غادر الرئيس الأميركي دونالد ترامب المستشفى، من دون أن تغادر الأسئلة والهواجس والمخاوف واشنطن، بل ازدادت إلحاحاً. فبعد ثلاثة أيام، عاد مساء الإثنين إلى البيت الأبيض بقرار وإصرار منه، وليس بقرار أطبائه. الفريق المشرف على معالجته كاد أن يعلن أن العودة ما زالت مبكرة. "لم نخرج تماماً بعد من الغابة"، قال طبيبه شون كونلي، الذي كان قد سبق له أن حدّد مدة "أسبوع أو عشرة أيام" لرصد تطور حالة الرئيس. وزاد من الغموض أنه لم يكشف في مؤتمره الصحافي قبيل مغادرة الرئيس، عن بعض جوانب التشخيص الحساسة المتعلقة بوضع ترامب، خصوصاً المشكلات في جهازه التنفسي. بل اعترف بأنه تعمّد، السبت، تدوير بعض الزوايا في هذا الخصوص "حتى لا نشوش على حالة التفاؤل"!
وهي المقاربة نفسها التي اعتمدها الرئيس مع كورونا منذ البداية، حيث قال في فبراير/شباط الماضي للكاتب بوب وودورد إنه نأى عن المصارحة بخطورة الفيروس "كي لا نرعب الناس". ضمناً، كي لا يبتعد الناس عن الجو السياسي الانتخابي.
14 مسؤولاً التقطوا العدوى من احتفال للبيت الأبيض في 26 سبتمبر
وهكذا، ومن خلال الاستخفاف بالفيروس، أمكن تسييس المقاربة الطبية، وبالتالي تسخيرها لحسابات الانتخابات. وهذا ليس بجديد، فهو معتمد منذ البداية، وهنا مكمن العطب الأساسي الذي أدّى بالنهاية إلى فضيحة تحوّل البيت الأبيض إلى "ووهان" أميركية، في وقت خرجت فيه ووهان الصينية من الجائحة بعد أن كانت نبعها.
فحتى اللحظة، صار عدد المسؤولين الذين التقطوا الفيروس من احتفال البيت الأبيض ليلة 26 سبتمبر/أيلول الماضي لترشيح القاضية آمي بارّيت لمقعد في المحكمة العليا، 14، من بينهم 3 من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، إضافة إلى مجموعة من كبار المستشارين والانصار، آخرهم الناطقة الرسمية في البيت الأبيض كايلاي ماكناني، التي كشفت الإثنين عن إصابتها بالفيروس.
وفي التقدير أن غيرها من حضور تلك الليلة التي جرت في حديقة البيت الأبيض، ومن دون كمامات، سيلحق بقافلة المصابين. ومن بينهم من دخل حالة الحجر. وعليه، تم إخلاء الجناح الغربي في البيت الأبيض من الموظفين ولغاية استكمال فحوصاتهم، والمعتقد انهم تناقلوا العدوى بحكم ظروف العمل في المكان، والذي كان يجري على طريقة الرئيس، من دون إجراءات الاحتراز المطلوبة. ويأتي ذلك في لحظة فاضحة هي الأخرى، حيث وصل حجم إصابات ووفيات كورونا الأميركية إلى ما يوازي 20% منها في العالم، مع أن الولايات المتحدة لا تشكل سوى 4% من سكانه. والتوقعات للقادم أكثر سوداوية، فالعدد يزحف نحو قرابة ربع مليون ضحية مع حلول موعد الانتخابات، وهذا رقم ثقيل على الرئيس في معركة صار كورونا مفتاحها الرئيسي، وبما يفسّر استعجاله الخروج من المستشفى. فإزاحة صورة المرض ضرورية استعداداً لاستئناف حملته المتعثرة أصلاً، والتي هددتها إصابته بالفيروس. طوال مكوثه في المستشفى، حرص على إرسال إشارات في هذا الاتجاه، سواء عبر الايجاز الصحافي الطبي اليومي الذي كان يشرف على توجيه مضمونه، أو من خلال جولته القصيرة، مساء الأحد، في موكب أمام المستشفى لتشجيع تجمّع من مؤيديه مرابط عند مدخلها، والتي أثارت الكثير من الانتقادات.
في الظاهر، بدا الرئيس العائد في حالة عادية، وإن محفوفة بخطر الانتكاس، وفق طبيبه وغيره من المرجعيات الصحية. ليس معروفاً حتى الآن مدى تأثير إصابته على حملته. آخر استطلاع قبل دخوله المستشفى، كشف عن تقدم منافسه الديمقراطي جو بايدن عليه بـ14 نقطة، كما ليس معروفاً متى يمكنه استئناف نشاطه الانتخابي بصورة أو بأخرى.
حتى ذلك الحين، يخضع ترامب لمراقبة طبية مركّزة في شبه مستشفى صغير داخل البيت الأبيض، الذي تحوّل إلى مصنع للفيروس، وسط حالة تخبط نادرة وصراعات داخلية فاقمها تفشي الوباء في جهاز موظفيه. وضع كاشف ومحرج، من الصعب أن يقوى الرئيس على إعادة عقاربه إلى الوراء.