أصدرت جماعات عراقية مُسلّحة حليفة لإيران، ليل الخميس ـ الجمعة، بياناً، توعدت فيه بما سمته صفحة جديدة من التصعيد ضد القوات الأميركية المتواجدة في العراق والمتعاونين معها، مهدّدة بشنّ هجمات واسعة تستهدف المعسكرات والأرتال الأميركية في البلاد. وجاء هذا التهديد، بعد يوم واحد من الهجوم الصاروخي الذي استهدف قاعدة عين الأسد غربي العراق، بـ10 صواريخ، وأسفر عن وفاة متعاقد مدني أميركي بحسب تقرير صدر عن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون). وتتهم واشنطن الفصائل الموالية لإيران بتنفيذ الهجمات الصاروخية على المقار الأميركية في العراق، وأرتال المتعاونين مع "التحالف الدولي" لمحاربة "داعش"، إلا أن السلطات العراقية لم تعلن حتى الآن عن الجهات التي تقف وراء هذه الهجمات.
جاء تهديد الفصائل بعد تحذيرات واشنطن من أنها ربما تبحث القيام بردّ عسكري على هجوم عين الأسد
وذكر بيان لـ"الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية"، التي تضم مليشيات عدة، أبرزها "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"العصائب" و"الخراساني" و"سيد الشهداء" و"الطفوف"، وفصائل أخرى تتلقى دعماً من إيران، وأعلنت للمرة الأولى عن نفسها بعد نحو أسبوع من مقتل زعيم "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني والقيادي في "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس بغارة أميركية في بغداد مطلع يناير/كانون الثاني 2020، أن "عمليات المقاومة كانت وستبقى ضد قوات الاحتلال وقواعده، ولن تستهدف البعثات الدبلوماسية، وإننا أمام صفحة جديدة من صفحات المقاومة، سيطاول فيها سلاح المقاومة كلّ قوات الاحتلال وقواعده في أي بقعة من أرض الوطن، وللمقاومة الحقّ الشرعي والوطني والتأييد الشعبي لكل ذلك".
وأضاف البيان، الذي نقلته وسائل إعلام محلية مقربة من "الحشد"، أن "المقاومة العراقية، قرارها عراقي وخيارها هو خيار الشعب العراقي، وستستمر في هذا الخيار مهما كانت الظروف والتضحيات، حتى تحرير العراق من دنس الاحتلال". وتابع البيان: "نعلن بكلّ وضوح أن أي جهة تقف عائقاً ضد طريق المقاومة وخيارها الثابت في مواجهة المحتل وطرده، هي جهة خائنة عميلة أو خاضعة خائفة ذليلة، ومن حق المقاومة، بل من واجبها، عدم الالتفات إلى مثل هذه الجهات، بل ومنعها بكافة الوسائل من إعاقة ضرباتها ضد الاحتلال".
ويأتي بيان الفصائل المسلحة بعد تحذيرات البيت الأبيض من أن الولايات المتحدة ربما تبحث القيام بردّ عسكري على الهجوم الصاروخي الذي استهدف قاعدة عين الأسد، وأيضاً بعد كشف نتائج التحقيق في قصف مطار أربيل في 15 فبراير/شباط الماضي، عن تورط مليشيا "كتائب سيّد الشهداء" في الهجوم الذي قتل فيه متعاقد مدني أجنبي ومدني عراقي، فضلاً عن جرح 9 آخرين، بينهم أميركيون.
وفي هذا السياق، تحدث نائب عراقي، عن تحالف "النصر" بزعامة حيدر العبادي، لـ"العربي الجديد"، عن حراك جديد لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بحثاً عن تهدئة، عقب بيان الفصائل الجديد، وسط مخاوف في الوقت ذاته من ردّ أميركي جديد على هجوم قاعدة "عين الأسد". وأوضح النائب، أن الكاظمي اجتمع مع رئيس تحالف "الفتح" هادي العامري ورئيس هيئة "الحشد الشعبي" فالح الفياض و"رئيس أركان الحشد الشعبي" القيادي في "كتائب حزب الله"، عبد العزيز المحمداوي، لبحث التهدئة ووقف أي تصعيد عسكري في الوقت الحاضر. وتابع المصدر أن "الكاظمي أجرى في الإطار ذاته، أكثر من اتصال هاتفي مع السفير الأميركي في بغداد (ماثيو تولر)، من أجل وقف الولايات المتحدة أي تصعيد ضد الفصائل المسلحة، ومنع تكرار أي هجمات جوية ضدهم، كما حصل في منطقة البوكمال السورية على الحدود بين سورية والعراق قبل أسبوع، لأن ذلك يعني تكرار الهجمات على القواعد التي يتواجد فيها الأميركيون، وكذلك على المنطقة الخضراء".
