"فيتو" أميركي في مجلس الأمن ضد قرار للهدنة الإنسانية بغزة

18 أكتوبر 2023
المندوبة الأميركية استخدمت حق الفيتو لإجهاض القرار (Getty)
+ الخط -

عرقلت الولايات المتحدة جهود مجلس الأمن الدولي لتبني مشروع قرار برازيلي يدعو إلى هدنة إنسانية وإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وبالرغم من أن 12 دولة صوتت لصالح القرار، فإن استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) حال دون تبنيه، حيث يتطلب تبني أي مشروع قرار تسعة أصوات داعمة، دون اللجوء إلى حق النقض من قبل الدول الأعضاء دائمة العضوية.

ويأتي هذا الفشل كقرار ثانٍ حول غزة خلال أسبوع واحد، مع استمرار مجلس الأمن في عجزه عن التوافق على إجراءات تهدف إلى هدنة إنسانية في المنطقة المنكوبة. في الوقت الذي صوت فيه المجلس على مشروع قرار روسي بشأن هدنة إنسانية وتقديم المساعدات، إلا أنه لم ينجح في الحصول على الأصوات التسعة اللازمة لتبنيه.

وقال مندوب روسيا، فاسيلي نبنزيا، بعد التصويت: "نشهد مجدداً تضاعف المعايير والنفاق من الجانب الأميركي (...) ليس لديهم رغبة في حلّ المسألة في الوقت الحالي (في مجلس الأمن)، واضطروا إلى أن يكونوا واضحين في استخدام الفيتو". وأضاف: "أرغب فقط في التعليق على تصريح أحد الأشخاص لوسائل الإعلام أمس، حيث قال إنه ليس هناك حاجة لتقييد إجراءات القوات العسكرية الإسرائيلية (...) ونحن مستعدون لتقديم الأسلحة. هذا هو جوهر السياسة الأميركية".

أما المندوبة الأميركية، ليندا توماس غرينفيلد، فقالت إن وجود الرئيس جو بايدن في المنطقة يشير إلى انخراط الولايات المتحدة في الجهود الدبلوماسية. وادعت أن بلادها تعمل جاهدة على تخفيف معاناة السكان في قطاع غزة. ثم أكدت "خيبتها" لعدم تضمين القرار "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". وأكدت ضرورة حماية المدنيين. بينما استخدمت كلمة "انفجار" للتعبير عن استهداف المستشفى الأهلي المعمداني في غزة، أمس الثلاثاء.

من جهته، أعرب مندوب الصين، تسانغ يون، عن صدمة بلاده بسبب عدم تبني القرار نتيجة الفيتو الأميركي، قائلاً: "كنا نتوقع أن يتبنى المجلس مشروع القرار، وهذه النتيجة كانت خارجة عن توقعات الجميع". وأضاف: "في ما يتعلق بتدهور الأوضاع في غزة والقصف الجوي الذي طاول المستشفى يوم أمس، فإنّ من الضروري أن يتحرك المجلس بسرعة. نحن ندين بأشد العبارات الهجوم الجوي على المستشفى، وندعو إسرائيل بقوة للامتثال بشكل كامل لالتزاماتها وفقاً للقانون الدولي الإنساني".

وفي سياق متصل عقد مجلس الأمن الدولي جلسة إضافية منفصلة وطارئة حول الهجوم على المستشفى المعمداني، دعت إليها كل من الإمارات وروسيا. وخلال الجلسة، قدّم عدد من المسؤولين الأمميين وممثلو الدول مداخلاتهم. 

شدد مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، على ضرورة التحقيق في ظروف استهداف المستشفى الأهلي (المعمداني) في غزة.

ووصف الوضع الحالي في الشرق الأوسط والحرب الدائرة بأنها "الأصعب خلال الأعوام الخمسة وسبعين الماضية". وتابع: "أصبحنا على حافة هاوية وخطيرة قد تغير مسار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، إن لم يكن مسار الشرق الأوسط ككل".

وقال إننا في المجتمع الدولي بعد "أكثر من قرن من الصراع وأكثر من نصف قرن من الاحتلال، فشلنا، بشكل جماعي، في دفع الأطراف إلى التوصل إلى حل سياسي عادل ومستدام". وتحدث عن فروقات عميقة في المواقف "تمتد إلى ما هو أبعد من حدود إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة". وحذر من خطر "توسع هذا الصراع" ووصفه بالخطر الحقيقي للغاية.

من جهته، لفت مساعد الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، إلى بيان منظمة الصحة العالمية، التابعة للأمم المتحدة والذي أكد أن المستشفى الأهلي الذي تم استهدافه هو واحد من 20 مستشفى في شمال غزة أمرت السلطات الإسرائيلية بإجلائها.

وشدد غريفيث على أن ذلك لم يكن ممكنا بسبب انعدام الأمن والحالة الحرجة للعديد من المرضى، ونقص سيارات الإسعاف والموظفين وعدم قدرتها على القيام بذلك.

وأضاف غريفيث: "منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول (...) قُتل 28 من العاملين في المجال الصحي في غزة وأصيب 23 آخرو، وكانت هناك تقارير عديدة عن تعرض المرافق الصحية لأضرار جسيمة - وبالفعل كان المستشفى الأهلي نفسه قد تعرض للقصف في 14 أكتوبر/تشرين الأول".

وتحدث عن مواجهة المستشفيات والمرافق الصحية في غزة: "ضغوطًا هائلة بسبب التحدي الكبير المتمثل في تلبية احتياجات الرعاية الصحية للعدد المتزايد من المرضى والجرحى، وكل ذلك في الوقت الذي تواجه فيه نقصًا كبيرًا في الإمدادات الطبية والمياه والوقود".

