فلسطينيو الشتات الأوروبي... أي دور في مواجهة حكومة التطرف الصهيوني؟

29 يناير 2023
مظاهرة تضامنية مع فلسطين في برلين (عبد الحميد هوسباس/الأناضول)
+ الخط -
يواجه العمل الفلسطيني في الساحتين الأوروبية والأميركية، كما حركات التضامن ومقاطعة الاحتلال الإسرائيلي، مصاعبٍ جمةٍ منذ سنواتٍ عديدةٍ، نتيجة عوامل ذاتية وأخرى تتعلق بمحاولات تجريم وتصنيف النشاط الداعم للقضية الفلسطينية على اعتباره معاداة للسامية.
مثلًا، ازداد الوجود الفلسطيني في ألمانيا بعد موجة لجوء 2014-2015، خصوصًا من قبل فلسطينيي سورية، في حين ما زال تنظيم أوضاع الجالية الفلسطينية في ألمانيا دون المستوى المطلوب، كذلك بما يخص نشاطها وأفاقه.
دون تلك المراجعة سوف تبقى جهود الجاليات مجرد انفعالات موسمية، لا تتمتع بالاستدامة أو المنهجية الساعية إلى هدفٍ واحدٍ بوصلته فلسطين
في ألمانيا، واجه الفلسطينيون في مناسباتٍ كثيرةٍ محاولات تضييق تجاه فعالياتهم الوطنية، بما في ذلك سعي سلطات برلين لمنع رفع العلم الفلسطيني في ذكرى النكبة 2022، واعتبار التصريحات المنددة بالاحتلال وزيارة نتنياهو تعبيراً عن معاداة السامية، كما أكد لكاتب المقالة بعض الناشطين، الذين لوحقوا قضائيا بتهمة "الازدراء والتشهير" برئيس حكومة صديقة: بنيامين نتنياهو.
الأمر ذاته يتكرر حيال النشاط المتعلق بفلسطين في دول أوروبية أخرى، بما في ذلك فرنسا وبعض الدول الاسكندنافية، إذ تنساق غالبية حكومات أوروبا خلف الضغوط الصهيونية التي تمارسها حكومات تل أبيب المتعاقبة.
الناشطون الأجانب في الحركات الداعمة للقضية الفلسطينية يطالبون حكوماتهم بمقاطعة دولة الاحتلال وسحب الاستثمارات منها، بسبب الانتهاكات الجسيمة والتنديد الدولي بها، وهم يتعرضون أيضاً للتضيق الأمني والسياسي بحججٍ واهيةٍ تعتبر معارضة وانتقاد الاحتلال بمثابة "تحريض وأعمال كراهية ضد اليهود عامةً"، كما حدث مع طبيب فلسطيني مهاجر منذ عقودٍ خلت، وناشط في الحركة الوطنية الفلسطينية من برلين.
اليوم مع حكومة نتنياهو الجديدة، التي تضم غلاة التطرف الاستيطاني متمثًلا في أحزاب الصهيونية الدينية، تبدو مهمة الشتات الفلسطيني في فضح دولة الفصل العنصري (الأبارتهايد)، مهمة مضاعفة تكتسي أهمية كبرى، رغم الاختلافات التي ساهم، للأسف الشديد، الانقسام الفلسطيني في تعميقها، فضلًا عن إهداره الكثير من الطاقات والجهود منذ بدياته في الـ2007.
واجه الفلسطينيون في ألمانيا؛ في مناسباتٍ كثيرةٍ، محاولات تضييق تجاه فعالياتهم الوطنية
عزم بعض فلسطينيي الشتات الأوروبي ومؤيدوهم في بعض الدول الأوروبية على إطلاق مبادرة في 21 يناير/ كانون الثاني، بغرض استثمار وضوح حكومة نتنياهو الجديدة، عبر الكشف عن معاني ضم إيتمار بن غفير وغيره من جماعات التطرف الاستيطاني فيها، نظراً لوصفهم من قبل الصحف الغربية بالفاشيين والعنصريين من داعمي الإرهاب والمحرضين عليه.
مهمة "الجاليات الفلسطينية"، المنتشرة في الشتات الأوروبي والغربي عمومًا، مختلفة قليلًا عن تلك التي تتولاها فصائل ومنظمات "حركة التحرر الوطني الفلسطيني"، لكن تؤدي قوة مواجهة الاحتلال وثبات المواقف منه في المركز في صفوف الحركات الفلسطينية داخل فلسطين إلى دعم الأطراف، الشتات عموماً، ومدها بذلك الثبات والحزم، كذلك قوة السياسات الرسمية الفلسطينية في مواجهة حكومة نتنياهو المتطرفة، وتجنبها السقوط في فخ المقايضة على قضية هنا وأخرى هناك.
مشاركة الشتات الفلسطيني في الفعّاليات الإعلامية والثقافية وغيرها من الفعّاليات التي تتوافق مع قوانين دول الإقامة، المتاحة تحت سقف حرية التعبير والرأي، سوف تساهم في تصنيف جرائم الاحتلال وفق تعريفات القانون الدولي.
أي، تزداد قوة تأثير الساحة الأوروبية، حيث ينتشر فلسطينيون وأحزاب وقوى عديدة مؤمنة بعدالة قضية فلسطين وبضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، مع وضوح سعي المركز إلى ملاحقة جرائم الاحتلال أمام المحاكم الدولية المختصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.
في الختام، يمكن للشتات، بكل ما لديه من طاقات وعلاقات وكفاءات، المساهمة بفاعلية في مواجهة حكومة تل أبيب المتطرفة إذا ما سارع إلى مراجعة السياسات والممارسات السابقة بجدية، التي يوصف أغلبها بـ"الشللية" والموسمية، انطلاقًا من الولاء لهذه السلطة أو تلك، في رام الله أو غزة.
دون تلك المراجعة سوف تبقى جهود الجاليات مجرد انفعالات موسمية، لا تتمتع بالاستدامة أو المنهجية الساعية إلى هدفٍ واحدٍ بوصلته فلسطين، بعيداً عن الوهن الذي يخلفه بقاء الموقف مائعًا كشعارات "الحل السلمي" و"حل الدولتين"، خصوصًا بعد عودة نتنياهو، الساعي إلى إفراغ الشعارين من محتواهما تمامًا، ومن ثم العمل على تثبيت وجود الاحتلال بعد إنهاء مجمل الحقوق الوطنية الفلسطينية.
المساهمون