ولفت المصدر إلى أن الكاظمي يستخدم مبرراً هو أن التصعيد الأمني سيقضي على فرص إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة في العراق، ويدفع الأميركيين إلى إلغاء خطط تخفيض قواتهم في العراق. لكنه أضاف أنه "لغاية الآن، لا توجد أي بوادر نجاح لجهود الكاظمي، وسط إصرار من قبل الفصائل المسلّحة على مواصلة العمل العسكري وتصعيده خلال الفترة المقبلة، وهناك جهات مقربة منها تعرض شرط إعلان واشنطن موعداً محدداً للخروج من العراق وإلغاء خطط زيادة قوات حلف شمال الأطلسي في هذا البلد، وفق ما أُبلغ به الكاظمي من قبل الوسطاء بينه وبين الفصائل". وكان بيان لـ"الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية"، في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قد أفاد بأنه تقرر منح "فرصة مشروطة" للولايات المتحدة لتنفيذ قرار إخراج قواتها من العراق، مبررة خطوتها تلك بأنها "جاءت استجابة للجهود التي قامت بها بعض الشخصيات في هذا الإطار".
نائب عراقي: لا توجد أي بوادر نجاح لجهود الكاظمي من أجل التهدئة
في غضون ذلك، رأى عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، عبد الخالق العزّاوي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "أي تصعيد عسكري في المرحلة المقبلة ضد القوات الأميركية، سوف يزعزع أمن واستقرار العراق، خصوصاً أن هذا التصعيد سوف يكون مقابله آخر أميركي، من خلال استهداف مقرّات لفصائل أو حتى لقيادات لتلك الفصائل". وحذّر العزّاوي من أن "زعزعة الأمن والاستقرار لا تخدم العراق في هذه المرحلة الحسّاسة، خصوصاً أننا مقبلون على انتخابات برلمانية مبكرة، وأي زعزعة الآن ستؤثر على إجراء تلك الانتخابات، وهو أمر يضّر أيضاً بالاقتصاد العراقي، الذي يعيش حالياً شبه انهيار بسبب سوء الإدارة والفساد". وشدّد النائب العراقي على أن "واجب الحكومة العراقية حماية البعثات الدبلوماسية، والمدربين والمستشارين من التحالف الدولي، المتواجدين في البلاد بطلب ودعوة من الحكومة العراقية، فعليها التصدي لأي عمل خارج سيطرة الدولة وتوجهاتها، لأن ذلك يمسّ بسمعة العراق وهيبته ويؤثر على علاقاته الدولية".
من جهته، قال رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن "بيان الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة العراقية، يمثل إعلان حرب من جهة سياسية ومسلحة تجاه مصالح وأهداف أميركية، وأيضاً إعلان حرب على الحكومة العراقية، خصوصاً أن المصالح والقوات الأميركية موجودة بعلم وموافقة الحكومة العراقية، وأي استهداف لها هو إعلان حرب". ولفت الشمري إلى أن "هذا البيان يعطي تصوراً كاملاً بأن لا هدنة مع القوات الأميركية، وهو أيضاً يتطابق مع موقف طهران، التي هي ماضية في التصعيد مع الولايات المتحدة، والتي لم تبد أي تنازل أمام دعوات الرئيس الأميركي جو بايدن في القبول باتفاق نووي جديد". وأضاف رئيس مركز التفكير السياسي أنه "بحسب البيان، فإن العمل العسكري والمسلح سوف يمتد إلى غير القوات الأميركية، بل سيكون هناك استهداف حتى للمتعاونين مع هذه القوات، ما يجعل الوضع مفتوحاً في الداخل العراقي على أي جهة ستكون مستهدفة في قادم الأيام، فقد نشهد عمليات تصفية أو احتكاك بين الفصائل المسلحة وبعض المؤسسات الأمنية الرسمية، ما من شأنه أن يربك الوضع الأمني بشكل كبير وخطير". وشدّد الشمري على وجوب أن "تتحرك الحكومة العراقية لإصدار موقف تجاه هذا البيان، خصوصاً أن هذه الفصائل المسلحة لديها أجنحة سياسية، ما يحتم التعاطي مع هذه التهديدات وفق القانون والدستور العراقي".