من جديد، عاد الجدل إلى الشارع المصري، إثر إعلان بعض نواب البرلمان اعتزامهم التقدم بتعديلات على قانون الإيجارات السكنية القديمة، الذي يمس أوضاع نحو 8 ملايين و900 ألف شقة تخضع لأحكامه، يقطنها بين 12 و15 مليون مواطن على أدنى تقدير، وفقاً لإحصائيات شبه رسمية في مصر.
وقال مصدر مطلع في مجلس النواب لـ"العربي الجديد"، إنّ رئيس البرلمان حنفي جبالي طالب رئيس هيئة حزب "مستقبل وطن" الحائز على الأغلبية أشرف رشاد، بعدم فتح ملف الإيجارات القديمة خلال الفترة الراهنة، والضغط على أعضاء المجلس لإرجاء التقدم بأي اقتراحات على القانون سواء من الأغلبية أو الأقلية. وعزا جبالي مطلبه إلى "أولوية تصدي السلطتين التشريعية والتنفيذية لملفات مثل التصالح في بعض مخالفات البناء، وتعديلات قانون الشهر العقاري الرامية إلى تعظيم موارد الدولة"، موضحاً أنّ قانون الإيجارات القديمة هو "قانون شائك"، ولن يجلب للدولة سوى الانتقادات من المؤجرين والمستأجرين على حد سواء، وفق المصدر.
جبالي: قانون الإيجارات القديمة لن يكون له مردود حقيقي على زيادة إيرادات الدولة
ونقل المصدر عن جبالي قوله إنّ "قانون الإيجارات القديمة لن يكون له مردود حقيقي على زيادة إيرادات الدولة، لأن أي اقتراحات مقدمة في شأنه، تستهدف في المقام الأول تحرير عقد الإيجار خلال مدة زمنية محددة، مع إقرار زيادة سنوية على قيمته، بما يعني عدم استفادة خزانة الدولة من تعديل القانون".
وفشل مجلس النواب السابق في إيجاد حلول لأزمة الإيجارات القديمة على مدى 5 سنوات، إذ لم يناقش أي اقتراحات مقدمة من النواب حيال تعديل القانون. وتتركز أغلب الإيجارات القديمة للوحدات السكنية في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية، وبعض محافظات الوجه البحري.
يذكر أنّ خبراء في مجال العقارات حذروا البرلمان من تمرير تشريعات تضرب استقرار المجتمع، والعلاقات بين أفراده، ومصالحهم، على غرار قانون الإيجارات القديمة، باعتبار أنّ تحرير العلاقة الإيجارية، سيكون على حساب طبقات مطحونة تضررت كثيراً من قرار تحرير سعر صرف الجنيه وما صاحبه من ارتفاع في أسعار كافة السلع الأساسية والخدمات العامة، في وقت تزداد فيه معدلات البطالة بصورة لافتة منذ بدء أزمة تفشي وباء كورونا في البلاد قبل نحو عام.
وتتلكأ الحكومة المصرية في إعداد مشروع قانون، كانت قد أعلنت عنه في وقت سابق، بشأن تحرير عقود الإيجارات القديمة، إيذاناً بعرضه على مجلس النواب، على الرغم من تسريب بعض نصوصه، ومنها تحرير العلاقة بين المالك والمستأجر بعد 7 سنوات من إقرار زيادة بدل الإيجار، مع جواز إخلاء المستأجر للوحدة في مقابل الحصول على مبلغ مالي من المالك.
برلماني: اقتراحات بعض النواب حول الموضوع، ما هي إلا اجتهادات شخصية
اجتهادات شخصية
ورجح برلماني مصري، فضّل عدم ذكر اسمه، عدم مناقشة البرلمان الحالي للقانون "بسبب مشاكله المتعددة، وأثره على المستأجرين في ظلّ ظروف معيشية صعبة يواجهونها جراء برنامج الإصلاح الاقتصادي"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "اقتراحات بعض النواب حول الموضوع، ما هي إلا اجتهادات شخصية، لعدم إعلان الحكومة مناقشة أي تعديل على القانون، أو فتح هذا الملف من قريب أو بعيد".
وأخيراً، أعلن النائب أحمد عبد السلام قورة، المتورط في تحويل 26 ألف فدان بمنطقة العياط بالجيزة إلى النشاط العمراني بعد شرائها بغرض الاستصلاح والزراعة، اعتزامه التقدم باقتراح تعديل قانون الإيجارات القديمة، بدعوى "تحقيق التوازن في علاقة الإيجار بين الملّاك والمستأجرين، ورفع الظلم الواقع على أغلب الملّاك".
وتضمّن اقتراح قورة تعديل 6 مواد في القانون، أبرزها حول إمكانية إخلاء الوحدة المؤجرة في حال غلقها لمدة 3 سنوات لغير غرض السفر، أو مرور المدة نفسها على استخراج ترخيص بناء جديد باسم المستأجر أو زوجته أو أولاده القصر، أو حصول المستأجر أو زوجته على وحدة سكنية من برامج الإسكان الاجتماعي التي تتبناها الدولة. كذلك شمل الاقتراح تحديد حد أدنى للإيجار 200 جنيه (نحو 13 دولاراً) شهرياً للوحدات السكنية، و300 جنيه للوحدات الإدارية، مع إقرار زيادة سنوية بنسبة 10 في المائة، وإنشاء صندوق لدعم المستأجرين غير القادرين، تكون حصيلته من موارد الضريبة العقارية التي تترتب عن الوحدات المخلاة وفقاً لأحكام القانون، ولمدة أقصاها 5 سنوات.
