قراءة خاطئة من باماكو تجاه الجزائر

08 يناير 2025
مقاتلون من حركات أزواد في كيدال، أغسطس 2022 (سليمان آغ أنارا/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتهم مالي الجزائر بدعم الجماعات المسلحة في الشمال، رغم دور الجزائر التاريخي في دعم وحدة وسيادة مالي، وتصاعدت التوترات بعد مواجهات 2023 في أزواد.
- تعتمد مالي على الحل العسكري بمساعدة قوات فاغنر الروسية، رغم أن التجارب السابقة أثبتت أن الحل العسكري يعقد الوضع الأمني، بينما الحل السياسي يظل الأكثر فعالية.
- يحتاج اتفاق السلام لعام 2015 إلى تطوير ليتماشى مع المتغيرات، وتستغل قوات فاغنر ثروات مالي، مما يعزز الحاجة إلى حوار مالي-مالي لتحقيق سلام دائم.

تخطئ السلطة الانتقالية في مالي، حين تتوجه باتهامات حادة إلى الجارة الجزائر بدعم وإيواء الجماعات المسلحة التي تصفها بالإرهابية، في إشارة إلى حركات الأزواد في الشمال (قرب الحدود الجنوبية للجزائر)، وهي في الحقيقة حركات سياسية شريكة تحت مظلة الأمم المتحدة والرعاية الدولية برئاسة الجزائر، في مسارات السلام واتفاق الجزائر الموقع في مايو/ أيار 2015. تنطلق السلطة في مالي من قراءة غير سليمة لا تأخذ بعين الاعتبار ضرورات الإنصاف والميراث التاريخي من علاقات جوار مستقيمة، وفاعلية الجغرافيا المؤثرة.

البيان الأخير للخارجية المالية، الأسبوع الماضي، بالغ التشنج إزاء الجزائر، ويضيف حجراً آخر إلى الحاجز الآخذ في الارتفاع بين البلدين منذ أزمة صيف 2023 (مواجهات مسلحة في إقليم أزواد مع الجيش المالي). تخسر باماكو بذلك بلداً جاراً ومهماً في المنطقة كالجزائر، كانت مساعداً دائماً لمالي في الأزمات والضيق السياسي والاقتصادي فيها. لم تكن الجزائر في مواقفها وسياسات الجوار، ضالعة بأي حال من الأحوال في الدفع إلى نزعات انفصالية، في مالي. اتفاق الجزائر عام 2015، هو الذي وضع حداً لنوازع الانفصال لدى حركات الأزواد، التي كانت أعلنت ذلك عام 2012، عندما بدأت المواجهة العسكرية مع حكومة باماكو. وأكثر النقاط التي ارتكز عليها اتفاق الجزائر بالأساس، هي الحفاظ على وحدة التراب المالي وسيادته، وهي بذلك - أي الجزائر- أدت دوراً أساسياً في حماية جغرافية مالي من أي تقسيم أو تفكك.

إذا كانت السلطة في باماكو التي تعتمد مقاربة الحل العسكري واستخدام القوة، ضد المكوّن الأزوادي، (إقليم أزواد يمثل 60% من مساحة مالي)، بزعم استعادة السيطرة على مناطق الشمال، تعتقد أن الاستعانة بقوات فاغنر الروسية، يمكن أن تحسم معركة الرمال في الشمال، -وهي معركة لم تحسم قط منذ عام 1963- فإن واقع الحال يناقض هذه المقاربة. ويظهر بوضوح أن الحل العسكري كان ينتهي دائماً إلى الفشل، ولم يكن يؤدي إلا إلى مزيد من تعقيد الوضع الأمني في المنطقة، وإضعاف مقومات الاستقرار أكثر مما هي ضعيفة، إلى جانب خلق بيئة أكثر ملاءمة للاتجار السياسي بالمنطقة وأمنها، ولتمركز نشاط الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة. والحل العسكري في الحالة المالية غير سليم، إذا ما وضع في مقابل الحل السياسي والسلمي.

من المتفق عليه أن اتفاق السلام الموقع في الجزائر بين الحكومة المركزية في باماكو وحركات الأزواد عام 2015، ربما تجاوزت الأحداث بعض تفاصيله، بالنظر إلى المتغيرات الطارئة، لكن ذلك ليس مبرراً لإلغائه وقطع مساره. بينما كان يمكن بالتعاون مع الرعاية الدولية للاتفاق، العمل على تطويره وإحداث مراجعة له تستجيب للتطورات وتتخذ منها منطلقاً لحوار مالي- مالي، يسعف منطقة الشمال بسلام دائم، ويحيّد شبح الحرب والمواجهة العسكرية، ويحد من الحاجة المالية للاستعانة بمرتزقة فاغنر الروسية.

وإذا كان من نقد سياسي يوجه إلى الجزائر في هذا السياق، فهو عدم الانتباه مبكراً إلى حاجة اتفاق 2015 للتطوير، وعدم المبادرة إلى ذلك بصفتها رئيس فريق الوساطة الدولية. ليس خافياً على أحد أن الاهتمام الأساسي لقوات فاغنر في مالي، ليس تحقيق الاستقرار ولا تركيز حكم سلطة في مالي، بقدر ما هو السيطرة على مناجم الذهب في البلاد. يعني ذلك أن الحرب هي البيئة الأكثر ملاءمة بالنسبة للفاعل الأجنبي لاستنزاف ثروات مالي، ويمكن أن يفسر ذلك بوضوح سبب دفع موسكو باماكو إلى الحرب.