدّ من عرض مقارنةٍ سريعةٍ بين نص ورقة بايدن وتعديلات المقاومة عليها، كما هو مبين في النقاط التالية:

1.    مقدمة الورقتين: أضافة المقاومة الفلسطينية ما يلي: جملة رفع الحصار، وأرفقت مع فقرة أنّ الاتّفاق الإطاري مكونٌ من ثلاث مراحل متصلةٍ، أيّ أضافت حماس على الفقرة عبارة "متصلةً ومترابطةً".

من وجهة نظر الكاتب فإن تعديلات المقاومة الفلسطينية في المقدمة، والتي شددت عليها المقاومة في متن الوثيقة، لا سيّما فقرة رفع الحصار، هي مدخلٌ حقيقيٌ للاستقرار والأمن داخليًا وخارجيًا، انطلاقًا من قناعة الفلسطينيين بأنّ الحصار أخطر من الحرب، فهو يفتك بالفلسطينيين ويقتلهم ببطءٍ شديدٍ، إذ بلغت مؤشرات الفقر والبطالة وانعدام الأمن الغذائي معدلاتٍ مرعبةً ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حسب تقارير البنك الدولي، (بلغ مؤشر الفقر 64%، ووصل انعدام الأمن الغذائي في القطاع إلى 68%، وبلغت نسبة البطالة 46% أغلبهم من الشباب والخريجين). أضيف إلى ما سبق؛ إنّ رفع الحصار هو مطلّبٌ أمميٌ منصوص عليه في قراراتٍ أمميةٍ، ومجالس حقوقيةٍ، كونه ينتهك القانون الدولي الإنساني.

أما إضافة كلمة "مترابطة"، فكان الغرض منها إغلاق الطريق على نتنياهو لمنعه من التهرب من استحقاقات الاتّفاق بعد انتهاء المرحلة الأولى.

2.    ملف صفقة التبادل: لا تمثّل بعض النقاط، في تقدير الكاتب، اختلافًا جوهريًا بين الجانبين، لذا من الممكن تجاوزها عبر المفاوضات، باستثناء اختلافين جوهريين حول مسألتين هما:

•    الفيتو على الأسرى: وضعت إسرائيل في ورقتها ما يلي: "تطلق إسرائيل سراح 50 أسيرًا من سجونها مقابل كلّ محتجزةٍ إسرائيليةٍ يتم إطلاق سراحها يطلق 30 محكومًا مؤبداً و20 محكومًا على ألا تزيد المدة المتبقية من محكوميتهم عن 15 عام، بناء على قوائم تقدمها حركة حماس باستثناء عددٍ يتفق عليه من الأسرى (100 على الأقلّ) الذين سيتم مناقشتهم في المرحلة الثانية. يتم إخلاء سبيل عددٍ من الأسرى يتم الاتّفاق عليه (50 على الأقلّ) من المحكوم عليهم بالمؤبد في الخارج أو غزة". وهو ما رفضته حركة حماس في تعديلاتها، كونها تحرم أصحاب الأحكام العالية من الحرية.

المراوغ الوحيد المفشل للجهود كان بنيامين نتنياهو، عبر تقويض صلاحيات الوفد الإسرائيلي، ودفعه للاستماع فقط، من دون إبداء المواقف

•    جنسية الأسرى: حددت الورقة الإسرائيلية جنسية الأسرى من الفلسطينيين، وهو ما حذفته حركة حماس بما يمنحها القدرة على الافراج عن أسرى غير فلسطينيين.

3.    ملف الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزّة: تعديلاتٌ طفيفةٌ بكلّ ما تعنيه الكلمة في هذا المحور، لكنها هامّةٌ لمن ينشد ولادة اتّفاقٍ ملزمٍ للجميع، يؤسس لمرحلةٍ من الهدوء والاستقرار والوضوح، إذ تضمن تعديلات المقاومة إضافة الانسحاب من محور فيلادلفيا، وبما يتضمنه انسحابٌ من معبر رفح البري.

4.    ملف إعادة الاعمار ورفع الحصار: اتفقت الورقتان على ملف إعادة الإعمار، والسقف الزمني اللازم لذلك، على أن تبدأ الجهود من اليوم الأول، والخلاف بين الطرفين حول ملف الحصار، بحيث وضع الاحتلال الإسرائيلي في وثيقته بشأن المرحلة الثالثة النص التالي: "فتح المعابر الحدودية، وتسهيل حركة السكان، ونقل البضائع". كمراقبين ومن رحم التجربة السابقة، يعني النص تحكم إسرائيل الكامل بنوعية السلع والأفراد التي تدخل وتخرج، أي إعادة استنساخ الحصار، وهو ما رفضته المقاومة، وجاء تعديلها بنصٍ واضحٍ وصريحٍ على النحو التالي: "إنهاء الحصار الكامل عن قطاع غزّة، بما يشمل فتح المعابر الحدودية، وخاصّة معبر رفح، وتسهيل حركة السكان ونقل البضائع، وتوفير الكهرباء على مدار الساعة في جميع مناطق قطاع غزّة".