عبد السلام: عدد من أعضاء البرلمان لديهم مصلحة مباشرة في مناقشة القانون
طرد المستأجر
من جهته، قال المنسق العام لـ"رابطة المستأجرين القدامى" شريف عبد السلام إن "تعديل القانون داخل مجلس النواب، معناه طرد المستأجر أو زيادة قيمة الإيجار الشهري، وهو ما سيؤثر سلباً على أعداد كبيرة من المستأجرين، والذين يصل عددهم إلى 10 ملايين مواطن، بخلاف الزوجة وولدين على الأقل في كل وحدة سكنية". وتساءل في لهجة استنكارية: "هل جميع التشريعات والقضايا نوقشت في مصر حتى يفتح البرلمان ملف قانون الإيجارات القديمة؟"، مضيفاً "عدد من أعضاء البرلمان لديهم مصلحة مباشرة في مناقشة القانون بوصفهم من الملاك، ولكن أي تعديل يجرى على القانون حالياً، ويضر بالملايين من المستأجرين، قد يُنذر بثورة شعبية".
بدوره، قال عاطف أحمد، وهو موظف حكومي، ويقيم في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة منذ 20 عاماً، إنّ قيمة الإيجار الشهري لوحدته السكنية يبلغ 100 جنيه، وهو مبلغ كانت له قيمته عند تحرير عقد الإيجار، مضيفاً "كذلك دفعت مبلغ 9 آلاف جنيه عند تسلمي الوحدة، وهو ما يسمى بـ(الخلو)، وغير مذكور في العقد كونه مخالفاً للقانون".
بينما قال سيد صالح، وهو يعمل كسائق، ومستأجر لإحدى الوحدات السكنية بمحافظة الجيزة منذ عام 1995، إنّ "قيمة الإيجار كانت 70 جنيهاً شهرياً، ومع دخول الغاز الطبيعي للوحدات السكنية، رفض المالك تركيب الغاز في العقار إلا بعد زيادة قيمة الإيجار، وهو ما استجاب له السكان بزيادة القيمة بنسبة تجاوز 100 في المائة، لتصل إلى 150 جنيهاً شهرياً". وأضاف صالح في حديث خاص: "أي زيادة جديدة ستكون على المبلغ الأخير للإيجار، وهو ما يعدّ ظلماً للمستأجر، خصوصاً أنّ الكثير من الوحدات السكنية القديمة يُقيم بها كبار السن من أصحاب المعاشات، والتي تذهب النسبة الأكبر منها إلى مصاريف العلاج والدواء، وسداد فواتير الكهرباء والمياه والغاز".
أما حسن محمد، وهو تاجر، فقال إنّ "عقود الإيجار القديمة أبرمت بالتراضي بين الطرفين، وبالتالي يرفض أي مستأجر المساس بقانون الإيجارات القديمة، لا سيما مع ارتفاع أسعار الوحدات السكنية بصورة كبيرة، وكذلك أسعار الإيجارات الجديدة، والتي باتت لا تقل عن 1500 جنيه شهرياً".
أحد الملّاك: قانون الإيجارات القديمة فيه ظلم شديد للمالك
في المقابل، ينتظر الملاك في مصر تعديلات قانون الإيجارات القديمة بفارغ الصبر، من أجل الحصول على حقوقهم. وفي هذا السياق، قال حسني محمود، وهو موظف متقاعد، ومالك لأحد العقارات بحي الشرابية في القاهرة، إنه يمتلك عقاراً مكوناً من 7 طوابق، و"إجمالي إيجاره الشهري لا يتجاوز 500 جنيه، بينما إيجار الوحدة الواحدة يراوح بين 1000 و1200 جنيه شهرياً في المنطقة نفسها". وأضاف: "قانون الإيجارات القديمة فيه ظلم شديد للمالك، ويجب تعديله فوراً"، الأمر الذي اتفق معه عليه مالك آخر لأحد العقارات بمنطقة صفط اللبن بمحافظة الجيزة، ويدعى جابر عبد الفتاح، قائلاً إن "قيمة الإيجار القديم لا تتناسب حالياً مع موجة غلاء الأسعار، فكيف يعيش المالك بهذه الجنيهات الشهرية؟".
ولم تنجح محاولات حثيثة من بعض النواب في تمرير تعديلات قانون الإيجارات القديمة خلال الفصل التشريعي السابق (2015 - 2020)، ومنها مشروع مقدم من 115 نائباً من ائتلاف الأغلبية آنذاك "دعم مصر"، ينصّ على تحرير عقود الإيجار نهائياً خلال مدة 10 سنوات، من خلال زيادة سنوية متصاعدة للقيمة الإيجارية لقاطنيها، تصل إلى المثل بعد انقضاء المدة المحددة. ولم تراع التعديلات المقترحة حق السكن الذي نص عليه الدستور المصري، إذ لم تُلزم الدولة بتوفير بدائل لقاطني الوحدات السكنية. كما خالفت حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في عام 2002، بشأن عدم أحقية الملاك في تغيير القيمة الإيجارية أكثر من مرة، في إطار الحفاظ على السلم الاجتماعي.