من جهته، قال السفير الأردني، محمود الحمود، خلال الجلسة متحدثا باسم المجموعة العربية في الأمم المتحدة والتي ترأسها بلاده هذا الشهر، إن "المجموعة العربية تعرب عن إدانتها واستنكارها بأشد العبارات للمجزرة البشعة التي ارتكبتها جيش الاحتلال الإسرائيلي المجرم أمس بحق المدنيين الأبرياء والمصابين الذين كانوا يتلقون العلاج في المستشفى".

وحمل السفير الأردني باسم المجموعة العربية "إسرائيل القوة القائمة بالاحتلال المسؤولية الكاملة عن جريمة الحرب النكراء هذه التي لا يمكن السكوت عنها، مطالبين مجلس الأمن بالتحرك فوراً لوقف إطلاق النار والعدوان الإسرائيلي الغاشم على أهل غزة، وضمان دخول المساعدات الإنسانية والطبية إلى القطاع وتوفير الحماية للطواقم الطبية والمنشآت الطبية والتعليمية والمدنية والأممية".

وشدد على ضرورة منع التهجير القسري، متحدثا عن خرق إسرائيل لاتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة بالإضافة إلى قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

وأكد السفير الأردني باسم المجموعة العربية إن "استهداف إسرائيل للمستشفى المعمداني لم يأت من فراغ، حيث كانت تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين واضحة، وأظهرت جليا أنها لن تحترم القيم الإنسانية والأخلاقية والقانونية إذا تعتبر المستشفيات أهداف عسكرية يجب إخلائها فوراً".

وقبل التصويت، طلبت روسيا إضافة فقرات إلى مشروع القرار تتضمن الدعوة إلى "وقف فوري ودائم لإطلاق النار لأسباب إنسانية يجب أن يُحترم بشكل كامل". كذلك طلبت روسيا تعديلاً ثانياً للفقرات العاملة ليشمل الإدانة بشدة للهجمات العشوائية على المدنيين والبنية المدنية في قطاع غزة، التي أدت إلى سقوط ضحايا من بين المدنيين، ولا سيما الهجوم الشنيع على المستشفى الأهلي. كذلك ترفض وتدين فرض الحصار على قطاع غزة، ما يحرم السكان المدنيين الوسائل الأساسية للبقاء على قيد الحياة، وذلك في انتهاك واضح للقانون الإنساني الدولي.

على الرغم من أن هذه التعديلات لم تحصل على الأصوات التسعة اللازمة لتبنيها، إلا أن المجلس صوت في النهاية على المسودة البرازيلية التي أدينت فيها حركة حماس دون إدانة لمقتل المدنيين الفلسطينيين، ودعت إلى هدنة إنسانية وإدخال المساعدات الإنسانية، ورغم ذلك، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض.

أما المشروع البرازيلي، فيتضمن تعبير مجلس الأمن عن قلق عميق بسبب التصاعد العنف وتفاقم الوضع في المنطقة، وتحديداً الخسائر الكبيرة التي لحقت بالمدنيين. ويشدد على ضرورة حماية المدنيين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وذلك وفقاً للمعايير الدولية والقوانين الإنسانية الدولية. المشروع أيضاً يعرب عن القلق بشدة حيال الوضع الإنساني في قطاع غزة وتأثيره الخطير في المدنيين، وتحديداً الأطفال، ويؤكد أهمية تقديم المساعدات الإنسانية بشكل كامل وفوري وبشكل آمن دون عوائق.

ويدين المشروع "بشدة جميع أعمال العنف والأعمال العدائية ضد المدنيين، وجميع أعمال الإرهاب. ويشجب بشكل قاطع الهجمات التي نُفذت من قبل حماس في إسرائيل اعتباراً من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والاحتجاز غير المشروط للرهائن المدنيين". ويدعو إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن ومعاملتهم وفقاً للقوانين الدولية.

المشروع يشدد على ضرورة الامتثال الكامل لجميع الأطراف لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. ويشمل ذلك الامتثال للمبادئ المتعلقة بسير الأعمال العدائية، وحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية، وكذلك حقوق العاملين في المجال الإنساني. ويحث على ضرورة تسهيل وتمكين وصول المساعدات الإنسانية للإمدادات والخدمات الأساسية للأشخاص الذين في حاجة إليها.

ويطالب المشروع بتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين دون وجود عوائق، وذلك بما في ذلك توفير الكهرباء والمياه والوقود، والمواد الغذائية والإمدادات الطبية. ويدعو إسرائيل إلى الإلغاء الفوري للأوامر التي أصدرتها للمدنيين وموظفي الأمم المتحدة بشأن إخلاء جميع المناطق في شمال وادي غزة والانتقال إلى جنوب غزة، دون ذكرها بالاسم.

وتشدد مسودة المشروع على ضرورة تنفيذ "هدنة إنسانية" تمكن من وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل وسريع وآمن دون وجود عوائق للوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وشركائها. وتشجع على إنشاء "ممرات إنسانية" لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين. وتؤكد أهمية إنشاء "آلية للإخطار الإنساني" لحماية مرافق الأمم المتحدة وجميع المواقع الإنسانية، وضمان حركة قوافل المساعدات.

ويدعو مشروع القرار إلى حماية جميع العاملين في المجال الطبي والعاملين في المجال الإنساني، وتحث الأطراف كافة على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس.

المساهمون