كما أصرت المقاومة على دور وكالة الأمم المتّحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في إدارة ملف المساعدات الإنسانية، التي ستتدفق مع اليوم الأول لتوقيع الاتّفاق.

5.    ملف عودة النازحين: لا يوجد اختلافٌ أو خلافٌ على هذا البند بين الورقتين.

6.    ملف الضمانات: أضافت تعديلات حماس ضامنين جدد إلى جانب قطر ومصر والولايات المتّحدة، هم روسيا والصين وتركيا.
لم تتوقف الوساطة، ونجحت واشنطن في تقديم ثلاث صياغاتٍ للمادة رقم 8 وجوهرها الوقف الدائم لإطلاق النار، وافقت المقاومة على إحدى هذه الصياغات، مع وضع تعديلٍ على المادة 14 بما يؤسس لضماناتٍ على الاتّفاق من قبل الوسطاء، ليضاف إلى ضمانةٍ شفهيةٍ من الولايات المتّحدة بأنّ الاتّفاق يؤدي في نهاية المطاف إلى وقف إطلاق النار، وانسحابٍ شاملٍ من قطاع غزّة.

الاختراق الأخير من وجهة نظر الكاتب يزيد من نسبة التفاؤل، رغم بعض الإشارات السلبية من نتنياهو، لكن الأخير يعيش تحدياتٍ ليست سهلةً، قد ترجح الموافقة على الرفض، من أهمّ تلك التحديات:

1. المشهد الإسرائيلي الداخلي بمستوياته المختلفة (توتر علاقة المؤسسة العسكرية بالمستوى السياسي، الوضع الاقتصادي، الغضب الشعبي وتزايد التظاهرات المؤيدة لوقف إطلاق النار والذهاب إلى صفقة تبادلٍ، فشل تحقيق جزءٍ كبيرٍ من الأهداف المعلنة، حجم الخسائر البشرية، رفض واشنطن الدخول في حربٍ، إلى جانب إسرائيل، مع حزب الله أو إيران).

بعد تسلم حركة حماس ورقة بايدن، عبرت الحركة عن صدمتها من أنّ ما تلاه بايدن في مؤتمره الصحافي يختلف عما استلمته

2. ضغط المجتمع الدولي على إسرائيل لوقف إطلاق النار، والتحولات في المواقف الدولية من الحرب، ما يضر بصورة إسرائيل، وشبكة علاقاتها الدولية.

3. شبكة الأمان التي وفرها بني غانتس ويئير لبيد وآخرون، التي قد تشكل مدخل نتنياهو للضغط على حلفائه بالائتلاف للقبول بالصفقة، لكنه قبل ذلك يريد أن يبتز واشنطن قبل تقديمه الموافقة، في انتظار يوم 24/7/2024 موعد خطابه في الكونغرس.

ثانيًا: أين أصابت المقاومة وأين أخفقت؟

يمكن إجمال النقاط التي أصابت فيها المقاومة أثناء العملية التفاوضية الحالية بما يلي:

1. تعرية الموقف الإسرائيلي أمام المجتمع الدولي، بأنه الرافض في أغلب الأوقات لوقف الحرب.

2. تعرية نتنياهو أما مجتمعه، وزيادة الفجوة بين المستوى السياسي والعسكري، بسبب عدم اكتراث نتنياهو بسلامة جنوده في الميدان أو الأسر.

3. إضافة الصين وروسيا وتركيا ضمن الدول الضامنة للاتّفاق.

4. إشراك الفصائل، وبعض النخب، وإطلاعهم على تفاصيل العملية التفاوضية والسماع لنصائحهم.

أما النقاط التي أخفقت فيها المقاومة فيمكن حصرها بما يلي:

1. المشاركة المنفردة في بعض اللقاءات، من دون مشاركةٍ فعليةٍ لأكبر عددٍ ممكنٍ من الفصائل والنخب والمجتمع المدني الفلسطيني، كي تقيم الحجة على الجميع، كون مخرجات العملية التفاوضية تمس الجميع.

2. من وجهة نظر الكاتب، أخفقت المقاومة بعدم الدفع بالمقاربة السياسية المستندة إلى الحقوق الوطنية المشروعة، والمتوافقة مع القانون الدولي، في كلّ وثائق التفاوض، حتّى لو كانت في بنودٍ مؤجلةٍ، كون الأولويّة الآن لوقف جرائم الإبادة الجماعية، التي ترتكبها إسرائيل بحقّ الشعب الفلسطيني الأعزل.

المساهمون