لم تكن حادثتا ضرب المتحدث باسم "الجيش الوطني" المعارض، الرائد يوسف حمود، من قبل حاجز للشرطة في مدينة عفرين الخاضعة لسيطرة "الجيش الوطني"، وإطلاق الرصاص الحي من قبل عناصر هذا الجيش على متظاهرين في مدينة الباب، أمس الأول الجمعة، أول حادثتين تشيران إلى خلل بنيوي في تركيبة القوى المدعومة من تركيا والمسيطرة على مناطق شمال سورية، فقد سبقهما الكثير من الحوادث المشابهة، والتي أدت إلى اشتباكات بين مكونات "الجيش الوطني"، أو بين قوات الشرطة وبعض فصائل هذا الجيش، لأسباب معظمها تبدأ بخلافات فردية أو مناطقية، وغالباً ما تنتهي باشتباكات مسلحة.
التداخل بين مهام الشرطة و"الجيش الوطني" في مناطق سيطرتهما، قد يكون واحداً من أهم أسباب الفلتان الأمني الذي تشهده تلك المناطق، إلا أن هناك أسباباً أكثر أهمية لحالة الانفلات التي تسود المنطقة، أولها تشكيلة الفصائل المكونة لـ"الجيش الوطني" التي غالباً ما تكون مناطقية وعناصرها من مدينة محددة، الأمر الذي يدفع بأي خلاف فردي بين عنصرين من منطقتين مختلفتين ليتحول إلى خلاف بين الفصيلين اللذين ينتمي إليهما العنصران. كما أن عدم وجود قيادة مركزية تتبع لها الفصائل وتتحكم بها من خلال ضوابط صارمة، وتحوّل هذه القيادة إلى شكلية فقط، وتقديم الولاء لقائد الفصيل على الالتزام بأوامر عليا، عوامل تهدد بانفراط فصائل "الجيش الوطني"، التي يتحكّم كل قائد فصيل فيها بعناصره، ولا يجمع تلك الفصائل سوى إرادة الداعم بأن يكونوا مجتمعين تحت مسمى واحد.
كما أن افتقار "الجيش الوطني" وجهاز الشرطة في تلك المناطق إلى بنية مؤسساتية حقيقية، تترك المجال للتصرفات الفردية من قبل قادة الفصائل والمجموعات والتي غالباً ما تؤدي إلى صدامات. يضاف إلى هذا الأمر عدم التزام القوى الموجودة على الأرض بأي من قرارات الحكومة المؤقتة، التي يفترض أن تكون هذه الأجهزة تابعة لها، وعدم التزامها أيضاً بقرارات الائتلاف الوطني السوري الذي يعتبر المظلة لكل من الحكومة المؤقتة والقوى العسكرية والأمنية، والتعاطي مع كل ما يصدر عنها باستخفاف. هذا الأمر يساهم بازدياد الأوضاع الأمنية سوءاً في تلك المناطق التي لا تمتلك أي جهة التحكّم فيها سوى الجيش التركي الذي لا يتدخّل إلا حين تتطور الأحداث إلى مستويات خطيرة. هذا الوضع يتطلب تدخلاً جدياً من قِبل الداعم التركي لإعادة هيكلة ومأسسة "الجيش الوطني" وجهاز الشرطة لمنع حالة الفلتان الأمني الذي لا يزال سكان تلك المناطق يدفعون ثمنه.