"زيارة ذات أهمية استثنائية وتوضيحية لمتانة الشراكة الروسية الصينية لاسيما في ظروف الحرب الهجينة من قبل الغرب"، هكذا استهل مقدم برنامج "اللعبة الكبرى" على القناة الأولى الحكومية الروسية حلقة، أمس الأربعاء، من برنامجه، التي تناولت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو، ونتائج محادثاته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
وقبل إحالة الكلمة إلى ضيوف البرنامج، اعتبر مقدم "اللعبة الكبرى" دميتري سوسلوف، أن الشراكة الروسية الصينية "الخالية من المطامع في الهيمنة" ليست معادلة صفرية، بل تتسم بالثقة والتكافؤ والاحترام المتبادل بما يليق بالعلاقات بين القوى العظمى.
هكذا هي صورة العلاقات الروسية الصينية في مرآة القنوات الفدرالية الروسية، ذات أعلى نسبة مشاهدة، والأكثر تأثيرا في الرأي العام الروسي، نظرا لقدرتها على الوصول إلى عشرات ملايين المنازل، مرددة الخطوط العريضة المهيمنة على تصريحات المسؤولين الروس حول تطور العلاقات بين البلدين ووقوفهما في وجه الهيمنة الأميركية.
في المقابل، بدت الصحافة الروسية المكتوبة، حتى بشقها الموالي للكرملين، أكثر حذرا في تفاؤلها بحالة العلاقات الروسية الصينية، مقرة بوجود صعوبات مثل ندرة حالات بناء العلاقات بين الدول على أساس التكافؤ.
وفي مقال بعنوان "روسيا والصين تقفان كتفا إلى كتف في اللحظة الحاسمة من التاريخ"، نشرته صحيفة "فزغلياد" الإلكترونية، اعتبر المدير بنادي "فالداي" الدولي للنقاشات تيموفيه بورداتشوف، أن "العلاقات بين روسيا والصين هي أهم وأصعب شراكة دولية للحداثة من جهة تركيبتها"، مقرا بأن "صعوبتها تكمن في أن العلاقات بينهما لا يمكنها أن تستند إلا إلى التكافؤ، وهذا النوع من التعاون هو الأكثر ندرة، وفق ما يعلمنا تاريخ السياسة الدولية".
ومع ذلك، استشهد بورداتشوف بعدة استثناءات نادرة للعلاقات على أساس التكافؤ، كتلك التي سادت بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، وروسيا وفرنسا في بداية الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918)، وفي عمق التاريخ روسيا وبريطانيا في مواجهة خطط نابوليون بونابارت الاستعمارية في بداية القرن الـ19، لافتا إلى أنه في كل هذه الحالات، كانت الدول العظمى توحد قواها إبان الأعمال العسكرية تحديدا.
أما الشراكة الحديثة بين روسيا والصين، فهي شراكة زمن السلم، وهذا هو الاختلاف الرئيسي عن الأمثلة المذكورة، ولم يكن أصلا موجها ضد أي طرف دولي رغم حالة العاصفة الرعدية في السياسة العالمية، وفق رؤية كاتب المقال.
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي التي تحتضن المدونين الليبراليين، ووسائل الإعلام الروسية المعارضة، ذهبت بعض القنوات إلى توجيه انتقادات لاذعة إلى الكرملين لما اعتبرته ترك روسيا رهينة للشراكة الاقتصادية مع دولة أساسية واحدة تعتمد عليها في الالتفاف على العقوبات الغربية، سواء من جهة إمدادات التكنولوجيا أو في مسألة إيجاد سوق بديلة للنفط والغاز.
وفي مقطع فيديو بعنوان "المكانة الجديدة لروسيا. الصين وسياساتها"، اعتبر المدون المعارض الهارب، مكسيم كاتز، أن الحرب الروسية على أوكرانيا جعلت موسكو تعتمد على بكين في مسائل استيراد المعدات الصناعية والتكنولوجيا والسيارات وقطع الغيار، نظرا لمرورها جميعا عبر الصين التي لم تنضم إلى العقوبات ضد موسكو.
وقال كاتز في مقطع الفيديو الذي حظي بأكثر من مليون مشاهدة على "يوتيوب": "مصير روسيا بين يدي بكين. لأول مرة منذ أن أصبحت روسيا إمبراطورية في عهد بطرس الأكبر ودخلت إلى نادي القوى العظمى، لم تعد روسيا فاعلا مستقلا للعلاقات الدولية. لأول مرة بات واضحا للجميع أن الطقم الكامل من المفاتيح بدءا من إنهاء الحرب والاقتصاد ومصير بوتين بات بين يدي المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني".
واعتبر المدون المعارض أن "بوتين لم يضع روسيا في حالة تعتمد فيها على الصين فحسب، بل جعلها ملحقا للصين مثلما كانت دول المعسكر الاشتراكي ملحقا للاتحاد السوفييتي"، لافتا إلى أنه بعد 24 فبراير/شباط 2022، بقيت الصين هي الشريك التجاري الهام الوحيد لروسيا، مما جعل السلطات الصينية قادرة على تعطيل الاقتصاد الروسي ووقف صناعاته وتدفق العملة إليه دون أن ينعكس ذلك كثيرا على الصين نفسها.
ورأى كاتز أن "روسيا لم تكن يوما قريبة بهذه الصورة من وضع نظام دمية"، خالصا إلى أنه بعد 23 عاما من بناء السيادة، باتت البلاد تعتمد على حكومة أجنبية بعد أن "سلم بوتين نفسه وروسيا للصين"، على حد تعبيره.
يذكر أن شي جين بينغ قد أنهى صباح أمس، زيارة الدولة التي قام بها إلى روسيا واستمرت ثلاثة أيام وركزت على ملفات التعاون الاقتصادي والوضع في أوكرانيا، دون أن تحدث اختراقا في تمهيد لمفاوضات إنهاء الصراع بين موسكو وكييف.