لا تعاني ليبيا من خطر تسرب المتحوّرات من فيروس كورونا فقط، بل لديها فيروسات سياسية أجادت لعبة التحور والتغيّر والتأقلم مع كل ظرف من أجل البقاء. وأشهر من أتقن لعبة التحور السياسي في ليبيا طيلة العقد الماضي من عمر الثورة، هو العقيد المتقاعد خليفة حفتر، الذي أصبح "لواءً" على الرغم من تقاعده الاعتباري بحكم السن، ثم "مشيراً"، قبل أن يضيف درجة "أركان حرب" لرتبة المشير التي يبدو أنه استمدها من واقع حروبه الضروس في بنغازي ودرنة والهلال النفطي وأجدابيا. وظهر حفتر إبان ثورة فبراير/شباط عام 2011، التي أسقطت رفيقه السابق معمر القذافي، كقائد عام للقوات البرية، قبل أن يختفي لثلاث سنوات، تحوّر خلالها من قائد عسكري إلى مناضل سياسي يناقش فكره السياسي عبر كتاب لإنقاذ ليبيا أصدره في أعوام عقد التسعينيات الماضي. ولاحقاً في فبراير 2014، ومن خلال شاشة إحدى الفضائيات التي تعوّد الظهور من خلالها كمناضل سياسي، ظهر فجأة ليعلن عن انقلاب على السلطة وتجميد العمل بالدستور المؤقت ونقل كل صلاحيات البرلمان لما سماه بـ"الجيش الوطني". وإثر فشله في هذا الإطار، تحوّر مجدداً، لكن هذه المرة مزاوجاً بين السياسة والسلاح، فعملية الكرامة التي أطلقها منتصف عام 2014، في بنغازي تهدف لـ"استرداد كرامة الليبيين". ولكي يغازل في الوقت ذاته سياسات الدول الكبرى، رفع شعار "مكافحة الإرهاب"، وبعدها السهر على حماية مصدر قوت الليبيين في مناطق الهلال النفطي، قبل أن ينتشر في الجنوب الليبي ويصل بعد ذلك إلى طرابلس لـ"القضاء على الإرهاب والمليشيات" أيضاً. وإثر هزيمته، عاد مناضلاً، بواسطة خطاباته، ضد "الغزو التركي". وأخيراً وليس آخراً، يسعى أنصاره في مجلس النواب لتفصيل قانون الانتخابات على مقاسه الخاص، لكي يتمكن من الوصول إلى كرسي الحكم الذي لطالما حلم به، بشكل ديمقراطي!
المتحوّرون كثر في ليبيا، فالمؤتمر الوطني العام، تمكّن هو الآخر من التحوّر إلى جسم سياسي جديد حمل اسم "المجلس الأعلى للدولة". كما مكنت جلسات التفاوض في الصخيرات المغربية عام 2015، وقمرت التونسية العام الماضي، مجلس النواب من التحوّر، ليبقى حاملاً الاسم نفسه، ولكن اختلفت وظائفه. فبعد أن كان مجلس نواب طبرق واجهة سياسية لحفتر لسنوات، أصبح اليوم مجلس النواب الليبي المناط به إصدار التشريعات وسن قوانين الانتخابات، ومحاسبة أول حكومة موحدة في البلاد بعد ست سنوات من الصراع. فهل تنهي انتخابات ديسمبر/كانون الأول المقبل المتحوّرين؟