قبور جنرالات فرانكو في إسبانيا... لا تكريم بعد اليوم

28 ابريل 2023
"وادي الشهداء" في ضواحي مدريد، الاثنين الماضي (سيلفيو كاستيانوس/رويترز)
+ الخط -

لا تزال مرحلة حكم الجنرال فرانشيسكو فرانكو، بين عامي 1939 و1975، تلاحق السلطات الإسبانية حتى اليوم، هي التي تطمح لإغلاق هذه المرحلة السوداء في التاريخ الحديث للبلاد عبر تطبيق "قانون الذاكرة الديمقراطية"، الذي أبصر النور في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من خلال السماح بتخصيص ميزانيات لعمليات استخراج رفات ضحايا حكم فرانكو، وإجراء فحوصات الحمض النووي لتسليمها للعائلات، أو من تبقى منها على الأقل.

ويهدف القانون إلى تجريم الاحتفال بانقلاب فرانكو أو أي من رموزه، ونزع الألقاب العسكرية عن الجنرالات المشاركين فيه، أو إطلاق أسماء على الشوارع والميادين العامة تحمل أي إشارة تعود لذلك العهد. مع العلم أن إسبانيا أقرّت "قانون الذاكرة التاريخي" في عام 2007، لكنه لاقى انتقادات واسعة من مجموعات يسارية، لكونه لا يحقق العدالة لجميع ضحايا نظام فرانكو.

نقل رفات رموز الديكتاتورية

وفي موازاة تطبيق "قانون الذاكرة الديمقراطية"، تعمل السلطات على نقل رفات رموز من قادة تلك المرحلة، بهدف نزع عملية "التمجيد" عنها. وفي 24 إبريل/ نيسان الحالي، بدأت عملية نقل رفات مؤسس حزب "الكتائب" الإسباني الفاشي في عام 1934، الجنرال خوسيه أنتونيو بريمو دي ريفيرا، المدفون في "وادي الشهداء" في مقاطعة مدريد، الذي أعدمته الجمهورية الإسبانية عام 1936 بتهمة التمرد العسكري والدعوة للانقلاب عليها في سجن مدينة أليكانتي على البحر المتوسط.


بيني سانشيز: يتعين على الحكومة تغطية نفقات الرفات الموجودة في وادي الشهداء

ونقلت رفات ريفيرا في المرة الأولى عام 1938 من مقبرة السجن إلى إحدى الكنائس في أليكانتي، وفي العام التالي نقلت للمرة الثانية من أليكانتي إلى مدريد سيراً على الأقدام بمسافة تصل إلى 300 كيلومتر على أكتاف عناصر "الكتائب" في عام 1939، أي بعد انتهاء الحرب الأهلية (1936 ـ 1939) بانتصار فرانكو على رأس القوميين، على الجمهوريين.

وبعد وصول النعش إلى مدريد، استقبله فرانكو استقبال الأبطال، ووضع إلى جانبه زهوراً أرسلها الزعيمان، الألماني النازي أدولف هتلر، والفاشي الإيطالي بينيتو موسوليني. دُفن ريفيرا في بلدة سان لورنزو دي إل إسكوريال، شمالي مدريد، وظلّت رفاته فيها حتى عام 1959 قبل نقله إلى "وادي الشهداء" في البلدة نفسها.

و"وادي الشهداء" هو أبرز معالم الفترة الديكتاتورية، وهو عبارة عن واد ضخم، بناه أكثر من 20 ألف شخص، كثيرون منهم معتقلون سياسيون مناهضون للانقلاب العسكري.

بدأت أعمال بنائه بعد عام واحد من انتصار فرانكو في الحرب الأهلية، أي في عام 1940 واستمرت الأعمال فيه حتى عام 1958، قبل افتتاحه رسمياً في عام 1959. وباعتبار المكان رمزاً من رموز الديكتاتورية وتمجيدها، اتخذت الحكومة قراراً في عام 2019، بنقل رفات فرانكو منه ونقله إلى مقبرة في مدريد. كما استُخرجت رفات ريفيرا ونُقل إلى مدريد أيضاً.

ويُعد "وادي الشهداء" أحد أبرز المعضلات التي تواجه الحكومة، إذ إن فرانكو أمر بنقل رفات آلاف الضحايا من الجمهوريين إلى جانب الجنود الذين قاتلوا معه، ووضعهم في جدران "بازيليك الصليب المقدس"، واستخدام تلك الرفات لملء الفراغات داخل الصرح، ما يجعل عملية استخراجها اليوم شبه مستحيلة.

أمر دفع البعض لاعتبار المكان أكبر مقبرة جماعية في إسبانيا، لوجود رفات 33847 ضحية فيها. وبموجب "قانون الذاكرة الديمقراطية"، أصبح "وادي الشهداء" مقبرة وطنية تضمّ كل من سقطوا في الحرب الأهلية، ومنع تخصيص مكان مميز لرفات أي شخص.

