فنزويلا وكولومبيا تستعيدان العلاقات: حاجة مشتركة تتحدى التوترات

فنزويلا وكولومبيا تستعيدان العلاقات: حاجة مشتركة تتحدى التوترات

30 اغسطس 2022
سمحت كولومبيا قبل فترة بمرور المشاة عبر الحدود (شنايدر مندوزا/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت العلاقات الرسمية بين فنزويلا وكولومبيا، أول من أمس الأحد، تطوراً لافتاً، مع استعادتها دبلوماسياً بشكل كامل إثر قطيعة دامت 3 سنوات. ومع تبوؤ اليساري غوستافو بيترو رئاسة كولومبيا (أدّى اليمين الدستورية في 8 أغسطس/آب الحالي)، وهي المرة الأولى التي يصل فيها يساري إلى الحكم في هذا البلد الواقع في أميركا اللاتينية، يُتوقع أن تتمكن كل من كاراكاس وبوغوتا من التوافق حول عدد من المسائل الحيوية بينهما، لا سيما المتعلقة بالحدود.

ويبحث كلا البلدين، عن حلول لأزماتهما الخانقة. وتبدو كولومبيا، اليوم، أكثر حاجة إلى التعاون مع الدولة الجارة، إذا ما أراد بيترو الوفاء بتعهدات قطعها خلال حملته الانتخابية، وأهمها مواجهة انعدام المساواة في بلاده، والسعي إلى سلام دائم مع الجماعات المسلّحة المتمردة في البلاد.

ستشمل إعادة التطبيع فتح الحدود البرّية وإعادة العلاقات العسكرية

ولا يبدو سير كولومبيا في اتجاه التطبيع مع فنزويلا، بعيداً عن بعض توجهات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي تريد من جهتها، محاربة تجارة المخدرات المزدهرة على حدود هذين البلدين، والعصابات المنظمة، وإيجاد حلول مستدامة لأزمات الهجرة غير النظامية. إلا أن بيترو، الذي التقى أخيراً وفداً من إدارة جو بايدن، انتقد مراراً الحملة العسكرية الأميركية على تجارة المخدرات، حيث تعتبر حدود بلاده مع فنزويلا البؤرة الأكثر ازدهاراً لها على الإطلاق في "نصف الكرة الأرضية الغربية"، وهو المصطلح الأميركي لشؤون أميركا اللاتينية.

فنزويلا وكولومبيا: إنهاء القطيعة الدبلوماسية

وأعلنت فنزويلا وكولومبيا أول من أمس، إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما بشكل كامل بعد قطيعة دامت 3 سنوات، وذلك مع تشكيل الحكومة اليسارية الجديدة في بوغوتا. واعتبر السفير الكولومبي الجديد إلى كاراكاس، أرماندو بينيديتي، الأحد، لدى وصوله إلى العاصمة الفنزويلية، أن "العلاقات مع فنزويلا ما كان ينبغي أن تُقطع أبداً"، مضيفاً في تعليق على "تويتر": "نحن إخوة، ولا يمكن أن يفصلنا خط وهمي".

بدوره، غرّد نائب وزير الخارجية الفنزويلي، راندر بينا راميريز، الذي استقبل بينيديتي في المطار، بقوله إن "علاقاتنا التاريخية تدعونا للعمل معاً من أجل سعادة شعبينا". وكانت فنزويلا أعلنت من جهتها، أيضاً، تعيين فليكس بلاسينسيا، وهو وزير خارجية أسبق، سفيراً لبلاده في بوغوتا.

وكان الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو ونظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو قد أعلنا في 11 أغسطس الحالي، عزمهما إعادة العلاقات الدبلوماسية بين بلديهما، وذلك بعد قطيعة استمرت منذ عام 2019، حين حاولت المعارضة الفنزويلية بقيادة خوان غوايدو إدخال مساعدات غذائية وطبية إلى فنزويلا عبر شاحنات على الحدود مع كولومبيا، وهو ما اعتبره مادورو محاولة انقلاب بمساعدة بوغوتا.

وفي ذلك الوقت، أغلقت السفارات والقنصليات في كلا البلدين، وأوقفت الرحلات الجوية، وحتى الحدود البرّية المشتركة التي يبلغ طولها ألفي كيلومتر أغلقت بين عامي 2019 وأكتوبر/تشرين الأول 2021، عندما جرى فتحها أمام المشاة فقط. وكان سلف بيترو، إيفان دوكي، قد رفض الاعتراف بمادورو رئيساً بعد إعادة انتخاب الأخير مجدداً في مايو/أيار 2018، بل اعترف بزعيم المعارضة خوان غوايدو.

لكن العلاقة بين البلدين الجارين في أميركا الجنوبية، لم تكن أفضل حالاً قبل ذلك، إذ لطالما اتسمت بالتوتر وقلة الثقة المتبادلة، خصوصاً في ظل نظامي حكم مختلفين، بين فنزويلا اليسارية، وكولومبيا التي تعاقب على حكمها رؤساء يمينيون، بدءاً من ألفارو أوريبي (2002 - 2010).

وبالإضافة إلى تبادل السفراء، ستشمل عملية التطبيع، إعادة فتح الحدود بين البلدين التي ظلّت مغلقة إلى حد كبير أمام المركبات منذ أعوام. لكن ذلك قد يأخذ بعض الوقت، بحسب ما أعلنت وزارة الاقتصاد الكولومبية، في 18 أغسطس، أخذاً في الاعتبار "الإجراءات القانونية والإعادة الكاملة للعلاقات الدبلوماسية".

وبالإضافة إلى ذلك، فقد أعلنت كاراكاس وبوغوتا نيتهما إعادة العلاقات العسكرية، وهو ما كان أكده وزير الدفاع الفنزويلي فلاديمير بادرينو، في 9 أغسطس.

لطالما نظرت بوغوتا إلى كاراكاس بعين الريبة لجهة دعمها الحركات المتمردة

الحدود البرّية والتجارة... همّ مشترك

ويؤشر هذا التطور في العلاقات، إلى رؤية براغماتية لدى الطرفين، عنوانها الأساسي الحدود البرّية المشتركة بين البلدين، والتي يبلغ طولها حوالي 2.219 كيلومتراً، والتي تختصر الكثير من طبيعة الأزمات التي يعاني منها البلدان. ويعوّل بيترو ومادورو، على إعادة التبادل التجاري بين البلدين، إلى الفترة التي سبقت توتر العلاقات بشكل كبير ومتصاعد، وذلك مع بداية عام 2015، وهو أمر أساسي لمجابهة غلاء الأسعار.

وأكد السفير الكولومبي الجديد في كاراكس، أول من أمس، أن أكثر من ثمانية ملايين كولومبي يكسبون قوتهم من التجارة مع فنزويلا، وهذا هو أحد أهم أسباب إعادة العلاقات التجارية بين البلدين. وهناك توقعات مماثلة لدى الجانب الفنزويلي، حيث يرغب الصناعيون بتطبيع العلاقات التجارية التي وصل حجمها إلى 7,2 مليارات دولار عام 2008 قبل إغلاق الحدود.

ويأتي ذلك فضلاً عن أهمية التعاون المشترك على الحدود، والذي قد يتيح عسكرياً ملاحقة المهربين وتجار المخدرات الكبار والعصابات المنظمة التي تهيمن على هذه الحدود الصعبة والوعرة، وتجعل من غياب الدولة، السمة الأبرز لهذه الحدود، وفي المناطق الريفية الحدودية.

وفي تلك المناطق، خصوصاً لجهة كولومبيا، يأمل المواطنون، بعد وصول بيترو إلى الحكم، في استتباب الأمن وإمكانية عودة الدولة لأداء دورها وملاحقة العصابات النافذة، التي تجد أيضاً من الفنزويليين الهاربين من الأزمة في بلادهم (تستقبل كولومبيا حوالي 2.5 مليون فنزويلي) لقمة سهلة، حيث ينشط الاستغلال على كل مستوياته، بدءاً من اليد العاملة الرخيصة إلى الاستغلال الجنسي وغيره من الانتهاكات.

وإذا ما أراد بيترو أيضاً فتح حوار جديد مع الجماعات المتمردة التي رفضت اتفاق السلام الموقع بين الحكومة وجماعة "فارك" (القوات المسلّحة الثورية الكولومبية)، فإنه بحاجة أيضاً إلى دعم فنزويلا، التي لطالما نظرت إليها بوغوتا بعين الريبة والشك، تاريخياً، حيث ظلّت تتهم نظامها التشافي بدعم المتمردين.

وكان الرئيس الكولومبي الجديد، قد أكد منذ ما قبل تسلّمه السلطة رسمياً، أنه يعتزم الاعتراف برئاسة مادورو، ويعمل مع الحكومة الفنزويلية حول عدد من المسائل، بما فيها محاربة الجماعات المسلّحة على طول الحدود. على الرغم من ذلك، فقد سعى زعيم المعارضة الفنزويلية، غوايدو، إلى التواصل مع السلطة الجديدة في بوغوتا، وهو أكد في وقت سابق من الشهر الحالي، أنه أجرى "محادثات غير رسمية" مع أعضاء في فريق الرئيس الكولومبي الجديد، مضيفاً أن ذلك جاء في محاولة لإعادة كولومبيا تصدير منتجاتها إلى بلاده.

كما زار وفد من إدارة بايدن، في 22 يوليو/تموز الماضي، العاصمة الكولومبية، حيث التقى بيترو، وتمّت مناقشة مسائل تتعلق بـ"تجارة المخدرات والبيئة والتطور الاقتصادي"، بحسب الرئاسة الكولومبية. وكانت إدارة بايدن، قبل وصول بيترو إلى الحكم، قد أعلنت في مايو الماضي، كولومبيا، شريكاً أساسياً من خارج حلف شمال الأطلسي (الناتو).

(فرانس برس، العربي الجديد)

تقارير دولية
التحديثات الحية


 

المساهمون