ومع ذلك سمح القانون لذوي الضحايا بتقديم طلب لاستخراج الرفات، وذلك بعد مطالبة 121 عائلة بذلك، على اعتبار أن الضحايا دُفنوا من دون موافقة ذويهم. ووفقاً للقانون، يجب على الحكومة الإسبانية توفير الموارد اللازمة لإتمام تلك العملية.

لكن "الجمعية الإسبانية لاستعادة الذاكرة التاريخية" انتقدت أخيراً "إجراء الحكومة الإسبانية مباحثات مع عائلة الجنرال ريفيرا قبل نقله إلى مقبرة، في الوقت الذي تجاهلت فيه هذه الحكومة آلاف العائلات من المفقودين الجمهوريين في مقابر جماعية".

وذكرت في بيان أنه "عندما أوشك (رئيس الحكومة) بيدرو سانشيز على إكمال خمس سنوات كرئيس للحكومة، لم تتمكن أي عائلة طلبت إزالة الرفات من وادي الشهداء، والتي اختطفها نظام فرانكو، من استعادتها".

خطوات الحكومة غير كافية

بيني سانشيز، ناشط سياسي يعمل في قضية المفقودين في الحرب الأهلية، جده أحد الضحايا الذين أعدمهم فرانكو عام 1936 ولم يتم التعرف إلى مكان دفنه سوى في العام الماضي بعد فتح قبر جماعي قرب مدينة توليدو، وسط إسبانيا.

يقول سانشيز لـ"العربي الجديد"، إن ما تفعله الحكومة الإسبانية ليس كافياً على الإطلاق، وما يتعين عليها فعله هو تغطية جميع النفقات لجميع الرفات الموجودة في وادي الشهداء. ويلفت إلى أن نفقات هذه العملية ستكون باهظة، لكن التاريخ يستحق هذه التكاليف.

ويؤكد سانشيز أن "وادي الشهداء" يجب أن يُهدم بشكل كامل، وتتم زراعته بالأشجار، لأنه حتى لو تم تغيير اسمه فإنه سيبقى رمزاً مؤلماً لتلك الحقبة.


يولاندا دياز: يجب إخراج الفاشييين من الأضرحة والشوارع

في المقابل، قالت النائبة الثانية لرئيس الحكومة الإسبانية يولاندا دياز، في تصريحات صحافية، تعقيباً على عملية استخراج رفات ريفيرا، إن "السلطة التنفيذية المركزية تمتثل للقانون وتحل الشذوذ التاريخي بنقل رفات مؤسس الفاشية في إسبانيا".

أما زعيمة حزب "بوديموس" اليساري، وزيرة الحقوق الاجتماعية إيوني بيلارا، فقد اعتبرت في تغريدة على "تويتر"، أن استخراج الرفات "بشرى سارة للديمقراطية". وحثت على تطبيق "قانون الذاكرة الديمقراطية بشكل أكثر فعالية حتى يحصل أقارب ضحايا الفاشية على تعويض". وأضافت: "يجب إخراج الفاشيين من الأضرحة والشوارع".

وينضم الجنرال ريفيرا إلى المستخرجين من قبورهم من جنرالات الانقلاب، مثل الجنرالين إيميليو مولا وخوسيه سانخورخو. واستُخرجت رفات الأول من "وادي الشهداء" في عام 2016، بينما استُخرجت رفات الثاني من إحدى كنائس مدينة بامبلونا، شمالي إسبانيا، في العام نفسه.

وفي عام 2022 أزيلت رفات الجنرال غونزالو كويبو دي لانو من إحدى كنائس إشبيلية وهو أحد قادة الانقلاب الدمويين، والمُتهم بإعدام نحو 45 ألف شخص في مقاطعة الأندلس خلال الحرب الأهلية، من بينهم الشاعر فيديريكو غارسيا لوركا.

كما تسعى الحكومة لإزالة رفات آخر جنرالات الانقلاب خوسيه موسكاردو إيتوارتي، في قلعة توليدو بعد وفاته في عام 1956، أي في المنطقة التي تحصن في قلعتها وصمد أمام قوات الحكومة ولم يسلمها خلال الحرب الأهلية.

وتكريماً له منحه فرانكو وسام النبالة، إلى جانب نحو 200 جندي وضابط، من بينهم الضابط خايمي ميلانس ديل بوش، الذي حاول الانقلاب على الحكومة الإسبانية في عام 1981 وأمر بنزول الدبابات إلى الشوارع، قبل أن تفشل المحاولة ويتم اعتقاله ومحاكمته عسكرياً وتجريده من ألقابه والحكم عليه بالسجن 30 عاماً، ثم إطلاق سراحه في عام 1991 بسبب كبر سنه، قبل وفاته في عام 1997.